19 يناير 2024
وسائل التواصل الاجتماعي والفعل السياسي
يلقى استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية "تضخيما" كثيرا بعد أحداث الربيع العربي والثورات في تونس ومصر بشكل خاص، ثم سورية وليبيا واليمن بنسبة أخرى، غير أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كان رئيسياً في معظم مناطق العالم العربي، سيما أكثر المجتمعات تحفظا، التي كانت مغلقة نسبيا أمام حرية تدفق المعلومة، كما في السعودية والإمارات، فلدى الأولى، مثلا، الآن أكبر مجتمع تويتر نمواً في دول الخليج العربي. وتفتح وسائل التواصل الاجتماعي أبوابا جديدة أمام خطابٍ عام جديد، ويرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تغيرت طبيعة الجمهور، ومحتوى الرسائل السياسية والاجتماعية، والأهم من ذلك كله أن تأثيرها أصبح بمثابة عامل حاسم في اتخاذ القرارات، حتى على المستوى الرسمي، فقد جرى عزل أكثر من وزير على المستوى الخليجي، بسبب تسريب مقطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فتجد الحكومة نفسها ملزمةً بالتفاعل، واتخاذ إجراءٍ ما على المستويين، التنفيذي والسياسي، إذ تتصف المجتمعات الخليجية بأنها منفتحة اجتماعياً، لكنها مغلقة سياسياً، بحيث تنحصر السلطة في العائلة الملكية، أو الأميرية الحاكمة، وهو ما حدّد دور الفرد وتأثيره في الحياة السياسية بشكل خاص، والحياة العامة بشكل عام، ومع سيطرة العائلات الحاكمة على وسائل الإعلام بشكل مطلق، ما حدّ من تأثير الفرد، وجعله انعكاساً لرؤية النخب الحاكمة فقط.
ومع بروز وسائل الإعلام المستقلة، كقناة الجزيرة في عام 1996، والأهم صعود وسائل التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر وأنستغرام، ظهر مفهوم المواطن – الصحفي، وبرز تأثير وسائل هذه الوسائط بشكل كبير في الحياة العامة، حيث تمكّن المواطن في بلدان الخليج من استخدامها بوفرة، حيث تعد نسبة مستخدمي هذه الوسائط في دول الخليج العليا عربياً، تمكن من استخدامها لغايات اجتماعية، وإيصال رسائل سياسية، لعبت دوراً فعالا في تغيير مفهوم المجتمعات المغلقة.
يعرّف علماء الاجتماع "المجتمعات المغلقة" بأنها التي لا يتغير فيها دور الفرد ووظيفته من الناحية النظرية، بمعنى آخر لا يمتلك حقوقاً سياسية، تؤهله لتبوء موقع ذات تأثير في الحياة العامة، خصوصا لدى المجتمعات التي ما زالت تحافظ على معناها الطبقي، كما حال الهند. حيث يتم تعيين المركز الاجتماعي للشخص عند الولادة، ويتحدّد هذا المركز مدى الحياة مع عدم إمكانية التحرك صعودا أو هبوطا. وهو ما يشار إليه بنظام الطبقات الاجتماعية، حيث لا يمكن للأفراد الانتقال بحريةٍ من مستوىً إلى آخر، وهو مثالٌ على نظام الطبقات الاجتماعية المغلقة. إذ على الشخص الذي ولد في طبقة معينة أن يبقى فيها مدى الحياة. ويحظر الزواج بين أفراد الطوائف، وقد كان النظام الطبقي في الهند الذي ألغته الحكومة رسميا في 1949 جزءا أساسيا من الحياة مدة 2500 سنة.
حاول كارل بوبر في كتابه "المجتمع المفتوح وأعداؤه" التمييز بين المجتمعات المفتوحة وتلك المغلقة، وطبق ذلك على النظرية الاجتماعية، فقد رفض بوبر نظريات أفلاطون وهيغل وماركس، والتي اقترحت وجود قوانين تاريخية ومصير إنساني تمكن معرفته، واعتبر أنها غير مقبولة علميا وخطيرة سياسيا. وأفاد بأن كل هذه النظريات يمكن أن تؤدي إلى أنظمة سلطوية وغير إنسانية، وهي ما سماها "المجتمعات المغلقة"، لأنها أُغلقت أمام عمليات التغيير العادية الاجتماعية والسياسية. أما المجتمعات المفتوحة فهي، على النقيض، تستند إلى النشاط والإبداع والابتكار بالنسبة لأفرادها، وسوف تتطور بشكلٍ لا يمكن التنبؤ به من خلال الهندسة الاجتماعية المجّزأة. وهي المجتمعات التي ترصد فيها السياسات الاجتماعية من أجل نتائج غير مقصودة. ويجب أن تكون هذه المجتمعات ليبرالية وديمقراطية على حد سواء، بمعنى أن على الحكام التخلي عن مناصبهم ومواقعهم، عندما يتعرّضون إلى نقد مبرر، فالتباين الضمني، إذا وبطبيعة الحال، يبدو واضحاً جداً بين النظام الشمولي لمّا كان آنذاك (وقت كتابة بوبر كتابه) الاتحاد السوفييتي (مجتمعا مغلقا) والديمقراطيات الغربية (مجتمعات مفتوحة).
