لم تكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ترى في الشعب الفلسطيني إلا مجموعات سكانية، على أرض "إسرائيل" التوراتية، أو على تخومها، مثيرة للمشاكل وقد تتطور هذه المشاكل إلى تهديدات، وتعاظمت هذه المخاوف بعد الانتفاضة الأولى عام 1987 وتصاعد روح التمرد لدى الشعب الفلسطيني، وتوصلت القيادة العسكرية والسياسية الصهيونية إلى نتيجة مبكرة باستحالة الاستمرار في حالة الاحتلال، وهنا برزت الفكرة المركزية التي لخصت اتفاق أوسلو وما بعده، مفادها ضرورة الانسحاب من المراكز السكانية الفلسطينية الأساسية، وحشر الفلسطينيين على أقل مساحة جغرافية ممكنة، مع إدارة ذاتية تعفي الاحتلال من مسؤولياته، وجسم أمني متضخم يحارب المقاومة ويوفر الأمن للمستوطنين.
شكل اتفاق أوسلو في أيلول/سبتمبر 1993م وملحقاته حتى اتفاقية واي ريفر عام 1998، الترجمة العملية الأولى والأساسية لنظرية التخلص من العبء السكاني الفلسطيني، مع تشكيل سلطة برداء فلسطيني تحمي الاحتلال، فجاء الاتفاق بمثابة الكارثة للشعب الفلسطيني لأن الخلل في جوهر الاتفاق كان واضحاً، بحيث مكن الاحتلال من الضفة الغربية والقدس وصولاً إلى الواقع المأساوي حالياً، ومن أهم عوامل الخلل في الاتفاق التي مهدت لسياسة الأمر الواقع في الضفة والقدس:
- تأجيل قضيتي اللاجئين والقدس إلى المرحلة النهائية من التفاوض، في وقت اعترفت فيه منظمة التحرير بإسرائيل، ووضعت حداً للانتفاضة، أي أنها تخلت عن أدوات القوة قبل أن تحقق إنجازات حقيقية لمصلحة القضية الفلسطينية.
- القبول بمبدأ المرحلية، وتجزئة الانسحاب على جداول زمنية تتغير باستمرار، وربط ذلك بأداء السلطة الأمني.
- تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق أ، ب، ج، حسب الكثافة السكانية، وسيطرة أمنية وأخرى مدنية.
لذلك سارت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ اتفاق أوسلو على خطط استيطانية واضحة المعالم، وفرضت إجراءات عملية على الأرض بما ينسجم مع هذه المخططات، بغض النظر عن المفاوضات التي كانت تجري تحت مسمى عملية السلام، أو ما يقوله المفاوض الفلسطيني عن مشروع حل الدولتين، والدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران من العام 1967م وعاصمتها القدس.
أولاً: الضفة الغربية
الناظر إلى خرائط الضفة الغربية الاستيطانية والبنية التحتية الملحقة بها في الوقت الحالي يخرج بخلاصة مفادها بأن الضفة الغربية عشية توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 ليست الضفة الغربية التي يعرفها الفلسطيني عام 2018:
- بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية حالياً حوالي 450 ألف مستوطن، يتوزعون على حوالي 150 مستوطنة، و100 نقطة "استيطانية عشوائية" حسب التعريف الإسرائيلي، بينما كان عدد المستوطنين عام 1993 حوالي 200 ألف مستوطن.
- التهم جدار الفصل العنصري الذي شرعت حكومة الاحتلال في بنائه عام 2002 حوالي 10% من مساحة الضفة الغربية، ضاماً معه أكثر من 65 مستوطنة، ومناطق شبه فارغة من الفلسطينيين.
- سيطرت إسرائيل عملياً على 84% من مساحة منطقة " C" حسب تقسيمات اتفاق أوسلو والتي تشكل حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية الكلية، 36.5% اعتبرتها إسرائيل أراضي دولة حسب التعريف الإسرائيلي يمنع فيها أي مشاريع بناء للفلسطينيين، 30.5% مناطق عسكرية مغلقة، 14% محميات طبيعية، 3.5% مساحة محصورة بين جدار الفصل والخط الأخضر.
- تحولت الضفة الغربية بفعل الاستيطان وجدار الفصل العنصري إلى ثلاثة كنتونات رئيسية:
- الأول شمال الضفة ويضم جنين، طولكرم، طوباس، قلقيلية، نابلس بمساحة إجمالية 1930كيلومتراً مربعاً ويتصل مع مدينة رام الله بممر عند مفترق زعترة.
- الثاني جنوب الضفة ويضم مدينتي الخليل وبيت لحم بمساحة 710 كيلومترات مربعة.
- الثالث شرق الضفة الغربية ويضم مدينة أريحا بمساحة 60 كيلومتراً مربعاً.
وهذه الكنتونات الثلاثة مجزأة بفعل المستوطنات والطرق الالتفافية والمناطق العسكرية والمحميات الطبيعية، إلى ثماني مناطق رئيسية.
ثانياً: القدس
- بلغ عدد المستوطنين في القدس حالياً حوالي 220 ألف مستوطن يتوزعون على 19 مستوطنة، بينما لم يزد عددهم عام 1993 عن 115 ألف مستوطن.
- تسيطر إسرائيل على 87% من مساحة القدس (72 كيلومتراً مربعاً)؛ 35% تمت مصادرتها بحجة "المصلحة العامة"، و52% تحولت إلى مناطق خضراء ومحميات طبيعية، أو بنية تحتية لربط المستوطنات بعضها ببعض، ولم يتبق للفلسطينيين سوى 13% للبناء.
- إخراج حوالي 125 ألف فلسطيني مقدسي خارج حدود مدينة القدس، بفعل الجدار العازل الذي تم الانتهاء من تشييده أواخر عام 2012، وهم الفلسطينيون القاطنون في قرى كفر عقب، بير نبالا، الرام، الجيب، الضاحية، الزعيم، عناتا، حزما، العيزيرية، أبو ديس، السواحرة، الشيخ سعيد، ومخيم شعفاط.
- تم عزل القدس العربية عن محيطها الفلسطيني بتدشين عشرة معابر خارجية مثل أي حدود في العالم، وهي معابر: عناتا، حزما، المزموريا، جيلو، العيزرية، الولجة، عطاروت، الزعيم، قلنديا، وبيتونيا.
- إنشاء أنفاق لليهود فقط أسفل المناطق الفلسطينية لربط التجمعات الاستيطانية، مثل نفق قرية كفر عقب لربط المستعمرة المقامة على أراضي قلنديا بتجمع المستوطنات الشرقية وتقصير المسافة بين مستوطنة بيت إيل شمال رام الله والقدس.
- طمس الهوية الإسلامية لمدينة القدس وإبدالها بمعالم يهودية توراتية، فقد تسارعت خلال الأعوام الثلاثة الماضية وتيرة التغيير العمراني بمعابد ومنشآت وحدائق بطابع يهودي، وهناك ما يقارب عشرة مشاريع في طور البناء والتخطيط الكفيلة بتغيير طابع المدينة الإسلامية ككل.
- "أسرلة" ما تبقى من الأقلية الفلسطينية في القدس والتي تبلغ نسبتها 23% من مجمل القاطنين في القدس الشرقية والغربية مع استثناء عدد الفلسطينيين خارج الجدار، من خلال سعي الحكومة الصهيونية وأذرعها في القدس إلى ربط القطاعات التعليمية والصحية والتجارية بالمؤسسات التابعة لها مباشرة، ورفع مستوى الخدمات المقدمة لهذه الأقلية، فتعمل على رفع عدد الطلاب الملتحقين بالمدارس الإسرائيلية الحكومية، حيث يدرس الآن حوالي 40 ألف طالب في هذه المدارس في القدس أي بنسبة 53%، بينما يدرس حوالي 30 ألف طالب في المدارس العربية الخاصة والحكومية، وفي القطاع الصحي رفعت المؤسسات الإسرائيلية المسؤولة مستوى الخدمات، وتقدم خدمات صحية في الأحياء العربية كادت تصل إلى كل حي من خلال صناديق المرضى الإسرائيلية.
بالإضافة إلى ذلك، تحولت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية التي كان من المفترض أن تؤسس لنواة الدولة الفلسطينية العتيدة حسب اتفاق أوسلو، إلى مجرد مقاول أمني لحفظ أمن جيش الاحتلال والمستوطنين بأجهزة أمنية عقيدتها الأمنية لا ترى في المقاومة إلا "إرهاباً" والإسرائيليين أصدقاءً، ووزارات ومؤسسات حكومية بصلاحيات محدودة أشبه بالبلديات، ومناطق مستباحة إسرائيلياً لا علاقة لها بمفهوم السيادة.
في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل توقع اتفاق أوسلو، كانت هناك مخططات إسرائيلية طويلة المدى لا علاقة لها بمسار التسوية، ولا بالاتفاقيات والمبادرات التي تم طرحها، وهذه المخططات التي لمس كل فلسطيني وقائعها على الأرض بعد ربع قرن من توقيع الاتفاق، جوهرها السيطرة على أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، وحشر الفلسطينيين في تجمعات يفصلها عن بعضها ما يشبه دولة للمستوطنين، و"أسرلة" القدس وتهويد مقدساتها وطمس معالمها الإسلامية واستبدالها بمعالم توراتية يهودية، مع تقليص الوجود الديموغرافي الفلسطيني إلى 12% من مجمل عدد سكان مدينة القدس.
شكل اتفاق أوسلو في أيلول/سبتمبر 1993م وملحقاته حتى اتفاقية واي ريفر عام 1998، الترجمة العملية الأولى والأساسية لنظرية التخلص من العبء السكاني الفلسطيني، مع تشكيل سلطة برداء فلسطيني تحمي الاحتلال، فجاء الاتفاق بمثابة الكارثة للشعب الفلسطيني لأن الخلل في جوهر الاتفاق كان واضحاً، بحيث مكن الاحتلال من الضفة الغربية والقدس وصولاً إلى الواقع المأساوي حالياً، ومن أهم عوامل الخلل في الاتفاق التي مهدت لسياسة الأمر الواقع في الضفة والقدس:
- تأجيل قضيتي اللاجئين والقدس إلى المرحلة النهائية من التفاوض، في وقت اعترفت فيه منظمة التحرير بإسرائيل، ووضعت حداً للانتفاضة، أي أنها تخلت عن أدوات القوة قبل أن تحقق إنجازات حقيقية لمصلحة القضية الفلسطينية.
- القبول بمبدأ المرحلية، وتجزئة الانسحاب على جداول زمنية تتغير باستمرار، وربط ذلك بأداء السلطة الأمني.
- تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق أ، ب، ج، حسب الكثافة السكانية، وسيطرة أمنية وأخرى مدنية.
لذلك سارت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ اتفاق أوسلو على خطط استيطانية واضحة المعالم، وفرضت إجراءات عملية على الأرض بما ينسجم مع هذه المخططات، بغض النظر عن المفاوضات التي كانت تجري تحت مسمى عملية السلام، أو ما يقوله المفاوض الفلسطيني عن مشروع حل الدولتين، والدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران من العام 1967م وعاصمتها القدس.
أولاً: الضفة الغربية
الناظر إلى خرائط الضفة الغربية الاستيطانية والبنية التحتية الملحقة بها في الوقت الحالي يخرج بخلاصة مفادها بأن الضفة الغربية عشية توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 ليست الضفة الغربية التي يعرفها الفلسطيني عام 2018:
- بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية حالياً حوالي 450 ألف مستوطن، يتوزعون على حوالي 150 مستوطنة، و100 نقطة "استيطانية عشوائية" حسب التعريف الإسرائيلي، بينما كان عدد المستوطنين عام 1993 حوالي 200 ألف مستوطن.
- التهم جدار الفصل العنصري الذي شرعت حكومة الاحتلال في بنائه عام 2002 حوالي 10% من مساحة الضفة الغربية، ضاماً معه أكثر من 65 مستوطنة، ومناطق شبه فارغة من الفلسطينيين.
- سيطرت إسرائيل عملياً على 84% من مساحة منطقة " C" حسب تقسيمات اتفاق أوسلو والتي تشكل حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية الكلية، 36.5% اعتبرتها إسرائيل أراضي دولة حسب التعريف الإسرائيلي يمنع فيها أي مشاريع بناء للفلسطينيين، 30.5% مناطق عسكرية مغلقة، 14% محميات طبيعية، 3.5% مساحة محصورة بين جدار الفصل والخط الأخضر.
- تحولت الضفة الغربية بفعل الاستيطان وجدار الفصل العنصري إلى ثلاثة كنتونات رئيسية:
- الأول شمال الضفة ويضم جنين، طولكرم، طوباس، قلقيلية، نابلس بمساحة إجمالية 1930كيلومتراً مربعاً ويتصل مع مدينة رام الله بممر عند مفترق زعترة.
- الثاني جنوب الضفة ويضم مدينتي الخليل وبيت لحم بمساحة 710 كيلومترات مربعة.
- الثالث شرق الضفة الغربية ويضم مدينة أريحا بمساحة 60 كيلومتراً مربعاً.
وهذه الكنتونات الثلاثة مجزأة بفعل المستوطنات والطرق الالتفافية والمناطق العسكرية والمحميات الطبيعية، إلى ثماني مناطق رئيسية.
ثانياً: القدس
- بلغ عدد المستوطنين في القدس حالياً حوالي 220 ألف مستوطن يتوزعون على 19 مستوطنة، بينما لم يزد عددهم عام 1993 عن 115 ألف مستوطن.
- تسيطر إسرائيل على 87% من مساحة القدس (72 كيلومتراً مربعاً)؛ 35% تمت مصادرتها بحجة "المصلحة العامة"، و52% تحولت إلى مناطق خضراء ومحميات طبيعية، أو بنية تحتية لربط المستوطنات بعضها ببعض، ولم يتبق للفلسطينيين سوى 13% للبناء.
- إخراج حوالي 125 ألف فلسطيني مقدسي خارج حدود مدينة القدس، بفعل الجدار العازل الذي تم الانتهاء من تشييده أواخر عام 2012، وهم الفلسطينيون القاطنون في قرى كفر عقب، بير نبالا، الرام، الجيب، الضاحية، الزعيم، عناتا، حزما، العيزيرية، أبو ديس، السواحرة، الشيخ سعيد، ومخيم شعفاط.
- تم عزل القدس العربية عن محيطها الفلسطيني بتدشين عشرة معابر خارجية مثل أي حدود في العالم، وهي معابر: عناتا، حزما، المزموريا، جيلو، العيزرية، الولجة، عطاروت، الزعيم، قلنديا، وبيتونيا.
- إنشاء أنفاق لليهود فقط أسفل المناطق الفلسطينية لربط التجمعات الاستيطانية، مثل نفق قرية كفر عقب لربط المستعمرة المقامة على أراضي قلنديا بتجمع المستوطنات الشرقية وتقصير المسافة بين مستوطنة بيت إيل شمال رام الله والقدس.
- طمس الهوية الإسلامية لمدينة القدس وإبدالها بمعالم يهودية توراتية، فقد تسارعت خلال الأعوام الثلاثة الماضية وتيرة التغيير العمراني بمعابد ومنشآت وحدائق بطابع يهودي، وهناك ما يقارب عشرة مشاريع في طور البناء والتخطيط الكفيلة بتغيير طابع المدينة الإسلامية ككل.
- "أسرلة" ما تبقى من الأقلية الفلسطينية في القدس والتي تبلغ نسبتها 23% من مجمل القاطنين في القدس الشرقية والغربية مع استثناء عدد الفلسطينيين خارج الجدار، من خلال سعي الحكومة الصهيونية وأذرعها في القدس إلى ربط القطاعات التعليمية والصحية والتجارية بالمؤسسات التابعة لها مباشرة، ورفع مستوى الخدمات المقدمة لهذه الأقلية، فتعمل على رفع عدد الطلاب الملتحقين بالمدارس الإسرائيلية الحكومية، حيث يدرس الآن حوالي 40 ألف طالب في هذه المدارس في القدس أي بنسبة 53%، بينما يدرس حوالي 30 ألف طالب في المدارس العربية الخاصة والحكومية، وفي القطاع الصحي رفعت المؤسسات الإسرائيلية المسؤولة مستوى الخدمات، وتقدم خدمات صحية في الأحياء العربية كادت تصل إلى كل حي من خلال صناديق المرضى الإسرائيلية.
بالإضافة إلى ذلك، تحولت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية التي كان من المفترض أن تؤسس لنواة الدولة الفلسطينية العتيدة حسب اتفاق أوسلو، إلى مجرد مقاول أمني لحفظ أمن جيش الاحتلال والمستوطنين بأجهزة أمنية عقيدتها الأمنية لا ترى في المقاومة إلا "إرهاباً" والإسرائيليين أصدقاءً، ووزارات ومؤسسات حكومية بصلاحيات محدودة أشبه بالبلديات، ومناطق مستباحة إسرائيلياً لا علاقة لها بمفهوم السيادة.
في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل توقع اتفاق أوسلو، كانت هناك مخططات إسرائيلية طويلة المدى لا علاقة لها بمسار التسوية، ولا بالاتفاقيات والمبادرات التي تم طرحها، وهذه المخططات التي لمس كل فلسطيني وقائعها على الأرض بعد ربع قرن من توقيع الاتفاق، جوهرها السيطرة على أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، وحشر الفلسطينيين في تجمعات يفصلها عن بعضها ما يشبه دولة للمستوطنين، و"أسرلة" القدس وتهويد مقدساتها وطمس معالمها الإسلامية واستبدالها بمعالم توراتية يهودية، مع تقليص الوجود الديموغرافي الفلسطيني إلى 12% من مجمل عدد سكان مدينة القدس.