ألقى وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، اليوم الأربعاء، كلمة موجهة إلى الجمهور المناهض للبريكست، محذراً من خطورة تجاهل أصوات 17.4 مليوناً ممن صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي صيف 2016.
وتفتتح كلمة جونسون سلسلة من المداخلات المماثلة، تعرف باسم "الطريق إلى بريكست"، يلقيها عدد من الوزراء المؤيدين للبريكست في الحكومة البريطانية، بهدف توضيح رؤيتهم الشخصية لشكل بريكست المرتقب، وحشد الدعم له.
كما تهدف خطابات وزراء حكومة تيريزا ماي إلى عكس صورة موحدة للحكومة البريطانية، وخاصة بعد أسابيع من الشقاق الداخلي في صفوف حزب المحافظين، وهو ما قام به جونسون على مدى خطابه مؤكداً ومكرراً ثقته بأن "ماي قادرة على التوصل إلى صفقة بريكست ترضي الجميع".
وأقر جونسون، في بداية خطابه، الذي حاول فيه رسم صورة ليبرالية إيجابية ومنفتحة لبريكست، بوجود معارضة شديدة لبريكست في بريطانيا، وحدد ثلاث نقاط، بناء على نقاشاته مع الناخبين، عدها المحاور الرئيسية الثلاثة لمعارضة بريكست: المخاوف الجيوستراتيجية المتعلقة بمغادرة بريطانيا، وهي الدولة الصغيرة للكتلة الأوروبية الكبرى، والقلق من النزعة الانعزالية التي يرسمها تصويت بريكست، إضافة إلى المخاوف الاقتصادية من كون اقتصاد بريطانيا أسوأ حالاً خارج أوروبا.
وشدد وزير الخارجية البريطاني على أن "بريكست ليس بالضرورة نزعة قومية انعزالية تهدف إلى إعادة بريطانيا إلى الخمسينيات، بل يمكن له أن يكون قوة تدفع بريطانيا على مسار الانفتاح والتطور من دون قيود مفروضة من الاتحاد الأوروبي"، كما خاطب أفراد الجمهور المؤيد لبريكست، مطالباً إياهم بـ"ألا يتجاهلوا مخاوف الراغبين في البقاء في الاتحاد الأوروبي"، حيث يرى أن "هذا ما حدث عندما انضمت بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي وجرى تجاهل الجمهور المعارض حينها".
وأكد التزام بريطانيا غير المشروط بأمن أوروبا، حيث أسهب في ذكر المساهمة البريطانية في الخبرات والميزانية الدفاعية والأمنية الأوروبية، وجدد التزام بلاده بها، نافياً ارتباط هذا الالتزام بمعاهدات الاتحاد الأوروبي.
ونفى جونسون أن يكون السبب وراء التصويت لصالح بريكست معاداة الثقافة الأوروبية، بل يرى أن التصويت كان "تعبيراً عن رغبة بريطانيا بحكم الشعب من قبل الشعب ولصالح الشعب".
وقال إن "أغلبية البريطانيين تجهل آلية عمل الاتحاد الأوروبي، وكيفية اتخاذ القرارات في المؤسسات الأوروبية، عدا عن ممثليهم فيها (…) إذا أردنا الوصول إلى الأشخاص المسؤولين عن رسم المرحلة المقبلة من التكامل الأوروبي فلن نستطيع معرفة مكان تواجدهم، عدا عن كيفية عزلهم من مناصبهم".
وأضاف: "هذا هو سبب تصويت الشعب لمغادرة الاتحاد، ليس لأنهم يعادون الثقافة والحضارة الأوروبية، ولكن لأنهم يريدون استعادة السيطرة. ولهذا لا يجب التعامل مع بريكست على أنه وباء أصابنا، بل كفرصة، وفوق كل شيء فرصة اقتصادية".
وفي معرض تعامله مع المحور الثالث المتعلق بمخاوف الجمهور المؤيد للاتحاد الأوروبي من التبعات الاقتصادية للخروج من الاتحاد، يرى جونسون أن "حصة الأسد من النمو الاقتصادي البريطاني مرتبطة بالتجارة خارج الاتحاد الأوروبي، وخاصة في آسيا والمحيط الهادئ".
وفي هذا السياق، شدد على أهمية الهجرة إلى بريطانيا في نمو اقتصادها ورخاء البلاد، إلا أنه شكك في أهمية هجرة الأيدي العاملة الرخيصة ذات الأجور المنخفضة، حيث رأى أنها تنافس اليد العاملة البريطانية في هذا المجال.
وقال: "سنسيطر على حدودنا، ليس لأننا نعادي الهجرة والمهاجرين. بالعكس تماماً. نريد الخبرات أن تأتي إلى هذ البلد وتستقر فيه... ولكن يجب أن نسأل أنفسنا أسئلة صعبة حيال تأثير 20 عاما من الهجرة غير المضبوطة من قبل الأيدي العاملة الرخيصة وغير الماهرة، وما أدت إليه من خفض الأجور والفشل في الاستثمار المناسب في مهارات الأشخاص اليافعين من السكان الأصليين".
وحذر جونسون من مغبة الاتجاه نحو استفتاء ثان على بريكست "لما قد يهدره من وقت وجهد، وأيضاً للتبعات التي يمكن أن يتسبب بها على المجتمع البريطاني"، موضحا "إذا كان هناك تصويت ثان، أعتقد أننا سندخل عاماً آخر من الاضطرابات والشقاق، وستخرج منه البلاد خاسرة... دعونا لا نسلك هذا الطريق".
وفيما أكد على أن بريكست سيسمح لبريطانيا سن القوانين والتشريعات التي تريد وتطوير التقنيات التي ترغب بها، وتفسح المزيد من المجال للإبداع الثقافي والتجاري والاقتصادي، نفى أن يعود بريكست ببريطانيا إلى الوراء، مشدداً على أن "بريطانيا ستحافظ على علاقاتها القوية بأوروبا، وستحصل على صفقات حرية سفر صحيحة، وسيتمكن البريطانيون من السفر إلى أوروبا والعيش فيها".
وأثار خطاب جونسون انتقادات حادة، جاء أشدها من تشوكا أمونا، أحد الأوجه المؤيدة لعضوية الاتحاد الأوروبي والعضو في البرلمان البريطاني عن حزب "العمال"، حيث وصف جونسون بأنه "غير مؤهل أبداً للحديث عن الخوف والخيانة".
وأضاف أمونا: "جونسون مارس تخويف الناخبين عندما أصر أن تركيا على وشك الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأنه خانه الملايين من الناس عندما تراجع عن تعهده بتأمين 350 مليون جنيه إضافية كل أسبوع لميزانية الخدمات الصحية الوطنية. هذا نفاق من أعلى الدرجات".
أما رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، فقد وصف إشارة جونسون إلى رغبة الاتحاد الأوروبي في التحول إلى "بنية سياسية أشبه بالولايات المتحدة الأوروبية" بأنه "هراء تام"، مشدداً على أن "الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يبنى على حساب الأمم الأوروبية".