ووفقا لبوبر، لم تكن الشمولية فريدة من نوعها في القرن العشرين. بدلا من ذلك، "ينتمي الفكر الشمولي إلى تقليد قديم تماما أو شبيه بحضارتنا نفسها"، وهو لذلك بحث في كتابه "في المجتمع المفتوح"، عن جذور الشمولية، وأعادها إلى اليونان القديمة. حيث اكتشف هناك ظهور ما سماه "المجتمع المفتوح" الأول في أثينا الديمقراطية في القرن الخامس قبل الميلاد، والأثينيون، كما قال، كانوا أول من خضع لقيمهم الخاصة. لكن القوى الرجعية لم تنزعج، بسبب عدم الاستقرار والتغيير الاجتماعي السريع الذي أطلقه المجتمع المفتوح، لكنها سعت إلى العودة إلى الوراء على مدار الساعة، وعودة أثينا إلى مجتمع يتميز بالسلسلة الهرمية الجامدة، في مطابقةٍ لعادات القبيلة، وعدم الاحترام اللاذع للسلطة والتقاليد.
بالنسبة لبوبر، النزعة الفردية والحرية والمسؤولية الشخصية هي التي "تفتح" المجتمعات، عندما تولد لدى كثيرين الشعور بالعزلة والقلق، لكن هذا القلق يجب أن يولد إذا أردنا أن نتمتع بمزايا أكبر للعيش في مجتمع مفتوح: الحرية الاجتماعية والتقدّم، وتزايد المعرفة، وتعزيز التعاون. "هذا هو الثمن الذي يجب أن ندفعه، لأننا بشر".
من أهم صفات المجتمعات المغلقة انعدام حرية المعلومات، وصعوبة الوصول إلى الحقيقة أو المعرفة بالنسبة للأفراد، ومع ظهور الإنترنت، ثم ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت المعرفة متاحة للجميع وعلى المستوى الأفقي، ربما تستطيع السلطات حجبها على المستوى العمودي فترة محدّدة، لكن هذا يزيد شغف الناس بالوصول إلى الحقيقة.
ولذلك، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي في المجتمعات المغلقة أن تساعد الناس على تصميم استراتيجيات للتحرّر من سيطرة الحقيقة "الرسمية"، وتوسيع نموذج الرأي السياسي القائم على الرأي الاجتماعي، وتعزيز النقاشات الجماعية عبر الشبكات الافتراضية. ومع انحسار هيمنة وسائل الإعلام الرسمية في الأنظمة المغلقة، لحساب وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يشكل اليوم "فيسبوك" و"تويتر" المصدر الرئيسي للحصول على المعلومة، بالنسبة للمجتمعات المفتوحة والمتقدمة، ويكاد يكون الوحيد في المجتمعات المغلقة، حيث الكل يسعى إلى بناء حقيقة مرادفة لتلك التي تسوقها وسائل الإعلام الرسمية.
ومع ازدياد الشكوك بالنسبة لصدقية الحقيقة "الرسمية"، تصبح المساهمة الاجتماعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي الدور الأساسي في التعامل مع الحقيقة، وأحيانا نقضها وإيجاد بديل عنها.
ومع بروز وسائل الإعلام المستقلة، كقناة الجزيرة في عام 1996، والأهم صعود وسائل التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر وأنستغرام، ظهر مفهوم المواطن – الصحفي، وبرز تأثير وسائل هذه الوسائط بشكل كبير في الحياة العامة، حيث تمكّن المواطن في بلدان الخليج من استخدامها بوفرة، حيث تعد نسبة مستخدمي هذه الوسائط في دول الخليج العليا عربياً، تمكن من استخدامها لغايات اجتماعية، وإيصال رسائل سياسية، لعبت دوراً فعالا في تغيير مفهوم المجتمعات المغلقة.
يعرّف علماء الاجتماع "المجتمعات المغلقة" بأنها التي لا يتغير فيها دور الفرد ووظيفته من الناحية النظرية، بمعنى آخر لا يمتلك حقوقاً سياسية، تؤهله لتبوء موقع ذات تأثير في الحياة العامة، خصوصا لدى المجتمعات التي ما زالت تحافظ على معناها الطبقي، كما حال الهند. حيث يتم تعيين المركز الاجتماعي للشخص عند الولادة، ويتحدّد هذا المركز مدى الحياة مع عدم إمكانية التحرك صعودا أو هبوطا. وهو ما يشار إليه بنظام الطبقات الاجتماعية، حيث لا يمكن للأفراد الانتقال بحريةٍ من مستوىً إلى آخر، وهو مثالٌ على نظام الطبقات الاجتماعية المغلقة. إذ على الشخص الذي ولد في طبقة معينة أن يبقى فيها مدى الحياة. ويحظر الزواج بين أفراد الطوائف، وقد كان النظام الطبقي في الهند الذي ألغته الحكومة رسميا في 1949 جزءا أساسيا من الحياة مدة 2500 سنة.
حاول كارل بوبر في كتابه "المجتمع المفتوح وأعداؤه" التمييز بين المجتمعات المفتوحة وتلك المغلقة، وطبق ذلك على النظرية الاجتماعية، فقد رفض بوبر نظريات أفلاطون وهيغل وماركس، والتي اقترحت وجود قوانين تاريخية ومصير إنساني تمكن معرفته، واعتبر أنها غير مقبولة علميا وخطيرة سياسيا. وأفاد بأن كل هذه النظريات يمكن أن تؤدي إلى أنظمة سلطوية وغير إنسانية، وهي ما سماها "المجتمعات المغلقة"، لأنها أُغلقت أمام عمليات التغيير العادية الاجتماعية والسياسية. أما المجتمعات المفتوحة فهي، على النقيض، تستند إلى النشاط والإبداع والابتكار بالنسبة لأفرادها، وسوف تتطور بشكلٍ لا يمكن التنبؤ به من خلال الهندسة الاجتماعية المجّزأة. وهي المجتمعات التي ترصد فيها السياسات الاجتماعية من أجل نتائج غير مقصودة. ويجب أن تكون هذه المجتمعات ليبرالية وديمقراطية على حد سواء، بمعنى أن على الحكام التخلي عن مناصبهم ومواقعهم، عندما يتعرّضون إلى نقد مبرر، فالتباين الضمني، إذا وبطبيعة الحال، يبدو واضحاً جداً بين النظام الشمولي لمّا كان آنذاك (وقت كتابة بوبر كتابه) الاتحاد السوفييتي (مجتمعا مغلقا) والديمقراطيات الغربية (مجتمعات مفتوحة).
ووفقا لبوبر، لم تكن الشمولية فريدة من نوعها في القرن العشرين. بدلا من ذلك، "ينتمي الفكر الشمولي إلى تقليد قديم تماما أو شبيه بحضارتنا نفسها"، وهو لذلك بحث في كتابه "في المجتمع المفتوح"، عن جذور الشمولية، وأعادها إلى اليونان القديمة. حيث اكتشف هناك ظهور ما سماه "المجتمع المفتوح" الأول في أثينا الديمقراطية في القرن الخامس قبل الميلاد، والأثينيون، كما قال، كانوا أول من خضع لقيمهم الخاصة. لكن القوى الرجعية لم تنزعج، بسبب عدم الاستقرار والتغيير الاجتماعي السريع الذي أطلقه المجتمع المفتوح، لكنها سعت إلى العودة إلى الوراء على مدار الساعة، وعودة أثينا إلى مجتمع يتميز بالسلسلة الهرمية الجامدة، في مطابقةٍ لعادات القبيلة، وعدم الاحترام اللاذع للسلطة والتقاليد.
بالنسبة لبوبر، النزعة الفردية والحرية والمسؤولية الشخصية هي التي "تفتح" المجتمعات، عندما تولد لدى كثيرين الشعور بالعزلة والقلق، لكن هذا القلق يجب أن يولد إذا أردنا أن نتمتع بمزايا أكبر للعيش في مجتمع مفتوح: الحرية الاجتماعية والتقدّم، وتزايد المعرفة، وتعزيز التعاون. "هذا هو الثمن الذي يجب أن ندفعه، لأننا بشر".
من أهم صفات المجتمعات المغلقة انعدام حرية المعلومات، وصعوبة الوصول إلى الحقيقة أو المعرفة بالنسبة للأفراد، ومع ظهور الإنترنت، ثم ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت المعرفة متاحة للجميع وعلى المستوى الأفقي، ربما تستطيع السلطات حجبها على المستوى العمودي فترة محدّدة، لكن هذا يزيد شغف الناس بالوصول إلى الحقيقة.
ولذلك، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي في المجتمعات المغلقة أن تساعد الناس على تصميم استراتيجيات للتحرّر من سيطرة الحقيقة "الرسمية"، وتوسيع نموذج الرأي السياسي القائم على الرأي الاجتماعي، وتعزيز النقاشات الجماعية عبر الشبكات الافتراضية. ومع انحسار هيمنة وسائل الإعلام الرسمية في الأنظمة المغلقة، لحساب وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يشكل اليوم "فيسبوك" و"تويتر" المصدر الرئيسي للحصول على المعلومة، بالنسبة للمجتمعات المفتوحة والمتقدمة، ويكاد يكون الوحيد في المجتمعات المغلقة، حيث الكل يسعى إلى بناء حقيقة مرادفة لتلك التي تسوقها وسائل الإعلام الرسمية.
ومع ازدياد الشكوك بالنسبة لصدقية الحقيقة "الرسمية"، تصبح المساهمة الاجتماعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي الدور الأساسي في التعامل مع الحقيقة، وأحيانا نقضها وإيجاد بديل عنها.