وفاء أيرلندي وتجسس كولومبي وعودة فال كيلمر

12 مايو 2020
+ الخط -
ـ من أجمل ما قرأته من أخبار التضامن الإنساني خلال وباء فيروس كورونا اللعين، خبر الحملة التي أقيمت في أيرلندا خلال الأيام الماضية لجمع تبرعات للتضامن مع السكان الأصليين في الولايات المتحدة، وبالتحديد سكان مجتمعي الهوبي والنافاجو الذين تضرروا بقوة من وباء كورونا. جاءت الحملة كنوع من رد الجميل يقوم به الأيرلنديون لأبناء قبيلة (شوكتاو) من السكان الأصليين للولايات المتحدة، والذين كانوا قد تضامنوا في سنة 1847 مع الشعب الأيرلندي عقب تعرضه للمجاعة التي عرفت وقتها بـ (مجاعة البطاطس)، وقاموا بإرسال مبلغ قدره 170 دولاراً لفلاحي أيرلندا تضامناً معهم في أزمتهم. كان ذلك المبلغ يعتبر ضخماً بالنسبة لإمكانيات أبناء (شوكتاو) الذين كانوا قد أجبروا بشكل وحشي على هجر موطنهم في الجنوب الأميركي، وتم إعادة توطينهم قسرياً في ولاية أوكلاهوما، ومع ذلك لم يتأخروا عن التضامن مع المنكوبين في أيرلندا، وهو موقف إنساني تأثر به الأيرلنديون وقتها، وقاموا ببناء نصب تذكاري يخلد ذلك الموقف في مقاطعة كورك، وحين انتشرت أخبار تضرر السكان الأصليين من أبناء النافاجو والهوبي، انطلقت حملة التبرع تضامناً معهم، والتي جمعت حتى الأسبوع الماضي 2 مليون و700 ألف دولار، لتثبت أن العمل الطيب لا يضيع أثره عند أولاد الأصول.

....

ـ أعلن وزير الدفاع الكولومبي الجنرال لويس فرناندو نافارّو عن إقالة 12 مسئول عسكري رفيع المستوى، بعد اتهامهم بالتجسس على أكثر من 130 من قادة المعارضة والنقابيين والصحفيين والجنرالات المتقاعدين، وهو ما كانت قد كشفته وثائق تم تسريبها إلى مجلة (سيمانا) التي تحملت مسئولية نشر الوثائق، وكشفت لقرائها عن اتساع نطاق عمليات التجسس التي قام بها المسئولون العسكريون والتي دأبت لفترة طويلة على اختراق التليفونات المحمولة والبريد الإلكتروني للشخصيات المعارضة، وقامت بجمع معلومات شخصية عن أقارب وأصدقاء وزملاء الشخصيات المستهدفة، بالاستعانة بتقنيات تجسس أمريكية كان قد تم ضبط بعضها من قبل لدى عصابات المخدرات الكولومبية والحركات الثورية المسلحة، وهو ما أدانه وزير الدفاع الذي تعهد بتوقيع العقوبات على كل من يخالف القانون من ضباط الجيش ويتدخل في السياسة، وهو تصريح ربما يقابله الكثير من الكولومبيين بارتياح شديد، لكن الكثير من أبناء البلاد المنكوبة بحكم العسكر سيقابل مثل هذا التصريح بحذر أشد، لأن من "اتلسع من الشوربة" لا بد أن ينفخ في الزبادي.


...

ـ من القلائل الذين استفادوا من حالة العزلة التي فرضها انتشار وباء فيروس كورونا، تلك المجموعة من الفنانين الغانيين الذين أدوا رقصة حاملي النعش، والتي أصبحت شهيرة خلال الأسابيع الماضية، وتم توظيفها في عدد لا نهائي من "الميمز والكوميكس" للسخرية من الحمقى الذين يرغبون في استئناف حياتهم الطبيعية قبل تحجيم انتشار الفيروس أو التوصل إلى لقاح أو علاج مؤكد له. بنجامين أيدوو قائد مجموعة الراقصين الذين صوروا الفيديو قبل سنوات، قرر الاستفادة من حالة الشهرة العالمية التي حصل عليها مؤخرا، فقام بعمل حساب على تويتر، معرفاً نفسه بوصفه "مبتكر رقصة النعش"، معرباً عن استعداد فرقته للمشاركة في أي حملات إعلانية، ولعله الآن يلوم نفسه لأنه لم يقم بتسجيل تلك الرقصة في الشهر العقاري الغاني، خصوصاً أن الإقبال على استخدامها سيزداد في الفترة القادمة، بفضل الحمقى والمهاويس بنظريات المؤامرة الذين لن يصدقوا خطورة الفيروس إلا حين يفتك بأرواح أقرب الناس إليهم، عافانا الله وإياكم.

....

