يختلف خريجو الجامعات العراقية عن أمثالهم في الجامعات الأخرى، كونهم يبذلون الجهد في التنافس للحصول على وظائف مجانية وبلا مقابل، في حين تطلق لهم وزارات عدة أبرزها التربية والبلديات والكهرباء الوعود بتعيينهم وفق قاعدة "حين ميسرة".
ويسعى الخريجون لنيل تلك الوظائف، على اعتبار أن لهم الأولوية في التعيين كونهم خدموا تلك الوزارات مجاناً. إلا أن السنوات تمضي في العمل المجاني بلا مقابل ودون حتى بصيص أمل بالتعيين، ما يجعلهم في حيرة من أمرهم بين تركهم العمل المجاني والبحث عن فرصة أفضل، والخوف من فتح باب التعيين بعد مغادرتهم، ما يعني أنهم ضيعوا سنوات خدمة سابقة دون طائل.
وقال مشتاق محمد، وهو مدرّس "مجاني" لمادة الكيمياء، في إحدى مدارس بغداد، لـ"العربي الجديد": "تخرجت في إحدى الجامعات العراقية قبل أربع سنوات، ولم أحصل على أي تعيين حكومي، فوجدت عدداً من زملائي الجامعيين يعملون في المدارس بصفة محاضر مجاني"، مؤكدا: "خلال بحثي عن تعيين مجاني في إحدى المدارس، فوجئت أثناء مراجعتي دوائر التربية ومجلس المحافظة، بأنّ آلاف الخريجين والخريجات يتنافسون على الحصول على الوظائف المجانية".
وأوضح: "لم أحصل على الوظيفة إلّا بعد الحصول على وساطة"، مؤكداً: "بعد نحو 10 أيام من المراجعات والوساطات، ظهر اسمي ضمن قوائم المقبولين في إحدى المدارس، فكانت فرحة كبيرة وكأنني حصلت على تعيين براتب".
وقال: "أشعر اليوم بعد سنتين من التدريس المجاني، وكأنني أضيع وقتي بلا عمل وبلا طائل، فلا راتب يعينني، ولا مستقبل أمامي، وتركت عملي الذي كنت أتكسب منه"، مؤكداً أنّ "الإحباط بلغ ذروته عندما رأيت خريجين غير عاملين بالمجان حصلوا على تعيينات حكومية لأن لديهم وساطات كبيرة".
وتؤكد وزارة التربية العراقية، أنّ التخصيصات المالية لا تكفي لاحتواء الخريجين العاطلين عن العمل، واضطرت لإطلاق التعيينات بوظائف مجانية مترافقة مع وعود بالتعيين مستقبلاً.
وأوضح مسؤول في الوزارة لـ"العربي الجديد"، أن "عموم مدارس العراق بحاجة إلى كوادر تدريسية، ولجأت الوزارة إلى سد هذا النقص الشاغر بالمحاضرين المجانيين، الذين استطعنا كسبهم من خلال الوعود بالتعيين"، مؤكداً: "هناك إقبال شديد من قبل الخريجين على التعيين المجاني، على أمل الحصول على تعيين رسمي مستقبلاً".
وأشار إلى أنّه "بالتأكيد تحصل تعيينات خارج إطار المجانيين، فالوساطات والأحزاب والجهات السياسية لها تأثيرها في كل مؤسسات الدولة، ومنها وزارة التربية"، مبينا: "نحن في الوزارة لا نستطيع التحكم بدرجاتنا الوظيفية، فلكل حزب حصته ولكل جهة حصتها، ما يعني أنّ جيشا من العاطلين سيقضون عمرهم بلا تعيين".
وتؤكد إدارات المدارس أنّ خطة التعيين المجاني قللت من حاجتها للكوادر التدريسية، لكنّها أثرت سلباً على مجريات التعليم.
وقال الأستاذ فائز العبيدي، وهو مدير إحدى مدارس بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ مدرسته "تضم ثمانية محاضرين مجانيين، وهم يؤدون واجبهم، لكن الإدارة لا تستطيع الضغط عليهم بمحاضرات إضافية أو سد النقص عند غياب أحد المدرسين، إذ إنّهم لا يقبلون كون عملهم بالمجان".
وتابع: "لا نستطيع الضغط عليهم فلهم عذرهم، هم لا يتقاضون أي ثمن مقابل ما يقدمونه، لكنّنا بذات الوقت نحتاج إلى تقسيم العمل وتنظيمه"، مؤكدا أنّ "هذه التجربة لها جوانب سلبية على العملية التربوية في البلاد، وعلى الحكومة تقديم دعم مادي ولو بنسبة بسيطة للمجانيين تشجيعا لهم".
يشار إلى أنّ العراق يعاني من ارتفاع كبير بنسبة البطالة، إذ إنّ آلاف الخريجين منذ عدّة سنوات لم يحصلوا على فرص عمل، ما تسبب بوجود جيش من العاطلين عن العمل.