في 6 آغسطس/ آب من عام 1945، كانت السماء صافية فوق مدينة هيروشيما. اليوم كان عاديًا لأكثر من 300 ألف ياباني يعيشون في هذه المدينة الساحلية. في الساعة الثامنة صباحًا، حلّقت فوق المدينة طائرتان أميركيتان. إحداهما تحمل القنبلة النووية، والأخرى طاقم تصوير ومراقبين. لم يرعب صوت الطائرات السكان الذين كانوا معتادين على وجود الأميركان في الجوّ. الآن، كل شيء يعتمد على مكانهم. حياتهم في الثواني المقبلة، تعتمد بشكل كبير على ما يفعلونه وما لا يفعلونه، أين هم بالضبط، إلى أين هم ذاهبون، أين يقيمون، وفي أي غرفة من المنزل.
كان الطفل هيروكو كاوجوتشي، يبلغُ من العمر آنذاك فقط ثماني سنوات، كتب في شهادته: "لم يكن لدي مدرسة، لما رأينا الطائرة تطير، أغلقنا العيون والآذان على الفور، لم أر البرق لأني كنت أغطي عيني". كلّ ناجٍ لم ير البرق. مفتاح النجاة أصلاً كان عدم رؤية البرق، من رأى البرق غلى جلده، واشتعلت ملابسه. أمّا من وقف تحت الانفجار، فاختفى ببساطة. حتّى الآن هو أمر يخضعُ لنقاش كبير، إذا ما كان البشر تحت الانفجار قد تبخّروا حرفيًا أم احترقوا حتّى صاروا رمادًا. بعضهم بقيت ظلالهم تحترق فوق الإسفلت في درجة حرارة فوق الـ 6000 درجة مئوية. يظهر مشهد الظلّ وكأن الموت على الإسفلت يلتقطُ صورة لنفسه. ويقول الكاتب الألماني فرانك باتالوج في مقالته المنشورة في "دير شبيغل" بأنّ هنالك أجسادًا لن يكشف رفاتها بعد هكذا نوع من الانفجارات، وذلك في إشارة ملغومة إلى تفجير بيروت، ومقارنة مختفي هذا التفجير، مع المختفين حتّى الآن من قنبلة هيروشيما. ماكي فوجي (22 عامًا) كانت تلعب مع ابنتيها الصغيرتين في الطابق العلوي. في الساعة 8:16 صباحًا، دخلت كرة نارية المنزل، وحولته إلى سائل. فقدت ماكي طفلة بشكل مباشرة، وماتت الأخرى بعد سبع سنواتٍ من تأثير الإشعاع.
حتّى الآن، لا تحديد دقيقا لعدد ضحايا هيروشيما. عدد الأشخاص الذين فقدوا حياتهم لحظة الانفجار، وبعد أيام قليلة منه، هو بشكل مؤكّد 80 ألف شخص. أما عدد ضحايا التأثير البعيد، فلا أحد يستطيع أن يقدّر. أي نوع من السرطانات سببته هذه القنبلة؟ هل موت المسنة من هيروشيما بالسرطان يعتبر بسبب الإشعاع أم عاملاً طبيعيًا؟ النزاع حول الأرقام طبعًا هو شيء غير منطقي في ظلّ الخسائر البشرية الهائلة لحظة الانفجار. لكن، من جهة أخرى، كانت الولايات المتحدة الأميركية تهتم بالأرقام كثيرًا، إذْ أكد الجيش الأميركي بأنّ قوة القنبلة تعادل قوّة ألفي طائرة من طراز B29، أو تتضمن قوّة 13 ألف كيلوغرام من مادة الـ TNT.
بعد الحرب العالمية الثانية، صارت هيروشيما معيارًا لقياس الجنون التدميري. في لبنان، يقال إنّ انفجار نترات الأمونيوم أقوى بكذا مرّة من قنبلة هيروشيما. تستخدم قنبلة هيروشيما دومًا كأداة من أجل تخيّل التدمير واقعيًا، بعد هيروشيما، صار الخيال تقريبًا واقعاً. وما يعطي هيروشيما هذا البعد هو غرابة السلاح والغموض حول فكرة الطاقة النووية. رغم أنّ الاتحاد السوفييتي، كان قد جرب قنبلة القيصر AN602 في عام 1961، والتي تمتلك قوة تفجيرية أقوى بـ 4000 مرّة من قوة قنبلة هيروشيما، ولكنها كانت مجرّد قنبلة عادية. هيروشيما أوّل استخدام لأغراب طاقة اكتشفها الإنسان حتّى الآن، ضد الإنسان نفسه.
بعد ثلاثة أسابيع من سقوط قنبلة ناكازاكي في 9 آغسطس/ آب، استسلمت اليابان رسميًا، وأعلنت خسارتها في الحرب العالمية الثانية. وحتّى الآن، يشكل استخدام هذه القنبلة النووية حديثًا وموضوعًا للنقاش في الأكاديميا الغربيّة وخصوصًا في أقسام العلوم السياسية والفلسفة الأخلاقية. إذ ثمّة تيّار يرفضها بالمطلق لأسباب إنسانية، في المقابل، يوجد تيار براغماتي، يشدد بأنّ دوافعه إنسانية أيضًا، ويرى بأنّ إلقاء هذه القنبلة كان ضرورة لإيقاف حرب قتلت حوالي 15 بالمئة من سكان كوكب الأرض.