واشنطن على خط أزمة بغداد وأربيل: دفع نحو الحوار

22 أكتوبر 2017
اعتصام أمام القنصلية الأميركية بأربيل، يوم الجمعة(صافن حامد/فرانس برس)
+ الخط -
يعلق الجانب العراقي الكردي آمالاً كبيرة على دخول واشنطن على خط الأزمة مع بغداد، والتي تسبب بها إجراء الاستفتاء على الانفصال، في سبتمبر/أيلول الماضي، وما أعقبه من سيطرة القوات العراقية على كركوك والمناطق المتنازع عليها. ولا يبدو الموقف الكردي متماسكاً بسبب تداعيات هذه الأزمة وما رافقها من ضعف وتباين في مواقف الأحزاب الكردية، الأمر الذي عزز من سلطة حكومة بغداد، والتي تتمسك بمواقف وشروط مقابل القبول بالحوار، مما دفع واشنطن إلى التدخل لحسم المواقف.

وبعد اتصالات أجرتها الإدارة الأميركية بمسؤولين عراقيين، بدا واضحاً أنّها وضعت حدوداً لكلا الطرفين، محاولةً تطويق الأزمة قبل تفاقمها، وما قد يرافقها من تداعيات سلبية. وفي بيان بدا شديد اللهجة، دعت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، هيذر نويرت، حكومة بغداد إلى "تجنب الاشتباكات شمال العراق، والحد من حركة القوات الاتحادية قرب كركوك، وفي المناطق المتنازع عليها، والقيام (حصراً) بالتحركات التي تم تنسيقها مع حكومة إقليم كردستان، تجنباً لأي سوء فهم". وشدّدت على أنّ "إعادة تأكيد السلطة الاتحادية على المناطق المتنازع عليها، لا يعني تغيراً بأي حال من الأحوال في وضعها". وأضافت أن هذه المناطق "تبقى موضع نزاع حتى يتم حل وضعها بموجب الدستور العراقي"، مؤكدةً مواصلة العمل مع مسؤولي حكومتي بغداد وأربيل "للحد من التوترات وتشجيع الحوار"، وفق تعبيرها. وقيّد هذا البيان حكومة بغداد وحال دون قيامها بأي خطوات للتلاعب بمصير المناطق المتنازع عليها خارج إطار الدستور، كما رسم ملامح حوار بين الجانبين برعاية أميركية، بحسب مراقبين.


وقال مسؤول عراقي مطلع، لـ"العربي الجديد"، إنّ "بيان الجانب الأميركي لم يأت اعتباطاً، إذ أنّ حكومة الإقليم وبعد تداعيات أزمة كركوك، والخسارة الكبيرة للجانب الكردي، أجرت اتصالات مع الجانب الأميركي، وطلبت منه تدخلاً عاجلاً لتفكيك الأزمة، بعدما فقدت (حكومة الإقليم) الأمل بالحل من قبل بغداد". وأوضح أنّ "الخطر والخسارة الكبيرة التي مني بها رئيس الإقليم مسعود البارزاني، دفعاه للتحرك نحو الجانب الأميركي والاستنجاد به، خوفاً على مصير الإقليم وما يواجهه من تفكك وهدم لبناء استغرق سنين طويلة". وبيّن أنّ "واشنطن أجرت اتصالات مع الرئيس العراقي فؤاد معصوم، واتفقت معه على تفعيل الحوار لتفكيك الأزمة، بينما لم تجر أي اتصال مع بغداد، ما يعني أنّ واشنطن تفرض على بغداد الانصياع للإرادة الأميركية وعدم إطلاق اليد".

وعقب بيان الخارجية الأميركية، أصدر الرئيس معصوم، بياناً دعا فيه إلى "حوار عميق بين جميع الأطراف وتوقف فوري عن التهديدات". وقال إنه "يجب فتح باب الحوار لدرء مخاطر التشظي والتفرقة والاحتراب، في هذه الفترة الاستثنائية الخطيرة، والمقترنة باندلاع خلافات عميقة وأبرزها الأزمة الناتجة عن الاستفتاء"، مشدداً على "ضرورة أن تلتزم جميع الأطراف بالدستور العراقي كمرجعية جامعة وحامية للتفاهمات والاتفاقات والمبادرات". وأكد "أهمية حماية حقوق الجميع من دون استثناء، واحترامهم كشركاء متساوين في الوطن، وعدم تحجيمهم أو تركيعهم بأي شكل كان"، داعياً إلى "الشروع فوراً بوضع حلول عاجلة وعادلة ومقنعة للجميع، لتجاوز الأزمة الراهنة في المناطق المتنازع عليها، ووقف التهديدات العسكرية والاعتداءات والتجاوزات، وحفظ حياة المدنيين"، بحسب تعبير الرئيس العراقي.

وأكد النائب عن "الاتحاد الوطني" الكردستاني، محمد عثمان، أنّ "الأطراف الكردية جميعها لا تعترض على أي طروحات أميركية لتفكيك الأزمة مع بغداد وتطويقها". وقال خلال حديثه مع "العربي الجديد": "نحن كجانب كردي على استعداد تام للحوار والمفاوضات لأجل دعم أمن واستقرار المنطقة، إذ إنّ الحرب والنهب والسلب لا يخدم أيّاً من الأطراف السياسية"، على حد تعبيره. وأضاف أنّ "التدخل الأميركي ودفعه باتجاه الحوار، هو بادرة جيدة، تحتاجها جميع الأطراف السياسية، وعلى بغداد أن توافق على أي طرح يصب بصالح البلاد وفتح أبواب الحوار كطريق وحيد لتفكيك الأزمات". ورجح "قرب فتح باب الحوار وتفكيك الأزمة". وأعرب عن أمله بأنّ "تتجاوز الأطراف العراقية التعنت بالمواقف، والتوجه نحو لغة الحوار، لأنّنا بالتالي كلنا عراقيون، وعلينا أن نعمل وفقاً لما تقتضيه مصلحة البلاد"، بحسب تأكيده.

ويؤكد مراقبون أنّ التدخل الأميركي هو بمثابة "قشة النجاة لرئيس الإقليم مسعود البارزاني، الذي خسر الكثير بسبب هذه الأزمة، ويحاول التقليل من هذه الخسارة". وقال المحلل عدنان العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "وضع البارزاني أصبح حرجاً جداً، إذ إنّ خطوته بإجراء الاستفتاء قوضت كل طموحات الأكراد ومشاريعهم، وفككت النسيج الكردي، الأمر الذي دفعه للاستنجاد بالجانب الأميركي لتدارك الموقف". وبيّن أنّ "واشنطن لم تتدخل في البداية وأرادت أن تحرج البارزاني أكثر، لكن تدخلها اليوم، هو فرض واقع هي مؤمنة به، خصوصاً مع خوفها من تجاوز حكومة بغداد الدستور والتمسك بالمناطق المتنازع عليها من موقع القوة". وأكد أنّ "التدخل الأميركي سيدفع باتجاه الحوار، وسيرسم حدود كل من حكومتي بغداد وأربيل، وفقاً لما تراه الإدارة الأميركية مناسباً"، مشيراً إلى أنّ "الطرفين سيقبلان بهذا الحوار لأنّ الأزمات الكبيرة بينهما لا يمكن حلها من دون حوار"، بحسب تعبيره.