وثائقي "حكاية حسن"...أنتجته "المنار" وعرضته قناة "العربية"؟

21 فبراير 2016
من الوثائقي (يوتيوب)
+ الخط -
لم يكن يوم أمس، وتحديداً الساعة العاشرة مساءً، كغيره من الأيام في لبنان. فقد تمركزت قوة أمنية كبيرة أمام مبنى قناة "العربية" في بيروت، تزامناً مع عرض فيلم وثائقي يحمل عنوان "حكاية حسن"، وذلك بعد أن حاول أكثر من مائة شاب التوجه إلى مكاتب القناة لتخريبها، احتجاجاً على "الإساءة للأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله.

لكن النتيجة جاءت عكس التوقعات، فالوثائقي لم يتضمن أي جديد يُكشف أو "إساءةً"، بمفهوم مناصري "حزب الله". والبرومو المشوق للوثائقي الذي عرضته القناة منذ أيام والذي يبدأ بـ"السيرة المنبرية للمنشق الأشهر عن حركة أمل، رحلة بيروت النجف التي صنعت كياناً يختطف دولة.."، ما هو إلا دعاية فارغة المحتوى وإثارة مجانية لجذب المشاهدين.

لم يبد كفيلم وثائقي، هو أقرب لكونه مجموعة من المقاطع الأولية التي يتم جمعها، قبل كتابة سيناريو الفيلم الوثائقي، أو لو طرحنا فكرة الفيلم الوثائقي جانباً، فهو مادة أولية يكتب على إثرها تقرير بورتريه للشخصية. لكنه لم يكن هذا ولا ذاك، وإنما عرضت قناة العربية "حكاية حسن" كمادة يصعب تصنيفها، ولكن يمكن الجزم بأنها لم تكن تليق بالقناة، وأنها مادة متواضعة جداً.

يوم أمس، ترقّب آلاف المشاهدين ما سيكشفه الوثائقي عن نصرالله، لا سيما بعد قرار السعودية إيقاف المساعدات العسكرية السعودية للجيش اللبناني، نتيجةً لـ"تصرفات وتصريحات حزب الله العدوانية للمملكة"، ليتبين بعد دقائق من عرضه، أنه ليس إلا فيديوهات جُمعت من موقع "يوتيوب" للكلمات والخطب التي أطلقها نصرالله على المنابر، وتم دمجها وعرضها بشكل وثائقي.

المادة التي أثارت الكثير من الجدل بين السعوديين، باعتبار أن قناة العربية تتبنى وجهة النظر السعودية – الخليجية حول حزب الله، والتي لا يمكن أن تطرح مادة تبجيلية لزعيمه، لكنها بثت مادة "مضطربة". والمادة لم يكن هدفها تبجيلياً، ولم تكن نقدية كذلك، بل تظهر وكأنها لا تقول أي شيء على الإطلاق. وكأنه فيلم عبثي بلا هدف أو رؤية. الفيلم، والذي يبدو بأنه يقترح رؤية حسن نصر الله، دون تعليق من أحد، أي إظهاره كما هو، لم ينجح في هذه المهمة أيضاً، فبدت الرؤية مرتبكة جداً، مثيرة للاستياء من عدم مهنيتها الفنية، فضلاً عن انعدام المحتوى.

"حكاية حسن" عرضٌ لمجموعة من مقاطع الفيديو والتسجيلات القديمة لنصر الله، وحول نصر الله. بالإضافة إلى مقاطع غير مفهومة، تتضمن إطراء هيفاء وهبي لزعيم حزب الله، وكلام الأخير عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دون فهم سياق ما يقول، بالإضافة إلى عرض فيديو لمباراة ملاكمة، يرفع الفائز فيها علم الحزب، وسط أغنية لبنانية تمجد نصر الله، دون أن يكون هناك ما يربط هذه المشاهد، أو يضعها في سياق مفهوم.

يمر الفيلم بشكل سريع على محطات مختلفة من تاريخ حزب الله في لبنان والمنطقة، دون تفاصيل، مثل الإشارات إلى المعارك بين حزب الله وحركة أمل، منتصف الثمانينيات، ثم انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، وحرب تموز، وأحداث 7 أيار، وتدخّل الحزب في سورية، وكأنه عرض صحافي رديء، لم يتضمن أي معلومات، أو إضافة، ولم يعبر عن رؤية أو قصة، كتلك التي تعرضها الوثائقيات عادة، أو حتى التقارير التلفزيونية.

