ورقة عين العرب تُشتّت "العمال الكردستاني"

24 أكتوبر 2014
أدّت الاحتجاجات إلى اشعال الغضب التركي (أدم ألتان/فرانس برس)
+ الخط -

تشكّل مدينة عين العرب السوريّة، ذات الغالبيّة الكرديّة، ورقة يستخدمها حزب "العمال الكردستاني" والحكومة التركيّة في آن معاً. واستطاعت الأحداث الأخيرة أن تسرّع الكشف عن خريطة الطريق، سبق لنائب رئيس الوزراء التركي حينها، ونائب رئيس حزب "العدالة والتنمية" الحالي، بشير أتلاي، أن تحدّث عنها في بداية شهر أغسطس/آب الماضي. ويبدو أنّ حزب "العدالة والتنمية" الحاكم كان قد احتفظ بالمدينة كورقة لاستخدامها في جذب أصوات الأكراد، قبل الانتخابات العامة المقرّرة في شهر يونيو/حزيران المقبل، كما فعل بحزمتي الإصلاحات اللتين تقدّم بهما قبل كل من الانتخابات البلديّة والانتخابات الرئاسيّة، مطلع العام الحالي.

ويتضح عند تقييم تبعات استخدام هذه الورقة على حزب "العمال الكردستاني" أنها أذته على مختلف الصعد. لم تستطع الاحتجاجات التي دعا إليها حزب "الشعوب الديمقراطية"، وهو الجناح السياسي لـ"العمال الكردستاني"، في إقناع الرأي العام التركي بخطأ الحكومة، بقدر ما أدت إلى إشعال موجة غضب، إثر أعمال العنف التي صاحبت بعض هذه الاحتجاجات، معيدة أحداث التسعينيات إلى الذاكرة، ومدمّرة كل الصورة السلميّة السياسيّة التي عمل عليها الجناح السياسي منذ سنوات. ولم يتأخّر الرئيس المشارك لحزب "الشعوب الديمقراطية"، صلاح الدين دميرتاش، في الإسراع إلى تجنّب الإحراج الذي تسبّبت به أعمال العنف، داعياً اتحاد "المجتمعات الكردستانية"، الذي يمثّل المظلة السياسيّة لجميع التنظيمات التابعة لـ"العمال الكردستاني"، إلى تجنّب العنف. كما طالب "ببذل الجهود لتخفيف التوتّر، والحثّ على تجنّب العنف، وفتح التحقيق بالهجمات المسلحة، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكرار هذه الحوادث مرة أخرى". وتحوّلت هذه الاحتجاجات، بفعل ذلك، إلى ضربة موجعة للنجاح الذي حقّقه الحزب إثر الانتخابات الرئاسيّة، عبر تقديم نفسه كطرف سياسي محترف وفاعل مهتم بمصالح الجمهورية التركية.

لم تهدأ الاحتجاجات حتى قام دميرتاش بقراءة رسالة وصلت إليه من زعيم "العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان، دعا فيها المحتجين الأكراد إلى التهدئة، والحكومة إلى تسريع فتح ملف المفاوضات المباشرة لعمليّة التسوية. ودفع تدخّل أوجلان رئيس الوزراء التركي أحمد داوود اوغلو، إلى الاعلان أنّه لن يتم منح أوجلان منصب كبير المفاوضين عن "العمال الكردستاني"، مشدداً على أنه ليس "المخاطَب الوحيد".

ويقول الخبير في الشؤون الكردية، دوغو إرغيل، وهو أحد أعضاء "مجلس العقلاء" وأستاذ في جامعة أنقرة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ادعاء رئيس الحكومة أن أوجلان لم يُعط دوراً مركزياً في هذه المحادثات، لا يعكس بصدق خيارات الحكومة في مقاربة هذه المسألة". ويوضح أنّ "الحكومة عينت أوجلان محاوراً سياسياً وحيداً، ما يؤكد أنّها تنظر إلى القضيّة الكرديّة، بوصفها معضلة أمنيّة ولا بدّ من تطوير وسيلة جديدة لدحر الإرهاب". ويضيف: "تسبّبت هذه المقاربة بجعل أوجلان، محاوراً سياسياً وحيداً، ولكنّها وإن قاربت القضيّة الكرديّة على أنها مشكلة صراع اجتماعي، فعليها أن تعترف في المقام الأول بأنّ القرار لا يمكن إلا أن يتحقّق من خلال قبول الناس ومباركتهم للنتيجة النهائية، وبالتالي على الشعب أن يحتل المركز على مسرح عملية التسوية".

وينقل أحد أعضاء هيئة مجلس العقلاء، أفين أوزغوريل، لـ"العربي الجديد"، إشارة داوود خلال اجتماع ماراتوني جمعه بالهيئة لمدة 11 ساعة، يوم الأحد الماضي، إلى أنّ "التهدئة ووقف إطلاق النار بين الجيش التركي وقوات "العمال" لم تكن بسبب رسالة أوجلان، بل نتيجة لعدم حصول الحزب الكردي على الدعم الكافي من الشارع للعودة إلى أوضاع التسعينيات، لا سيّما بعد الانتعاش الاقتصادي الذي بدأت تشهده المناطق الجنوبيّة والشرقيّة، ذات الغالبيّة الكرديّة". ويرى أنّ "الحكومة التركية، بعد حزمة الإصلاحات التي منحت عملية السلام صفة قانونيّة، ستعمل على استراتيجيّة جديدة تهدف إلى سحب الصفة الرمزيّة لأوجلان، وإزالة احتكار "العمال الكردستاني"، كمخاطب وحيد، متوجّهة إلى الشعب الذي أشارت التقارير إلى أنّه كان العامل الأهم وراء الهدنة".

وتكشف الاحتجاجات للمرة الأولى، وجود خلافات حقيقيّة بين بعض التيّارات في "العمال الكردستاني"، وهو ما سبق وأشار إليه كلّ من رئيس الجمهورية التركيّة رجب طيب أردوغان، بعد عودته من أفغانستان، قائلاً إنّه "في الفترة الاخيرة تغيّر كلّ شيء، لو أنكم لاحظتم ذلك. أصبحنا نلاقي فرقاً بين التوجّهات في جزيرة إمرالي وأولئك القابعين في الجبال والممثلين في البرلمان". ويضيف: "الانقسام الحاصل أو الافتراق الحاصل بين هذه الأطراف، هو من أدخل البلاد في الفوضى". ويؤكد أوجلان ما يقوله أردوغان، إذ نقلت الهيئة التابعة لـ"الشعوب الديمقراطية" بعد زيارته في سجنه في إمرالي، قوله إنّ "العمليّة التي تمّت في ولاية بينغول، والتي استهدفت قائد مديريّة الأمن، وأسفرت عن مقتل شرطيين، ليست إلا محاولة من تلك المجموعات التي تحاول ضرب عمليّة السلام".

وكانت مجموعة تابعة لـ"العمال الكردستاني" قد حاولت اغتيال قائد مديرية أمن ولاية بينغول، ما أسفر عن إصابته ومقتل شرطيين. ولم تلتزم قيادات جبل قنديل بالمهلة التي كان قد منحها أوجلان للحكومة التركية، وقامت بإعادة نشر قواتها في شرق تركيا وهاجمت قاعدة عسكرية تابعة للجيش التركي في ولاية تونجلي (ديرسيم)، ليردّ الجيش التركي بقصف قواعد الحزب في ولاية هكاري، شرقي البلاد.

وبعد الإفصاح عن خريطة الطريق وخلال الاحتجاجات، بدا ضعف سلطة الجناح السياسي "حزب الشعوب الديمقراطي" واضحاً، كما ظهر لاعب هام، كان مختفياً منذ بدء عمليّة التسوية عام 2013، وهو "اتحاد المجتمعات الكردستاني"، خصوصاً عندما ناشد دميرتاش علناً الاتحاد، الدعوة إلى التهدئة ووقف أعمال العنف، كما لو أنّه وكزعيم للجناح السياسي، لا يستطيع توجيه هذه الدعوة باسمه. وبعد الإعلان عن خريطة الطريق، أكدت هيئة "الشعوب الديمقراطية" أنّه من الضروري زيارة جبل قنديل، للحديث مع أعضاء الاتحاد، وبذلك بدا الجناح السياسي ضعيفاً ليس بإمكانه سوى أن يلعب دور "المرسال السياسي"، سواء بين الحكومة والاتحاد أو بين أوجلان والاتحاد.

أما في ما يخصّ مطالب مدينة عين العرب، والمتمثلة بإقامة ممر آمن لتمرير دعم "العمال الكردستاني" للأكراد هناك، فإن الاحتجاجات والحملة الإعلاميّة الضخمة التي قادها لوبي "العمّال الكردستاني" في جميع أنحاء أوروبا، لم تقد إلا لزيادة الضغوط على حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي السوري للتصالح مع عدوه "المجلس الوطني الكردي" المدعوم من إربيل، وذلك خلال محادثات عقدت أخيراً في مدينة دهوك في إقليم كردستان العراق. كما دفع ضغط الإدارة الأميركيّة، الحكومة التركية، يوم الثلاثاء الماضي، إلى انزال مساعدات عسكريّة لقوات "الاتحاد الديمقراطي" في المدينة، لفتح معبر آمن.

وأثار تشكيل إقليم كردستان العراق قوى بشمركة من شباب الأحزاب الكرديّة السوريّة الموالية له، ومن المنشقين الأكراد عن الجيش السوري، غضب "الاتحاد الديمقراطي" الذي أعلن على لسان رئيس كانتون عين العرب، ابراهيم مسلم، أنه ليس بحاجة إلى مقاتلين بل بحاجة إلى السلاح. وساهم ذلك في مزيد من الاحراج لحزب "الاتحاد الديمقراطي"، إذ إنّ نجاح الحكومة التركية في تحقيق ذلك، يعني أنّها قد وضعت لها موطئ قدم في مناطق الإدارة الذاتيّة عبر حليفها المقرّب إقليم كردستان العراق، بكل ما يعنيه ذلك من تقليص نفوذ "الاتحاد الديمقراطي" في المناطق ذات الغالبية الكرديّة في سورية.
المساهمون