تسببت تصريحات عدة وزراء تونسيين في إقالتهم من مناصبهم، ولئن اعتبرت الحكومة التونسية أن "ما صرح به هؤلاء الوزراء حياد عن نواميس العمل الحكومي"، إلا أن مراقبين يعتبرون أنّ "الحكومات المتعاقبة في تونس، ومنها حكومة يوسف الشاهد، قد تكون استندت إلى هذه التصريحات للتعجيل بالتعديل الوزاري الجزئي، فالوزراء المقالون جمعتهم قواسم مشتركة، وهي التصريحات غير المدروسة، وزلات اللسان التي شوشت على أدائهم، وتسببت في إثارة عدة انتقادات حولهم وبالتالي إقالتهم".
أبرز الإقالات في حكومة يوسف الشاهد، كانت لوزير الوظيفة العمومية، عبيد البريكي، حيث تسبب تلويحه بالاستقالة بإقالته، وصرح رئيس الحكومة في حوار تلفزيوني، أن "البريكي حاد عن ضوابط العمل الحكومي".
ويرى مراقبون أن "تصريحات البريكي، هي السبب المباشر في إقالته"، فوزير الوظيفة العمومية صرح قائلا: "عدم تقديمي للاستقالة لا يعني أن نية تقديمها غير موجودة لدي، وقد تتحول النية إلى فعل في الساعات القادمة".
وأضاف البريكي في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أنه "تم سحب الملفات الكبرى ذات البعد الإصلاحي والهيكلي من وزارته، وإحالتها إلى مصالح رئاسة الحكومة"، مؤكدا أن "رئيس الحكومة وجه له اللوم حول تصريحاته المتعلقة بقرار الاستقالة للإعلام".
وعجلت تصريحات البريكي برحيله، إذ أعلن الشاهد يوم السبت 25 فبراير/شباط إقالة البريكي من مهامه على رأس وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة والقيام بتعديل وزاري جزئي.
ولئن كانت إقالة البريكي شبه متوقعة لدى المراقبين في تونس، إلا أن الإعفاءات والإقالات لم تتوقف عند هذا الحد.
حيث تسببت تصريحات وزيرة المالية، لمياء الزريبي، حول خفض الدينار التونسي في إقالتها، إذ قالت الزريبي: "قيمة العملة التونسية يحددها أساسا التبادلات التجارية بالسوق المالية العالمية، والبنك المركزي قلّص من تدخله لتعديل قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية".
وتسببت هذه التصريحات في انهيار قيمة الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية، وفي هبوط غير مسبوق للدينار أمام اليورو والدولار، لكن البعض اعتبر أن تصريحات الوزيرة حول الدينار هي التي أطاحت بها.
بدورها اعتبرت الحكومة التونسية أن ما صرحت به وزيرة المالية، حياد عن نواميس العمل الحكومي، وتم إعلان الإعفاء سريعاً حتى قبل اختيار من سيخلفها على رأس الوزارة، وتولى وزير آخر منصبها بالنيابة.
إلى ذلك، تمت أيضا إقالة وزير التربية، ناجي جلول، الذي تعددت تصريحاته المثيرة للجدل، ما تسبب في توتر علاقته بنقابات التعليم، ثم إقالته.
وأكسب انتماء جلول للحزب الحاكم ثقة زائدة إذ قال: "أنا جئت من حزب أغلبية انتخب من قبل أغلبية التونسيين، وأعتبر نفسي منتخبا، حتى وإن لم أشارك في الانتخابات التشريعية، ولهذا فإن الاستقالة هي خيانة لناخبي نداء تونس".
ولكن الثقة المفرطة بالنفس دفعت جلول إلى كشف فحوى لقاء جمعه برئيس الحكومة لوسائل إعلام، حيث قال "اللقاء لم يتطرق إلى الاستقالة، ولكن إذا تقررت إقالتي فإني لن أقبل بأي منصب آخر وسأغادر الحكومة نهائيا".
ورغم تأكيدات حكومة الشاهد في عدة مناسبات أنها لن تتخلى عن جلّول، وأنها لن ترضخ لابتزاز النقابات المطالبة برحيله، إلا أن إقالة جلول جاءت سريعا، في ليلة الاحتفال بعيد العمال.
وتؤكد مصادر من رئاسة الحكومة لـ"العربي الجديد" أن رئيس الحكومة استقبل ناجي جلول للحديث معه في موضوع الإقالة، ولكنه لم يطرح عليه أيّ حقيبة وزارية أخرى بعد خروجه من وزارة التربية، وإنما اقترح عليه أن يشغل منصب وزير مستشار لدى رئيس الحكومة، وأكد له أنه سيبقى أحد رجالات الدولة.
وكان رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، أقال أيضا وزير الشؤون الدينية، عبد الجليل سالم، من مهامه وذلك "لعدم احترامه لضوابط العمل الحكومي وتصريحاته التي مست بمبادئ وثوابت الدبلوماسية التونسية"، وفق ما جاء في بيان لمصالح الإعلام والتواصل برئاسة الحكومة.
نزيف التصريحات المنفلتة لوزراء حكومة الشاهد، لم يتوقف عند هذا الحد، حيث تشهد تونس هذه الأيام جدلا واسعا بسبب تصريحات وزيرة الشباب والرياضة، مجدولين الشارني، التي شبّهت ما حدث في مباراة النادي الإفريقي والترجي الرياضي من أحداث عنف بـ"الإرهاب الرياضي"، وأنه "من غير المقبول أن تمس أي رياضة السلم الاجتماعي".
تصريحات الشارني رافقتها ضجة واسعة، وصلت إلى حد مطالبتها بالاعتذار والاستقالة، كما احتج آخرون أمام الوزارة مطالبين إياها بضرورة الرحيل.
في السياق نفسه، تسببت دردشة لوزير البيئة والتنمية المحلية، رياض المؤخر، في جدل واسع في تونس، ما دفع البعض إلى المطالبة بإقالته، فقد نشرت مواقع إلكترونية جزائرية، يوم الخميس، تصريحا لوزير البيئة ادعت أنه أدلى به خلال كلمة في إيطاليا حيث قال إن "تونس تقع بين بلدين أحدهما مخيف والآخر شيوعي".
ورغم نفي الوزير ما نسب إليه، موضحاً أن الأمر يتعلق بدردشة مع وزير الخارجية الإيطالي، إلا أنّ تداعيات هذه الدردشة قد تعصف بمنصبه.
وندد اتحاد الشغل، يوم السبت، بهذه التصريحات، معتبرا أن "الإساءة للجزائر هي إضرار بمصالح تونس وبعلاقتها الأخوية العريقة معها".
ويتذكر التونسيون أيضا قرار رئاسة الحكومة التونسية، إعفاء وزير العدل محمد صالح بن عيسى من مهامه وتكليف فرحات الحرشاني وزير الدفاع الوطني بالإشراف بالنيابة على تسيير شؤون الوزارة، وهي الإقالة الأولى في حكومة الحبيب الصيد.
ولكن يبدو أن وزير العدل التونسي أثار بتصريحاته حفيظة رئيس الحكومة من جهة ورئيس الجمهورية من جهة أخرى، فقد طالب بن عيسى بإلغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية (القانون الجنائي)، والذي يعاقب على المثلية الجنسية وهو تصريح أثار غضب رئيس الجمهورية التونسي، الباجي قائد السبسي، واضطر لإجابة الوزير من خارج البلاد بقوله إن: "هذا التصريح لا يلزم الدولة".
وقال الوزير إن تصريحاته لا تلزم الحكومة في شيء، مشيراً إلى تعرضه للكثير من التهجم بعد هذه التصريحات من قبل أطراف سياسية وشبه سياسية.