وانفضّ مولد إعادة إعمار العراق

19 فبراير 2018
تنفيذ مقررات المؤتمر دونه تحديات (ياسر الزيات/ فرانس برس)
+ الخط -

انتهى المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق الذي نظمته دولة الكويت، في الفترة من 12 إلى 14 فبراير/شباط الجاري، بإعلان وزير الخارجية الكويتي تعهّدات من دول ومؤسسات بتقديم مساعدات ومنح مالية واستثمارات وضمان مشروعات للعراق قيمتها 30 مليار دولار.

وكانت الملاحظة السريعة على التعهدات من الجانب العراقي، والتي عبّر عنها وزير خارجية العراق، إبراهيم الجعفري، خلال المؤتمر الصحافي الذي عُقد في نهاية المؤتمر، أن المبلغ أقل كثيرا مما كانت تأمله حكومة حيدر العبادي، والتي توقعت جمع 100 مليار دولار لصالح مشروع إعادة الإعمار، ثم خفضت الرقم إلى 88.2 مليار دولار، كما جاء على لسان وزير التخطيط، سلمان الجميلي.

ليست هذه هي الملاحظة الرئيسية حول مؤتمر المانحين الدوليين الذي انعقد لصالح العراق بمشاركة 40 دولة وأكثر من ألف شركة عالمية، بل الملاحظة الأهم هي: كيف وصلت واحدة من بين أغنى الدول العربية، وثانية أكبر منتج للنفط في المنطقة العربية، إلى هذا الوضع المالي والاقتصادي المأساوي؟

وكيف أوصل الاحتلال الأميركي العراق في عام 2003 إلى أن يصبح واحداً من الدول الفقيرة التي تلهث وراء قرض من هنا ومساعدة مالية ومنح من هناك؟ وكيف دفع الاحتلال السياسي والاقتصادي الإيراني العراق بعد ذلك، وعلى مدى السنوات الماضية، ليتسول منحا ومعونات من دول لا تملك واحدا من مائة من ثروات بلاد الرافدين المنهوبة من قبل الإيرانيين والقادة السياسيين وقادة المليشيات العسكرية الموالية لطهران؟

المانحون الدوليون لن يدفعوا أموالا ومساعدات بمليارات الدولارات للعراق، كما وعدوا في مؤتمر الكويت، وسيلقى مؤتمر المانحين الأخير المخصص لإعادة إعمار العراق نفس مصير مؤتمرات دولية سابقة تم تنظيمها لصالح إعادة الإعمار في دول ومناطق كثيرة، منها غزة والصومال وأفغانستان واليمن وسورية وغيرها. وربما تسفر التعهدات التي تلقتها حكومة بغداد في مؤتمر الكويت عن إغراق البلاد في مزيد من الديون والقروض الخارجية، وبالتالي رهن العراق ما تبقى له من القرارات السياسية والاقتصادية للغرب ومؤسساته المالية بعد أن رهنها لحكومة طهران.

وأكبر دليل على ذلك أن ما يزيد على نصف تعهدات المانحين الدوليين في الكويت (16.5 مليار دولار) جاء في شكل عروض من الدول بتقديم قروض سيادية ميسرة للعراق، أي أن الحكومة العراقية ملتزمة بسدادها مرة أخرى عقب انتهاء فترة القرض، وأنه ما دمنا نتحدث عن قرض سيادي فإن البنك المركزي العراقي ضامن للسداد، وإلا سيتم الحجز على أموال البلاد في الخارج في حال التعثر.

وجاء في مرتبة تالية من التعهدات الدولية للعراق "القروض غير السيادية والاستثمارات وضمان تمويل المشروعات بقيمة 11.6 مليار دولار"، أما المنح والمساعدات فلم يتجاوز نصيبها 1.8 مليار دولار، وهي مساعدات موجهة لأغراض إنسانية واجتماعية، بالدرجة الأولى، ويتم تقديمها بالفعل لصالح الفئات الأكثر فقراً في العراق.

مشكلة العراق الأساسية لا تكمن في القروض، حيث يمكنه الاقتراض من صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات المالية الدولية، وهو ما يحدث بالفعل حاليا، لكنها تكمن في الفساد المستشري في البلاد منذ الاحتلال الأميركي في عام 2003، وزادت حدته عقب السيطرة الإيرانية على مقدرات البلاد. فحتى لو تم دحر تنظيم داعش الإرهابي وإخراجه من البلاد، كما جرى، وحتى لو عاد الاستقرار الأمني والسياسي للبلاد، سيبقى الفساد أكبر عقبة في طريق عودة الرخاء والتنمية والإعمار لبلاد الرافدين، لأن خطر الفساد في العراق قد يعادل خطر الإرهاب، وربما يفوقه.

الفساد يتغلغل وبقوة في كل العراق، لأن أكبر مرتكبيه وداعميه هم كبار الرموز السياسية في البلاد، وأكبر دليل على ذلك الجرائم المالية التي ارتكبها نوري المالكي، نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لمدة 9 سنوات، ولم يحاسبه أحد، رغم إقرار جهات برلمانية وقضائية عراقية بفداحة أرقام الفساد التي ارتكبها الرجل خلال توليه منصبه.

فقد ذكرت منظمة الشفافية العالمية، على سبيل المثال، أن العراق خسر، خلال سنوات حكم المالكي، 1000 مليار دولار (تريليون دولار)، ولم يتحرك أحد لمحاسبة الرجل، كما لم يحاسبه أحد عن التقارير التي أعدها برلمانيون عراقيون وأكدت أن الفساد الذي ارتكب في عهد المالكي، دفع اقتصاد البلاد إلى حافة الانهيار، ونقل الطبقة المتوسطة إلى حافة الفقر.


العراق بات دولة مليئة بنوعيات كثيرة تشبه حالة نوري المالكي وغيره من اللصوص الذين قاموا بتهريب أموال وثروات العراق. وحسب لجنة حكومية، فإن المصارف الحكومية هرّبت عشرات مليارات الدولارات إلى الخارج، في الفترة بين 2012 إلى 2015، أي في آخر 3 سنوات من فترة حكم المالكي.

العراق بلا قانون لمكافحة الكسب غير المشروع، بعد أن عطل أعضاء في البرلمان تمرير قانون (من أين لك هذا)، والحكومة العراقية تقف عاجزة أمام مواجهة طوفان الفساد

أوقفوا الفساد في العراق يعُد الرخاء للبلاد وتعُد البلاد كما كانت قبل الحصار الغربي والغزو الأميركي والهيمنة الإيرانية، خاصة أن العراق يتمتع بثروات قلما تتوافر في دول عربية كثيرة، ثروات نفطية وزراعية لا حصر لها.