ويكشف رئيس حزب "بيت نهرين الديمقراطي" (المسيحي)، روميو هكاري، لـ"العربي الجديد"، عن أن الحزب "قام مع حزب مسيحي آخر بتشكيل أولى الوحدات المسلّحة التي تضم أبناء المكوّن المسيحي، وقد أعلنّا عن القوة التي تضم نحو 100 مقاتل كنواة لقوة أكبر نعمل على إعدادها حالياً بالتنسيق مع قوات البشمركة الكردية".
وحضر مراسم الإعلان عن الوحدة المسلّحة، التي أطلق عليها "سهل نينوى"، ومقرها في بلدة تلسقف شمال الموصل، عدد من مسؤولي البشمركة والأحزاب الكردية، في إشارة إلى دعمهم للفكرة.
ويكشف هكاري عن مهمتين للوحدة المسلّحة المسيحية، "واحدة آنية والأخرى مستقبلية"، موضحاً أن هذه الوحدة "ستقوم بالمساهمة إلى جانب قوات البشمركة الكردية بحماية المناطق ذات الكثافة المسيحية، والتصدّي لخطر مسلحي داعش، وهذه هي المهمة الآنية للوحدة".
ويقول إنه "في حالة حصل المسيحيون مستقبلاً على حكم ذاتي في مناطقهم أو استُحدثت محافظة جديدة شمال مدينة الموصل، حيث هناك العديد من البلدات والقرى التي يُشكّل المسيحيون كثافة سكانية عالية فيها، بإمكان هذه الوحدة المسلّحة أن تساهم في الدفاع عنها وحمايتها".
ويطالب الكثير من المسيحيين بإعلان المناطق التي تقع شمالي مدينة الموصل، محافظة جديدة باسم "سهل نينوى"، وهي مناطق مختلطة سكانياً تضم الأكراد من مسلمين وغير مسلمين (ايزديين) ومكونات أخرى مثل المسيحيين.
وتحوّلت بلدات وقرى منطقة سهل نينوى بعد عام 2003 إلى ملاذ لمئات الأسر المسيحية والايزدية ومجموعة سكانية أخرى هي "الشبك"، بعدما تعرضت لحملات استهداف من مسلّحي الجماعات الأصولية، وكذلك من المليشيات في جنوب ووسط وشمال العراق، وخصوصاً في بغداد والموصل.
ويلفت هكاري إلى أن سبب تأسيس وحدات من أبناء الأقليات في المنطقة، هو سيطرة مسلحي "داعش" على مدينة الموصل في يونيو/حزيران الماضي، ثم انسحب الأمر على العديد من البلدات والقرى التي تسكنها أُسر مسيحية، وهو ما دفع بأكثر من 200 ألف مسيحي إلى النزوح واللجوء إلى محافظتي أربيل ودهوك، مشيراً إلى أن الاعتداءات التي تعرّض لها المسيحيون على يد المسلّحين كانت سبباً أيضاً لتشكيل الوحدات، "فقررنا أن نشارك البشمركة الكردية عملية الدفاع عن المنطقة وقتال مسلحي داعش".
ويضيف أن "ما شجعنا على المُضي في تنفيذ الفكرة هو دعوة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، أبناء المكوّنات السكانية في المنطقة لتشكيل قوات خاصة بها لحماية مناطقهم".
ويكشف عن وجود آلية لضم المئات من المقاتلين الجدد لوحدة "سهل نينوى" المسلّحة، موضحاً أن قوات البشمركة تقوم بتدريب المسلّحين المسيحيين وإمدادهم بالمستلزمات، لأنهم سيكونون ضمن منظومة البشمركة.
وليس المسيحيون وحدهم من اندفعوا لتشكيل وحدات مسلّحة خاصة بهم، بل تم تأسيس وحدات من أبناء المكون "الايزدي"، وهم أكراد غير مسلمين يقاتلون في سنجار، وأخرى خاصة بـ"الكاكائيين"، وهي مجموعة كردية لها خصوصية في الاعتقاد، كذلك لأبناء "الشبك"، وهم مسلمون شيعة وسنّة ويسكنون محافظة نينوى، وكل هذه الوحدات المسلحة ظهرت بعد يونيو/حزيران 2014.
وعن التداعيات المتوقّعة لتشكيل جماعات مسلّحة على أساس قومي وطائفي في شمال العراق، يقول هكاري إن "التعايش السلمي والأخوي السائد في كردستان العراق، يحتّم على الجميع، من أكراد وغيرهم، أن يجتمعوا على أمور مشتركة، بينها الدفاع عن مناطقهم والتكاتف لصد الخطر المحدقّ بهم".
لكن مراقبين يرون أن انتشار السلاح بشكل واسع في المنطقة قد يؤدي إلى مشاكل في المستقبل، في ظل وجود نزاعات وصراعات على الأراضي، إذ تتداخل القرى والمناطق ذات التركيبة السكانية المتعددة. وبعض المشاكل على الأراضي تعود لعهد النظام العراقي السابق (قبل عام 2003)، إذ كانت السلطات تقوم بعمليات تغيير ديموغرافي متعمدة في الكثير من المناطق، وعمدت إلى توطين مئات الأُسر من الخارج داخل مناطق ذات كثافة سكانية كردية ومسيحية في محافظات عدة شمالي العراق، كما أبعدت سكان مناطق إلى أخرى.
وقد ساعدت الأحداث التي شهدها العراق بعد الغزو الأميركي في عام 2003، على التقريب بين الأكراد والمسيحيين بشكل لافت، بعدما اضطرت الكثير من الأُسر المسيحية إلى ترك بغداد ومدن الموصل والبصرة وكركوك لتستقر في إقليم كردستان، حيث سمحت السلطات الكردية لهم بالاستقرار وحتى الحصول على فرص وظيفية في الحكومة والقطاع الخاص.
وفي هذا السياق، ينتقد هكاري بشدة السلطات العراقية، ويقول إن الحكومات العراقية بعد عام 2003 "وقفت لتتفرج على قتل وخطف وتشريد المسيحيين في جنوب العراق وفي بغداد ونينوى طيلة السنوات الماضية، ولم تحمهم بل تركتهم تحت رحمة المليشيات والجماعات المتطرفة، وموقف الحكومات السلبي هذا لا يشجعنا على التنسيق معها لتشكيل وحداتنا المسلّحة".
ويضيف "نعمل مع إقليم كردستان ومع البشمركة، فالإقليم فتح أبوابه للمسيحيين وحماهم ودافع عنهم، وهذا ما عززّ الأخوّة بيننا".
ويرحب مسؤول الإعلام في الحزب "الديمقراطي الكردستاني" في الموصل، سعيد مموزيني، بموضوع تشكيل وحدات مسلّحة جديدة في المنطقة، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إنها "فكرة جيدة طالما تهدف إلى محاربة الإرهاب".
كما يرحب "بكل من يريد قتال داعش والإرهاب في المنطقة، سواء كانوا مسيحيين أو عرباً أو غيرهم، فهذا الخطر يمتد إلى كل مكان".