وجود "الإخوان" ضرورة سياسية

06 سبتمبر 2014
+ الخط -

مع أننا من أكثر الأمم حديثاً عن التاريخ والاستفادة من دروسه، إلا أننا أبعد ما نكون عن استيعاب أحداثه ودلالتها، وربما نكون أكثر الأمم التي تنطبق عليها مقولة إن التاريخ يعيد نفسه، من كثرة تكرار الأخطاء نفسها والإصرار عليها. ويبدو أن النظام الحالي في مصر مصمم على المضي في الطريق نفسه الذي ثبت بطلانه، في مصر وخارجها، بمحاولة ضرب جماعة الإخوان المسلمين واستئصالهم، وهي محاولات فشلت من قبل بصفة خاصة في عهد جمال عبد الناصر، ولن يختلف الأمر هذه المرة عما سبق.

ستترتب على محاولات محو "الإخوان" آثار سلبية عديدة، ليس على مستوى مصر فحسب، بل على مستوى العالم، وعلى الرغم من أن التربية داخل "الإخوان" قائمة على نبذ العنف واتباع الوسائل السلمية في التغيير، إلا أن ما تتعرض له الجماعة من ضربات واضطهاد، قد يدفع بعض شبابها إلى تبني العنف، خصوصاً مع انتشار روح السخرية والتهكم من تمسك شباب كثيرين بالسلمية على مواقع التواصل الاجتماعي.

بدأ ظهور جماعات الجهاد والتكفير في عهد عبد الناصر، وفي ظل ضربات موجعة وجهها للإخوان، حيث كانت بداية نشأة المجموعات الجهادية في مصر عام 1964، كما ظهر فكر التكفير داخل المعتقلات نتيجة التعذيب، وبدأ سؤال يطرح نفسه، هل من يعذبوننا مسلمون؟ وهذه كانت نواة ظهور جماعة التكفير والهجرة، بزعامة شكري مصطفى، وقد تصدّى الإخوان لهذه الدعوة في المعتقلات، وأصدر المرشد العام للجماعة، المستشار حسن الهضيبي، كتاب "دعاة لا قضاة"، للرد عليهم علمياً، وقد نجحت جهود الجماعة في النأي بأفرادها عن هذا الفكر والتصدي له.

وقد تبنت الجماعة المنهج السلمي، منذ سمح لها بالعمل في السبعينيات، واستطاعت استقطاب آلاف الشباب لمنهجها البعيد عن العنف، وعندما حدث تمايز بين المنتمين للحركة الإسلامية في أوائل الثمانينيات، وكانوا يعملون جميعاً تحت لافتة الجماعة الإسلامية في السبعينيات، انخرط "الإخوان" في العملية السياسية، وشاركوا في الانتخابات البرلمانية، بينما تركزت الجماعات التي تكفّر المجتمع، وتميل إلى العنف في الصعيد، وعندما اشتعلت أعمال العنف في التسعينيات بين الدولة والجماعة الإسلامية والجهاد، تمسك الإخوان بموقفهم الرافض خيار العنف، ولنا أن نتخيل الموقف، لو تبنى "الإخوان" هذا الخيار وانخرطوا فيه.

شكل الإخوان صمام أمان للمجتمع بنشر الفكر الإسلامي المعتدل، ثم جاءت ثورة 25 يناير وإزاحة حسني مبارك من السلطة، والاحتكام إلى الآليات الديمقراطية وإجراء الانتخابات بقدر كبير من النزاهة والشفافية، وفوز التيار الإسلامي، بصفة عامة، بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية، وفوز محمد مرسي بالرئاسة، لتؤكد على صواب منهج التغيير السلمي. لكن وقوع الانقلاب في مصر والانقضاض على التجربة الديمقراطية الوليدة، والدور الذي تقوم به محاور إقليمية في محاولاتها إجهاض ثورات الربيع العربي، خشية تسلل رياح الثورة إليها، كل هذا يدفع لاستشعار الخطر مما هو قادم، فالعنف لا يولد إلا العنف، والاضطهاد والاستبداد والاستيلاء اللاشرعي على السلطة يهدد أمن المجتمع.

avata
avata
صفوت حسين (مصر)
صفوت حسين (مصر)