في قلب العاصمة المصرية القاهرة، يفصل نهر النيل بين منطقتي الزمالك وبولاق أبو العلا. ويفصل أيضاً بين نمطين من العيش، أحدهما غني والآخر فقير. وفي الوقت الذي يتجاوز سعر الشقة في منطقة الزمالك الملايين، ما زالت هناك مبانٍ متهالكة على الضفة الأخرى من النهر.
للوهلة الأولى، قد تعجب بتطور منطقة بولاق أبو العلا وتزايد أبراجها الشاهقة المطلة على النيل. لكن خلفها عالم آخر ينتمي إليه معدومو الدخل، الذين يسكنون بغالبيتهم بيوتاً آيلة السقوط. طبقتان من الشعب في مشهد واحد، وإن حجبت الأبراج معاناة إحداها، واحتكرت النور أيضاً.
يسكن سمير عبد الله، وهو مهندس، في عمارة في منطقة بولاق أبو العلا المطلة على النيل. يقول إن "الحياة هنا مكلفة جداً". يضيف أنه لا يستطيع الخروج من المنزل من دون أن يكون في جيبه ألف جنيه (نحو 127 دولاراً) على الأقل. وأحياناً، يحتاج إلى المزيد فيلجأ إلى استخدام بطاقة الائتمان الخاصة به.
بدورها، تقول الطبيبة نسمة صابر، التي تسكن أحد الأبراج المطلة على النيل، إنها لا تستطيع الاستغناء عن سيارتها. ولأنها كبرت في السن، تضطر إلى الاستعانة بسائق يحصل على ألف جنيه شهرياً، عدا عن كلفة الصيانة الدورية للسيارة التي تصل إلى نحو عشرة آلاف جنيه كل ثلاثة أشهر. أما أحمد بدر، الذي يسكن إلى جوار فندق هيلتون رمسيس، فيقول إنه يرفه عن نفسه من خلال التسوق أو الذهاب إلى السينما.
على الجانب الآخر، يقول محمد أبو النجا، وهو أحد سكان المنطقة العشوائية خلف هيلتون رمسيس، إن المقاهي الشعبية تنتشر في حيه، ولا يتجاوز سعر كوب الشاي الجنيه الواحد. يذهب إلى عمله في مجمع التحرير، وفي جيبه عشرة جنيهات فقط. لا يحسد الأغنياء على حالهم، لافتاً إلى أنه سعيد بحياته البسيطة.
فاتن محمود تسكن في المنطقة العشوائية أيضاً. لكنها تقول إنها تستمتع بمزايا الأغنياء خلال الخروج معهم، وإن كانت تضطر إلى العمل خلال الإجازات لتتمكن من شراء الثياب وغيرها حتى لا تشعر أنها مختلفة عن زميلاتها.
من جهته، يقول وحيد م.، وهو موظف حكومي من سكان المنطقة العشوائية، إنه لا يخبر زملاءه عن مكان سكنه حتى لا ينظروا إليه باحتقار. يقول إنه كان يخفي بطاقته عنهم حتى لا يقرأ أحد عنوانه. حين ينتهي دوام عمله، يستخدم إحدى وسائل المواصلات للوصول إلى النيل مرتدياً بدلة أنيقة، حتى ليظن بعض زملائه أنه يسكن إحدى العمارات المطلة على النيل.
وتشكو عزة سلطان إحدى ساكنات منطقة بولاق أبو العلا من وجود الكثير من التعديات السكنية وتغاضي الحكومة ورئاسة الحي عنها، حيث تقول إن أحد المستثمرين قام ببناء برج عالٍ أمام منزلها وهذا مخالف لقوانين البناء، لكن رئاسة الحي تغاضت عنه ولم تواجهه في حين تهدد ساكني البيوت من الفقراء بهدم منازلهم المتهالكة بدلاً من ترميمها. وأشارت إلى إحساسها المتزايد بالتمييز الطبقي في هذا البلد، فابنها يستيقظ كل صباح ويتمنى لو كان يسكن تلك الأبراج العالية أو يقضي ليلة بفندق من فنادق الأغنياء المحيطة بهم. فيما ترى منال الأسيوطي، وهي طالبة في كلية الصيدلة في جامعة القاهرة، أنها وأسرتها أحق بالسكن في هذه المباني الرائعة التي ينعم بها الأغنياء، لافتة إلى أن والدها يعمل في مهنة التدريس بضمير حي، فيما تعمل والدتها في مصلحة الضرائب. برأيها، يستحق المواطنون الشرفاء العيش في منزل أفضل، علماً أن منزلهم متهالك ولا تأتي فيه المياه إلا ساعات قليلة في اليوم.
وما زال أمين مسعود، أحد سكان منطقة بولاق أبو العلا، يذكر مشهد انفجار القنصلية الإيطالية الذي تسبب في سقوط الكثير من المباني على أهالي منطقة بولاق أبو العلا. في ذلك الوقت، تعجّب من رد فعل الحكومة التي طالبت الأهالي بترك منازلهم والرحيل، من دون تأمين منازل أخرى، في حين عرضت أكثر من مليار جنيه للترميم على القنصلية.
يرى مسعود في الأمر ظلماً كبيراً لسكان المنطقة. يشعر أن الدولة لا تهتم بهم، وربما تتمنى التخلص منهم. يضيف أنه "كان يمكنهم دفع المبلغ نفسه لترميم المباني المتضررة، لكنهم فضلوا إجبارنا على الرحيل". ويتابع: "نعلم جيداً أن المسؤولين يرغبون في التخلص منا لإعطاء المنطقة للمستثمرين. لم ننتظر مساعدتهم وقد حصلنا على تبرعات لترميم منازلنا بأنفسنا".
وكما يتمنى فقراء بولاق أبو العلا قضاء ليلة واحدة فقط في أبراج الأغنياء، يلجأ العديد من الأغنياء إلى سوق بولاق الشهير في وكالة البلح، إذ يجدون فيها سوقاً رئيسياً لشراء احتياجاتهم من الملابس رخيصة الثمن. يقول أحد التجار سعيد فرج الله إن "الناس يجدون كل ما يريدونه في السوق. ويشير إلى أنه على الرغم من أن السوق للفقراء، يأتي إليه الكثير من ميسوري الحال".