وديان اليمن تفقد أمانها

14 مايو 2016
المياه وصلت إلى مستويات غير مسبوقة (الأناضول)
+ الخط -

باتت آلاف الأسر اليمنية التي سكنت مناطق في الوديان وبالقرب من المجاري، في مواجهة خطر بالغ بعدما ارتفعت نسب المياه أخيراً بسبب السيول. وجد هؤلاء أنفسهم مضطرين إلى البحث عن أماكن سكن بديلة في مناطق مرتفعة.

كثيرة هي الأسر التي انتقلت من بيوتها القديمة المشيدة في مناطق مرتفعة خلال السنوات الماضية، إلى مناطق تقع في الوديان والمناطق السهلية بالقرب من نقاط تجمّع السيول. جاء ذلك بعد شحّ الأمطار الملحوظ خلال العقدين الماضيين وثقتهم بعدم وصول مياه تلك السيول إلى مستويات مرتفعة. أخيراً، تغيّر الأمر، بعدما تعرّضت بعض المناطق المنخفضة لفيضانات جارفة هدمت مئات المنازل وشردت آلاف السكان.

يأتي ذلك في الوقت الذي يشهد فيه اليمن ظاهرة نادرة، وهي كثافة الأمطار التي تستمر في محافظات مختلفة منذ بضعة أسابيع. وكانت منظمة الأمم المتحدة قد كشفت عن تسبب الأمطار الغزيرة في تضرّر نحو 50 ألف شخص، بينما صرّحت جمعية الهلال الأحمر اليمني بانهيار وتضرر ما يزيد على ألف منزل.

في هذا السياق، ما زالت أسرة المواطن عبد الله خميس في منزل أحد أقاربها بعد تهدم منزلها الواقع في منطقة الزُّهرَة في محافظة الحديدة (غرب) بسبب السيول الجارفة التي اجتاحت المنطقة خلال الأسابيع الماضية. يقول: "لم يحدث أن وصلت الفيضانات إلى مناطقنا منذ عقود"، مشيراً إلى أنّ الأمطار وكميات المياه التي تدفقت من وادي مور لم تحدث منذ سنوات طويلة بحسب ما يفيد كبار السن. يضيف خميس أنّ 90 في المائة من منازل أهالي القرية التي يعيش فيها تضررت، إذ إنّ أغلبها بُني من الطين والقش، وهو نمط البناء في معظم هذه المناطق بسبب الفقر وتكيّف البيوت أكثر مع درجة الحرارة المرتفعة. يقول خميس إنّ هذه المنازل تهدمت "كقطعة البسكويت عندما تتشبع بالشاي"، بعكس المنازل الإسمنتية. يواصل: "لا أملك المال الذي يساعدني في بناء منزل آخر، ولا الحكومة أبدت اهتماماً كافياً لوضعنا المعيشي الطارئ". ويشير إلى أنّه لا يفكر في العودة إلى الاستقرار في منطقته المنخفضة نفسها، بل في إحدى المناطق المرتفعة التي تتوفر فيها المياه، إذا تمكّن من ذلك.

وكان عدد من الأسر قد استقرّ في نهاية الأودية وبمحاذاة مجاري السيول حيث يمكنها الزراعة ورعي الحيوانات، مثل منطقة اللحية والزهرة والزيدية وغيرها في محافظة الحديدة، ووادي سردود في المحويت (غرب)، وقرى حبابة وبني العباس والمصانع في عمران، وقرى في بني العوام والظهرة بحجة (شمال). وغالباً ما وقفت مساكن عديدة كعوائق قوية، عملت على سدّ المجاري الطبيعية لتدفق السيول. وهو ما رفع منسوبها وأدى إلى تضرر المساكن القريبة في مناطق مجاورة مرتفعة نسبياً، لم تكن تتعرض للسيول في السابق.




إلى ذلك، يخشى إسماعيل عبد الحفيظ وهو أحد سكان منطقة وادي سردود الزراعي التابعة لمحافظة المحويت، من تكرار هطول الأمطار بالكثافة نفسها كما كانت الحال أخيراً، إذ إن ذلك يهدد بقاء أسرته في المنطقة التي تسكنها منذ سنوات. يقول: "شيّدت منزلي الصغير قبل عشر سنوات إلى جانب إحدى سواقي وادي سردود، في منطقة كان من المستحيل وصول المياه إليها، إلا أنّ الاستحداثات الإنشائية التي أقدم عليها الناس في أعلى الوادي، صنعت للسيول مجرى جديداً يمرّ من منطقتنا. لكنّ الأمطار الغزيرة التي هطلت أخيراً تسببت في ارتفاع مستوى السيول بشكل غير مسبوق، وتهدم إثر ذلك عدد من المنازل، وبتّ أخاف على منزلي".

يشير إسماعيل إلى أنّه لا يجد أيّ بديل في الوقت الراهن. ويخبر عبد الحفيظ أنّ السيول الجارفة التي تخلّفها الأمطار تأتي بشكل مفاجئ، إلى درجة أنّ أحداً لا يستطيع جمع أثاثه ومغادرة منزله. يضيف: "عندما تشتد الأمطار، تنزل السيول من أعالي جبال المحويت. إن كانت جارفة وتوقعنا وصولها إلى المنزل، اضطررنا جميعاً إلى المغادرة باتجاه مناطق أعلى".

من جهته، يؤكد الناشط في مجال الإغاثة في محافظة الحديدة صابر الواصل أنّ منازل 18 قرية في محافظة الحديدة وحدها، تضررت تقريياً بمعظمها من السيول. ويشير إلى أنّ الأهالي تفاجأوا بالمياه تغمر منازلهم، وهذا أمر لم يكن متوقعاً، إذ ظنّوا بأنّهم في منأى عن هذا الخطر، لبعدهم عن مجرى السيل الاعتيادي.

يقول الواصل إنّ معظم الأسر المتضررة تتوجس من العودة إلى منازلها في هذه المناطق خوفاً من تكرار الكارثة، لكنها في الوقت نفسه ليس أمامها إلاّ أن ترضخ للأمر الواقع لانعدام أي بدائل أخرى. كذلك فإنّ بعضها باق في مناطق مرتفعة عند أقرباء لها أو في بضع خيام وزّعت لها. يضيف أنّ "هذه الأسر الفقيرة لا تجد الغذاء والدواء، ومن الصعب الانتقال وشراء أراضٍ وتشييد منازل جديدة في مناطق مرتفعة، على الرغم من رغبتها في ذلك، خصوصاً إذا استمرت الأمطار في الاشتداد مع تغيّر المناخ". ويشير إلى أنّ عملية الانتقال تتطلب شراء أراضٍ جديدة وأموال للبناء، ولهذا يضطر الفقراء إلى العودة وإصلاح المنازل المهدمة على الرغم من احتمال تكرار الكارثة.