ـ على عكس ما كنت أعتقد، لم يختف الممثل الأميركي فال كيلمر عن الشاشة في السنوات الأخيرة، بسبب ظروف نفسية ناتجة عن انحسار نجوميته وقلة الأدوار المعروضة عليه بسبب فشل أفلامه الأخيرة، كما قرأت في بعض المجلات الفنية قبل فترة، بل لأنه ظل لفترة لا يستطيع الحديث، بعد أن أصيب بسرطان الحنجرة في عام 2015، وهو ما كشف عنه كيلمر الأسبوع الماضي في سلسلة حوارات أجراها مع عدد من المجلات الأميركية، بعد أن كان قد أنكر ذلك قبل أربع سنوات، حين تحدث مايكل دوجلاس الذي تعرض لتجربة مماثلة عن معاناة فال كيلمر مع سرطان الحنجرة، فقام فال كيلمر بتكذيبه على صفحته في الفيس بوك، وقال إن هذه الأنباء غير صحيحة، وأن صديقه مايكل دوجلاس فهم خطئاً، لكنه لا يقصد الإضرار به، وأنه يعاني فقط من متاعب صحية نتجت عن تورم بسيط في اللسان وسيتغلب عليه في أسرع وقت، وقد نشر موقع الـ (بي بي سي) حينها أن فال كيلمر مصاب بالمرض فعلاً كما قال مقربون منه، لكنه متردد في تلقي العلاج لأنه ينتمي إلى طائفة الـ (كريستيان ساينس) الدينية التي تعتقد أن الأمراض يمكن علاجها بالصلاة فقط والاقتراب من الله.

في حوار نشرته مجلة (مين هيلث) اعترف فال كيلمر أنه فقد صوته لفترة بسبب مضاعفات سرطان الحنجرة، وقال ساخراً أن صوته الجديد يشبه "صوت مارلون براندو ولكن بعد أن يشرب عدة زجاجات تيكيلا"، مؤكداً أنه لم يكن سيتخطى محنة المرض إلا بسبب إيمانه بالله وتمسكه بالطاقة الإيجابية، وقال كيلمر البالغ من العمر ستين عاماً إنه لا يؤمن بأن الموت قادر على تفريق الإنسان عمن يحبهم، لأنه لا زال يتواصل مع كثير من الناس الذين يحبهم والذين فارقوا الحياة وعلى رأسهم والدته وشقيقه الأصغر، مضيفاً: "بعد أن رحلت أمي ظللت واعياً بوجودها، يمكن أن تقول أنني كنت على صلة بروحها، لكنني أعتقد أنني كنت متواصلاً معها بقوة، وأدركت أنها تريدني أن أكون سعيداً، لأنها التقت بأخي ويسلي الذي رحل قبلها، وبحب عمرها بيل زوجها الثاني".

لم يقتصر تواصل كيلمر الروحي على البشر الراحلين، بل امتد إلى الراحلين من الحيوانات التي قال إنه يتلقى زيارات من أرواحها ويتواصل معها، معتبراً أن ذلك يمكن أن يحدث حين تشعر الحيوانات أنك تهتم بها فعلاً، وهو ما ينطبق عليه، لأنه كان دائماً على علاقة قوية بالحيوانات البرية، خصوصاً بحيوانات الفهد الأسود والغرير والنمر الأسود، وأن هذه الصلات الروحية ساعدت على تشكيل توجهه للتعايش مع مرض السرطان، وأنه يعتبر أن نصف طريق التعافي يتمثل في تأكدك من خلو العقل من أي حدود أو قيود.

كان فال كيلمر قد انضم إلى قائمة ممثليّ المفضلين، منذ رأيته لأول مرة في فيلم (Thunderheart) للمخرج مايكل أبتيد والذي عرضه مهرجان القاهرة السينمائي في حفل افتتاحه عام 1992 بعد عرضه في أمريكا بفترة قصيرة، وقد لعب فيه دور ضابط مباحث فيدرالية يحمل في عروقه دماء السكان الأصليين لأميركا، ويقوم بالتحقيق في جريمة قتل في إحدى المحميات الفقيرة التي يعيش فيها من تبقى من السكان الأصليين، أعجبت بأداء كيلمر غير التقليدي، وبدأت أتتبع أفلامه السابقة المتميزة التي مثل فيها مع مخرجين مثل رون هوارد وتوني سكوت وأوليفر ستون، وأفلامه اللاحقة التي أجاد في بعضها وتخبط في بعضها الآخر، خصوصاً حين لعب دور (باتمان) في النسخة التي أخرجها جويل شوماخر من سلسلة أفلام باتمان، ومع أن الفيلم حقق نجاحاً تجارياً لا بأس به، إلا أن كيلمر لم يتلق دفعة قوية بعدها، وهو ما تكرر بعد نجاحه الساحق في فيلم (The Saint) الذي كان يفترض به أن يعزز مكانته كنجم شباك، لكن ذلك لم يحدث، ليواصل كيلمر التخبط بين أدوار قوية في أفلام ناجحة فنيا وفاشلة تجاريا وأدوار ضعيفة في أفلام فاشلة فنيا وتجاريا.

أعتقد أن آخر دور كبير أداه فال كيلمر كان دوره في فيلم (The Salton Sea) عام 2002 مع المخرج دي جي كروزو، ليدخل بعدها في مرحلة من التيه، تشبه مرحلة التيه التي خاضها نجم آخر من أبناء أيامه هو نيكولاس كيج، ولذلك سعدت حين قرأت كلاماً مبشراً عن استعادته للياقته الفنية بعد شفائه من المرض اللعين، وأنه سيظهر قريباً في الجزء الثاني من فيلم (Top Gun) الذي كانت نجوميته قد انطلقت مع جزئه الأول في بداية التسعينات، لكنني متشوق أكثر لمشاهدته في فيلم كان قد حلم به طويلا، وأنجزه مؤخرا يحمل عنوان (Cinema Twain) والذي يلعب فيه دور الأديب الأميركي الكبير مارك توين، وأتمنى أن نستمتع به قريباً، لأن السينما الأميركية في رأيي لم تقدم حتى الآن مارك توين بالشكل الذي يليق، وأتمنى أن يتغير ذلك على يد فال كيلمر بعد أن أدخلته يد الله في التجربة، وقام بألف سلامة.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.