وتبقى الثورة

03 ديسمبر 2014
الظلم زائل، بالقلوب والأيدي والحناجر سيزول
+ الخط -
يحضر مفهوم العدالة في غير نقاش وموضع، حاملاً أكثر من معنى، متباينا في التفسيرات التي يمكن أن تساق له وحوله. إذ هناك من يرى فيه جملة تفاهمات أخلاقية مجردة بعيدة عن كل ما له علاقة بالظرف المعاش، وشكل أو هوية النظام السياسي الذي يمسك بخيوط السلطة وأدوات العنف في المجتمع، وهناك من يقوده إلى ساحة السوق وما فيه من موارد وفرص وشكل توزيعها، دون أن ينفي هذا أن هناك من يحصره في سلسلة نصوص قانونية محبّرة في دساتير البلاد وأروقة مؤسساتها التنفيذية والقضائية. لكن، والأهم من الأبعاد المفاهيمية، والأدوات التعريفية، والمعطيات المعرفية والتعليلية حول "العدالة"، والأجدر التعاطي معه، هو سؤال أيننا من العدالة؟! وماذا نريد منها إن حضرت؟ وكيف لها أن تحضر؟ وماذا يترتب على غيابها، أو غياب الشكل الذي نبتغيه؟!

حكم المخلوع، وسيئ الذكر، محمد حسني مبارك، قبل أيام معدودات بالبراءة، أو لا نقول حكم، بقدر ما منح صك غفران منمق على إيقاع بساطير العسكر، لائق بالرشاوي التي اعتادتها أحزمتهم وأكتافهم. دون أن يعبأ من منح هذا الصك بما يمكن أن يتمخض عنه، أو حتى المعاني والدلالات التي يعكسها هذا الكم من البشاعة الملخص في قرار محكمة، على نفوس من فقدوا عيناً أو عمراً على يد أدوات هذا الطاغية. مخطئ من يفكر بالقليل المحتمل نتيجة حكم "البراءة" الذي تحصل عليه، أو أصدره لنفسه ولبنيه وللعادلي وضباطه. وإذ ينظر إلى شيء هنا، فهو البحث والسؤال عن "الدولة"، وأي دولة، التي تنطّح كثر للدفاع عن سيادتها وأمنها القومي ومصالحها الحيوية، ومؤسساتها الدستورية، وقداسة القانون وسيادته فيها، التي تتذرع بالحرب على الإرهاب، الذي من ضروراته التنكيل والطرد أو الحبس الحاصل بحق كثير من شباب الثورة، أو التهجير والهدم والإجلاء والتطهير العرقي لسكان لم يعرفوا أمناً في يوم منذ رزقوا بديكتاتور يرسل لهم العصي من الجنوب، واستعمار استيطاني يطمع في ملحهم وبحرهم وغازهم من جهة الشمال.

وللمناسبة، لا يأخذ الذهول أحد فينسيه أسئلة العدالة ومبررات انتهاكها بل وإلغائها في عديد من مساحات ترابنا العربي.. حيث إن هناك من يفاخر بحرب يشنها على الإرهاب، ويتباكى ليل نهار على عدالة وقانون عطّلا، قسراً عنه، في سبيل حربه المقدسة تلك، حربٍ على إرهاب غذاه وسمّنه، ولم يبق من أعلاف السهوب الموسكوفية شيء إلا وأرسل إليه عبر أكف طائفية حملت وأذكت كل ما من شأنه تعميق الإرهاب على حساب العدالة ودماء من يسعون إليها سبيلا.

ليس قليلاً هو المتوقع والمنتظر عندما توضع أرواح حرة حية نابضة بالحب للحياة وللكرامة وللـ"عدالة"، اجتماعية وقضائية.. إلخ، كما الحب لكل عرق أخضر يظلل رفات شهيد، في مواجهة السؤال عن انتفاء الحاجة إلى مسرح القضاء، وأمام تغييب أفق كل ما هو ديمقراطي. هنا ليس من حق أحد أن يستهجن استنهاض شعار "أنا الحكومة" بما يترتب عليه مساع لإحقاق الحقوق مباشرة وباليد، كما العين بالعين والسن بالسن، والبادي أكيد هو الأظلم.

ماذا يقول النظام في مصر للمصريين اليوم؟ ما الرسالة التي جهد منذ هبوطه على رأس السلطة كما هبوط هراواته وخراطيشه على أقدار شباب الثورة ليوصلها لعوائل من قتلوا بيد "أبراره"؟ حقاً ماذا؟ّ!

وماذا تقول السطور المصرية للصفحة العربية؟ أتستعيد ما غناه سميح شقير يوماً لأحد من وقعت رقابهم وأحلامهم تحت مقصلة عسكر الجوع إلى السلطة، فقال ناصحاً إياه "يا رفيقي.. لا حوار مع الرعاع".

وما هو قائم اليوم، في مصر، إلا أكبر مجزرة بحق العدالة والديمقراطية وخيار الشعب ودماء أبنائه ممكن أن يؤرخ لها. كما أن ما هو قائم سورياً ليس أقل بشاعة، ولا ما هو حاصل يمنياً أقل ألماً. لكن، وبما تحمله صدور الشباب العربي وتضخه قلوبه، الثورة مستمرة، الظلم زائل، بالقلوب والأيدي والحناجر سيزول.


                                                 راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون