البيت الأبيض ابتعد عن الموضوع. لا "تويتر" ولا تصريح ولا شروط جديدة. وكأنه يراقب الردود ورياح الجدل الدائر، والمتوقع أن يأخذ جرعة من النشاط مع عودة الكونغرس بعد عيد العمل في مطلع سبتمبر/أيلول المقبل. لم يعط أي إشارة حول تراجعه عن وعده المبدئي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أشرف على تسويق الترتيب. ولا حتى بعد كلام الرئيس روحاني واشتراطه رفع العقوبات قبل الجلوس إلى الطاولة. وكأن واشنطن لم ترَ في ذلك سوى أنه جزء من لعبة تحسين الشروط التي تسبق أي مفاوضات، أو أن كلامه كان برسم الساحة الداخلية لتسويغ اللقاء. الأهم من ذلك أن مستشار الرئيس ترامب، جون بولتون، المعروف بموقفه الصدامي تجاه إيران، غائب، على الأقل في الظاهر، عن الموضوع. لا تعليق ولا تلميح صدر عنه. وكأنه جرى استبعاده عن الملف حالياً، أو أنه معترض ضمناً على هذا التوجه. في هذه الحالة، غيابه يعزز الاعتقاد بجدية الرئيس في الحوار لكسر جليد الأزمة التي قال أكثر من مرة إنه لا ينوي تصعيدها إلى حرب مع إيران.
وقد تردد صدى هذا التوجه في كلام وزير الدفاع مارك إسبر، أمس، في أول مؤتمر صحافي له بمشاركة رئيس الأركان الجنرال جوزف دانفورد، حين قال: "نحن لا نسعى إلى نزاع مع إيران بل نريد سلوك طريق الدبلوماسية معها". وزيادة في الوضوح ودفعاً لأي التباس، أضاف أن "الرئيس ترامب يرغب بلقاء القيادة الإيرانية.. ونأمل أن توافق إيران على ذلك للتباحث في حل القضايا". الوزير الجديد المحسوب على الرئيس شخصياً، لم يكن لينطق بمثل هذا الوضوح عن رغبة الرئيس في هذا الخصوص لولا يقينه بالتزام البيت الأبيض بهذا الخيار، أقله حتى الآن. ثم إن تأكيده يعكس أيضاً أجواء البنتاغون المعروف "بعدم حماسه" لعمل عسكري ضد إيران. وصار من المعروف أن الرئيس، في قرارات عسكرية سابقة، يأخذ في النهاية برأي العسكر؛ سواء بشأن الانسحاب من سورية أو أفغانستان وغيرهما.
مع ذلك، وبالرغم من جنوح ترامب الظاهر لفتح حوار مع طهران، ما زالت هناك أصوات محافظة ومتشددة: إما متحفظة على خطوة من هذا النوع، وإما موافقة ولكن على مضض. وزير الخارجية مايك بومبيو أقرب إلى الفريق الثاني. لا يبدو أنه موافق بوضوح مثل وزير الدفاع على فكرة اللقاء مع روحاني، لكنه غير معترض علناً. قربه من الرئيس يجعله يداري الموضوع بعناية لا يَخفى فيها تشكيكه في جدوى وصوابية الخطوة، وفي الوقت ذاته، لا يتعمد التقليل من أهميتها. في مقابلة إذاعية معه، أمس، اكتفى بالتنويه إلى أهمية التحاور "مع الآخر كوسيلة تمكن المتحاورين من فهم بعضهم البعض"، من دون الإجابة على السؤال حول اللقاء بالذات مع روحاني. بدلاً من ذلك، أفاض بالكلام عن صوابية سياسة إدارة ترامب في الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض العقوبات التي "منعت إيران من مراكمة الثروة لإنفاقها على الإرهاب في العالم". فقط أعرب عن "الأمل بإمكانية الجلوس مع إيران عندما تسنح الفرصة لحملها على التصرف كدولة عادية". كلامه يلخص الشروط الـ12 التي صاغها قبل أكثر من سنة للحوار مع إيران.
في هذا السياق، سرت أخبار في وسائل إعلام إسرائيلية تفيد بأن البيت الأبيض ينوي شراء سكوت وموافقة إسرائيل على اللقاء مع الرئيس روحاني، مقابل منحها التأييد لضم نتنياهو أجزاء من الضفة لتعزيز وضع نتنياهو الانتخابي. ليس ذلك بالأمر المستبعد في ضوء السوابق المشابهة في القدس والجولان. البديل أن تقوم إسرائيل بتفجير الوضع في المنطقة. احتمال جرى تداوله بصورة لافتة في الأيام الأخيرة، مع أنه قد لا يكون أكثر من تهويل لقطع الطريق على لقاء الرئيسين، والذي يبقى أمره بيد ترامب المفتوح قراره على وجهة الرياح السياسية، خاصة المحلية منها.