هُم الثورة..

30 أكتوبر 2014
التعليم والآداب والممارسة السياسية متواشجة ومتكئة على بعضها(العربي الجديد)
+ الخط -

تكاد تكون الدارسات والمحاضرات والمداخلات التي تتناول واقع التعليم عربياً، بحجم كراسات الطلبة العرب مجتمعة، أو أكثر، بشكل خاص في شكله الجامعي، أو ما يُعرف بالتعليم العالي. لكن يبقى الأهم من تقديم التوصيفات وطرح الرؤى، هو البحث عن خيط مشترك تتوفر فيه شروط إقامة علاقة صحية مع واقع التعليم، فلا النقد للواقع الأكاديمي والحثّ على تطويره وحده كافٍ، ولا حصر الجهد في واقع الممارسة السياسية للطلبة في جامعاتهم وخارجها يغني عن ما يمكن توفره للمجتمع والفرد، للطالب ومستقبله، للدارس ومعمله، عند الإلمام بتصور متكامل لصحية الحياة الجامعية، بمختلف زواياها، الأكاديمي منها والسياسي والاجتماعي والنفسي، والوقوف على إشكالات هذه القطاعات وتعقيداتها، والتصدي لعتم كل دهليز منها وتفاعله مع غيره من المعطيات ضمن الصورة الأوسع.

منذ مرحلة تفكيك الاستعمار بشكله المباشر في عالمنا العربي الواسع، واستقلال جل أقطاره، وتأسيس دوله القُطرية بالشكل القائم اليوم، شهد عدد الجامعات وحقل التعليم العالي توسعاً كميّاً في مختلف الأقطار العربية، وهذا ترافق أيضاً مع توسيع التعليم الابتدائي والثانوي، ودخول المدارس إلى الأرياف وتمددها في المدن، ما أضاف لما كان قائماً في حقبة الاستعمار نسخاً أخرى من مؤسسات تعيد إنتاج بعضها بعضاً، سواء في آلياتها التدريسية، أو في شكل علاقتها بطلابها، أو من ناحية ظرفيتهم السياسية، لاستحالة القطع بينها وبين واقع النظام السياسي، باستثناء بعض جزر نجاة هنا وهناك، نجت بفعل وفضل أصحاب جهود تنويرية وحسابات "شبابية" قدموا ما ارتأوه وارتضوه لذواتهم في صدد تعميم التعليم وتوسيع رقعته، ونقله من الحيّز النخبوي، إلى المدى الوطني، وهذا ما لا يعد من المنجزات الهيّنة، سواء لأهمية خطوة من هذا النوع أو لطبيعة الظروف التي جاءت ضمنها.

ففي أقطار عربية كان عدد مَن هم ليسوا بالأميين يعد بالعشرات في النصف الأول من القرن العشرين، بينما هي اليوم حواضن خصبة لإنتاج العقول. لكن اتساع رقعة التعليم عربياً أعاد نبش جروح عدة، فباتساعها تعرّفنا على "هجرة العقول" ونزف الكفاءات، بدافع ما هو حاصل في عالمنا العربي من عوامل طرد وشح في كفاية الفرص، ليس بمعزل عن واقع التحولات السياسية والاقتصادية، وما تفرضه على خريطة الفرص المتاحة. إذ في بعض أقطارنا العربية لا تكاد تهدأ الحروب والركون إلى العصبيات وسلاح الطائفية والجماعة العضوية الملتحفة بتيار إقليمي على حساب انكشاف الوطن، في فرض أمر واقع على مجتمع طالما اجتهد شبابه في الخروج لما هو أرحب معرفياً وسياسياً، وفي أقطار أخرى خصخص القمع ووضعت الجامعات على خرائط العسكر في مصاف معسكرات معادية، بينما في غيرها لم تبقِ البراميل المتفجرة فسحة لمَن ينشدون بناء وطن ديمقراطي كريم، هذا غير مَن أرهقهم تكرار الاحتلال، وآخرين طال عليهم امتداد الاستعمار.

ولا تتحمل البنى التعليمية المسؤولية كاملة في خبوّ بعض تجاربها أو نجاح بعض آخر منها، وهذا لأن لا متّسع للفصل بين واقع التعليم ومجمل ما يعم الأوطان من حقائق سياسية اقتصادية، إذ من العبث التفكير بتعليم حر وعادل، وسط بيئة مفقرة مهمّشة مُتسلَّطٍ عليها ومقموعة. فالتعليم والآداب والمعرفة والممارسة السياسية متواشجة ومتكئة على بعضها، بحيث يجعل اضطرادها أمراً مسلّماً.

لذلك اعتدنا توافر مقولات عدة من نوع: وقود الثورة، عماد الحراك، مؤسسو التغيير، شرارة الانتفاضة.. إلخ. وكلها توصّف الطلبة، الجامعيون خاصة، ومحوريتهم في حال الشارع سياسياً وثقافياً. وفي مقولة كهذه إنصاف معقول لما يضطلع به الشباب الجامعي من دور وتفاعل مع قضاياه الجامعية، ومع ما هو خارج أسوار الحرم الجامعي من معطيات وطنية. وبقدوم ربيع العرب، لم يتوانَ الطلبة عن نشيد "الشعب يريد إسقاط النظام" متجاوزين الأيديولوجيات والحزبيات، ومنحازين للحرية.


راسلونا على بريد الملحق: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون