ويرجح الساعدي، خلال مرابطته على رأس قوة عسكرية كبيرة تتبع الفرقة 15 بالجيش العراقي في مخمور، جنوب الموصل، أن "يكون العام الحالي بداية نهاية التنظيم في العراق، وتحوّله إلى عصابات وجيوب غير قادرة على التماسك في أي منطقة". إلا أن زملاء آخرين للعقيد لا يشاركونه التفاؤل ذاته، مؤكدين أنّ "ذلك يعتمد على استمرار الدعم الأميركي العسكري الذي بات، أخيراً، مرتبطاً بالملف السياسي في البلاد"، وفقاً لهؤلاء العسكريين.
ويرى المقدم حسين العتبي، من اللواء المدرع الثاني، شمال محافظة صلاح الدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "التقدم لصالحنا حالياً، والتنظيم بات في وضع دفاعي، لكن هذا يعتمد على الولايات المتحدة بالدرجة الأولى". ويوضح أن "الغطاء الجوي يمثّل أكثر من 60 في المائة من عوامل الحسم في كل المعارك التي نخوضها. وبدأنا نلمس أنّ هذا الدعم يعتمد على الملف السياسي في بغداد، ومدى قدرة رئيس الوزراء حيدر العبادي على تلبية رغبات واشنطن السياسية في ملفات عدة مع السنّة، والأكراد، والأقليات فضلاً عن الجيران العرب"، على حدّ تعبيره.
وشهدت المعارك خلال الأسبوعين الماضيين تفوّقاً ملحوظاً للقوات العراقية والعشائر، تمكّنت خلالها، وبدعم جوي أميركي رافقه دعم لوجستي على الأرض، من تحقيق انتصارات مهمة كبّدت التنظيم خسائر كبيرة، خصوصاً في الأنبار، غرب العراق. في المقابل، أخفقت مليشيات "الحشد الشعبي" في تحقيق أي تقدم في محور البشير، جنوب غرب كركوك، ومحور بيجي ـ الفتحة ومحور حوران ـ الحويجة، واضطرت للانسحاب بعد خسائر بلغت أكثر من 200 قتيل وجريح في أسبوع واحد، وفقاً لمراقبين. ويعزو المراقبون أنفسهم خسائر "الحشد" إلى انعدام الغطاء الجوي الأميركي والبريطاني، وعدم قدرة الطائرات العراقية على توفير الدعم للمليشيات، على مدار الساعة، طيلة فترة المعركة.
وتمكنت القوات العراقية مصحوبة بالآلاف من مقاتلي العشائر من تحرير بلدات عدة في الأنبار، أبرزها: كبيسة، ومدينة هيت، فضلاً عن قرى ومساحات زراعية واسعة كانت تعتبر معاقل ثانوية للتنظيم. ويأتي ذلك، في الوقت الذي تجري فيه استعدادات عسكرية للهجوم على الفلوجة التي تعاني حصاراً خانقاً تسبّب بوفاة عدد من سكانها، نتيجة الجوع ونقص الدواء. في غضون ذلك، تُسمع طبول الحرب على أطراف مدينة الرطبة الحدودية مع الأردن من على بعد أميال عدة، بعد وصول قوات الجيش ومقاتلي العشائر إلى قاعدة الصواريخ السابقة التابعة للجيش العراقي السابق، القريبة من الرطبة، والتي استخدمها في حرب الخليج الأولى بقصف تل أبيب.
وفيما تبدو المدن الشمالية من العراق أكثر صعوبة بسبب طبيعة التضاريس والجبال والمناخ بالنسبة لقوات الجيش، والشرطة، وعشائر الموصل، تحوّلت مناطق عدة من صلاح الدين وكركوك إلى مصائد لاستنزاف المليشيات التي باتت تشيّع، بشكل يومي، العشرات من قتلاها في المعارك. وتشير تقارير قوات الجيش العراقي إلى خسارة تنظيم "داعش" أكثر من 200 مقاتل، بينهم قياديون، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، مقابل عدد مماثل من المدنيين الذين يذهبون ضحية الغارات الجوية والقصف الصاروخي.
على صعيد متصل، يقول مسؤول عسكري رفيع المستوى في وزارة الدفاع العراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "القناعة الحالية لدى التحالف الوطني ورئيس الحكومة أنّ التعويل على إيران في حلّ عسكري سريع غير واقعي، خصوصاً وهم يرون تدخل القوات الإيرانية في سورية وعجز طهران عن مساعدة الرئيس السوري بشار الأسد في حل عسكري"، على حد قوله. ويضيف أنّه "منذ خمس سنوات والإيرانيون يرمون ثقلهم في سورية ويدعمون المليشيات بكل قوة ولم يحققوا سوى قوة دفع أو صدّ والحفاظ على دمشق ومدن الساحل من السقوط بيد المعارضة، وهذا سيناريو غير مقبول للقادة العراقيين، حتى الموالين لإيران"، على حد تعبيره.
ويؤكد أنّ "التوجه الحالي في بغداد هو الاعتماد على واشنطن، كلياً، لأنها أثبتت أنها قادرة على سحق التنظيم متى ما رغبت، ولدينا أمثلة الرمادي، وكبيسة، وهيت، وقبلها بيجي وتكريت بعد عجز القوات العراقية والمليشيات والحرس الثوري الإيراني عن تحقيق شيء"، مضيفاً أن "الوجود الإيراني بات ثانوياً أمام نظيره الأميركي".
ويلفت المسؤول ذاته إلى أن "واشنطن يبدو أنّها تربط بين ملف الإصلاحات السياسية الداخلية والخارجية للعراق وبين حرب داعش، لذلك يمكن القول إن الحرب ستنتهي ويتم القضاء على داعش متى ما أنهت واشنطن إصلاح ما يجب فعله في العراق، وأهمها القضاء على الهيمنة الإيرانية في مفاصل الدولة العراقية، وإنهاء سياسة التهميش والإقصاء الطائفي الذي انتهجته الحكومات بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003"، على حد قوله.
من جهته، لم يستغرب العميد الركن عضو جمعية المحاربين القدامى في العراق، خالد الدليمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، "ربط الولايات المتحدة مساعداتها ودعمها العسكري مع الإصلاحات السياسية". ويضيف أنّ "واشنطن تحاول أن تخرج من معركتها مع داعش في العراق بنفوذ أعلى على حساب التقليل من نفوذ إيران، فضلاً عن ضمان إصلاح سياسي في الحكم والعملية السياسية، يضمن عدم تكرار السياسة الطائفية التي عصفت بالبلاد". ويبيّن أنّ الزيارات المتكررة للقادة الأميركيين إلى العراق تؤكد أن المرحلة المقبلة ستكون استثمارية، أي أنّ كل مدينة يستردها العراق من سيطرة داعش بمساعدة الأميركيين سيكون مقابلها ثمن سياسي ضمن أجندة تراها واشنطن تصب بصالح مشروع هدوء العراق واستقراره"، وفقاً له.