فالفيلم على سبيل المثال، يتطرق لأحداث 7 أيار 2008، وينشر صوراً لقطع طرق، ومظاهرات، واحتجاجات، ووجود مسلحين، دون أن يوضح للمشاهد – غير المتابع للشأن اللبناني – بأن الحديث يرتبط باقتحام مسلحين من حزب الله، لبيروت، على إثر خلافات حول كاميرات المراقبة التي تتبع لحزب الله في مطار بيروت، القضية التي أثارها آنذاك زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، وصدر إثرها قراران من مجلس الوزراء اللبناني، تضمنا إقالة العميد وفيق شقير، قائد أمن مطار بيروت، المقرب من حزب الله، ومصادرة شبكة الاتصالات التابعة للحزب في المطار.
وكان تدخل حزب الله العسكري آنذاك، وما عُرف وقتها بـ "اقتحام بيروت"، صادماً في لبنان، وللمراقبين من خارج لبنان، لأن التدخل كان تراجعاً عن كل وعود حزب الله بعدم استخدام "سلاح المقاومة" في الشأن الداخلي اللبناني، حيث استخدم الحزب في 7 أيار، السلاح، وبشكل سافر، من أجل تعطيل قرار صادر من الدولة اللبنانية، ليكون بمثابة إعلان بأن الدولة مرتهنة للحزب بشكل كامل، وهو الشيء الذي لم يكن الحزب مضطراً إليه، خلال فترة الوصاية السورية على لبنان، قبل 2005.

اقرأ أيضاً: الردّ السعودي على "حرب" حزب الله بدأ.. فكيف ينتهي؟

إزاء كل هذا، اكتفى فيلم "حكاية حسن" بإشارة إلى صور من اقتحام بيروت، وعبارات لنصر الله نفسه، يهدد ويتوعد على خلفية أحداث 7 أيار، ويعتبره يوماً "مجيداً من أيام المقاومة".
ينسحب هذا الكلام على أحداث كثيرة، أشار إليها الفيلم بشكل عرضي، كمعارك حزب الله وحركة أمل في 1986، وتدخل الحزب في سورية، ودوافعه وتداعياته.

المقاطع الأخرى لنصر الله، مكررة ومبتذلة إعلامياً، إن كان إعلان نصر الله الولاء لإيران وولاية الفقيه قبل عقود، واعتبار هدف الحزب الأسمى، جعل لبنان جزءاً من الجمهورية الإسلامية التي يحكمها الولي الفقيه الإيراني، أو تمجيده لبشار الأسد، والذي كرره على مدى سنوات، منذ اغتيال الحريري. من هنا لا يبدو بأن الفيلم قدم أي إضافة، لفقدانه للرؤية، وكأنه فيلم هواة.

وما هي إلا ساعات، حتى غصّت مواقع التواصل بردود الفعل المؤيدة والرافضة للوثائقي. وانتشر وسم "#حكاية_حسن"، والذي استخدمه الآلاف ليصبح الوسم الأكثر انتشاراً في لبنان والعديد من الدول العربية. وأطلق سعوديون غاضبون من القناة وسم "#العربية_تدعم_حسن_نصر_الله"، فطالبوا بـ"محاسبة القناة على ما عرضته".


وأجمع مناصرو "حزب الله" أن قناة "العربية"، "لم تجد أي انتقاد توجهه إلى نصرالله لذلك أتى على هذا الشكل المقبول"، كما قالوا.
فيما اعتبر من يخالفونه الخط السياسي أن "الوثائقي أنتجته قناة "المنار" وعرضته "العربية" وهو بمثابة تلميع إعلامي لنصرالله، لا تعرية له".

وعمّت تساؤلات كثيرة على "تويتر"، كسؤال أحدهم "بعد مهزلة حكاية حسن هل ينتظر البعض بياناً يصدره حزب الله يشكر قناة العربية على هذا الوثائقي الذي أفرح مؤيدي حسن وحزبه لأسباب مجهولة؟" فيما سأل آخر "بعد حكاية حسن هل ستصدر السعودية قراراً بوقف العربية عن العربسات؟ أو تعطيها فرصة ثانية؟".


والجدير ذكره، أنّ الوثائقي متعدد الأجزاء وستعرض الحلقات أسبوعياً، كما سيتم الإعلان عن تاريخ عرضها تباعاً.

ويُذكر أيضاً، أنّ تقليد أحد الممثلين لنصرالله في برنامج "بس مات وطن" منذ سنوات، سبّب تظاهرات لمؤيدي الحزب في بيروت، وإقفال طريق المطار احتجاجاً.