هولندا..المنتخب الذي ينتصر فقط في الكتب والروايات!

30 مارس 2015
+ الخط -

لماذا لم يفز المنتخب الهولندي ببطولات عديدة، رغم الوفرة غير العادية في مختلف أجياله الكروية؟ يعترف دينيس بيركامب أن هذا السؤال هو الأكثر وصولا إلى أذنيه في كل مكان يذهب له، ويبتعد الأستاذ عن فكرة الجنرال حظ ويوضح الأسباب من منظور فني بحت.

يؤكد بيركامب أن السبب الأول والأخير يدور حول التخصص الشديد، والمثالية الزائدة للمواهب الهولندية، لأن الكل بلا استثناء من نوعية واحدة، حيث المهارة والجودة التقنية في قالب واحد. اللاعب الهولندي موهوب بطبعه، وصاحب لمسة فنية رفيعة المقام، لكن لا يوجد تنوع كاف في المنظومة التكتيكية بشكل عام.

ودلل على ذلك بمثال حي، فالعرقلة باتت مهمة وضرورية في كرة القدم، والطواحين لا يفعلون ذلك بشكل مستمر، ويصرون على التعامل مع المعطيات والقواعد الجديدة بنفس الأدوات القديمة التي تعود إلى عصر كرويف ورفاقه.

صاحب الأربع عيون
فان هانجيم، إنه واحد من أعظم اللاعبين في تاريخ هولندا، ونجم لا يقل موهبة وحضورا عن الأسطورة يوهان كرويف والدينامو نيسكينز، في حقبة السبعينيات التاريخية، التي وضعت الدولة الهولندية على الخريطة الأوروبية والعالمية.

في زمن قديم، كان هناك أياكس في آمستردام، وفينورد في روتردام، الثنائي رينوس ميتشيلز وإرنست هابل، مع أيقونة الحقبة يوهان كرويف داخل الملعب من جهة، و"دي كروم" فان هانجيم في الفريق المنافس، حينما أصبحت كرة القدم وسيلة، لتحول الدولة الصغيرة إلى أحد أقطاب القارة العجوز.

عرف عن هذا النجم العتيق قدرة غير عادية على ضبط الفراغات، والتحكم في المساحات داخل الملعب، لذلك كانت تمريراته قاتلة إلى حد كبير، مع أسلوب السهل الممتنع الذي جعله يضبط نسق المباريات، ويجعل المواجهات غير معقدة أمام زملائه، فيما عرف فنياً خلال السنوات التالية بلاعب الوسط قائد الأوركسترا، لذلك وجوده بمثابة العامل الحاسم في نجاح طريقة لعب 4-3-3 مع فينورد والمنتخب الهولندي.

قل ما شئت عن النجوم الكبار في الخط الخلفي، والهدافين العظام في الثلث الهجومي الأخير، لكن كرة القدم تخص لاعبي الوسط في المقام الأول، وبالتالي كان لزاماً ارتباط الأجيال الكروية الناجحة في هولندا بلاعبي المنتصف، ولنا عبرة بنيسكينز، موهرين، هانجيم، رونالد دي بوير، سيدورف، شنايدر، والبقية.

الواقعية السحرية
تعبير "فان جالستين" معروف بشدة داخل الأوساط الكروية الهولندية حيث إن هذه الكلمة تشير إلى جنون فان جال، وتعصبه الشديد لرأيه ولأفكاره مع معاملته الجافة لمن يختلف معه. لكن هذا الأمر تم التخلي عنه في المونديال العالمي الأخير، بعد ترك خطة 4-3-3 والتحول سريعاً إلى 3-5-2، حيث الإغلاق الدفاعي الكامل والرهان على المرتدات القاتلة، بعد تفشي فيروس الإصابات داخل صفوف الفريق قبل بداية البطولة العالمية بأيام قليلة.

أراد فان ميرفيك البطولة في 2010 لكنه قدم أداء هزيلا على الصعيد الفني، لدرجة أن يوهان كرويف هاجمه مراراً وتكراراً رغم وصوله إلى النهائي في جنوب أفريقيا. وفي البرازيل، لعب فان جال بأسلوب متوازن. وحصل الفريق على المركز الثالث في أعظم عروض الخال التكتيكية منذ سنوات.

لذلك كان من الظلم أن نقول إن هولندا قدمت كرة سيئة، بالعكس امتاز الفريق بتوازن كبير وبأسلوب تكتيكي محكم، لا يوجد أداء هجومي كبير ولا استحواذ مضاعف ولا تمريرات بالجملة، لكن في النهاية، حافظت الطاحونة على الشعرة الفاصلة بين الكرة ومن يعاديها.

الصفر
بعد قدوم جوس هيدنيك بديلاً لفان جال، توقع الجميع أن يبدأ المدرب الجديد من النقطة التي وقف عندها خلفه، لكن صانع أمجاد أيندهوفن وكوريا الجنوبية قرر البدء من الصفر، ناسفاً كل ما قدمه المدير الفني الحالي لليونايتد، ورمى خطة 3-5-2 خلفه، وعاد سريعاً إلى التكتيك المحبب لمعظم الجماهير الهولندية، 4-3-3، منه وإليه نعود!

لعبت هولندا خمس مباريات في التصفيات المؤهلة ليورو 2016، فازت فقط في مواجهتين، وخسرت مثلهما، مع تعادل أخير مخيب للآمال أمام تركيا بهدف لكل جانب، ليضع الفريق علامة استفهام كبيرة حول أدائه ومدى تطوره تحت قيادة المدرب الجديد. ورصد موقع إحصائي هولندي مسيرة البرتقالة في المعتركات الأخيرة، مؤكداً أن الحيازة وحدها لا تكفي للانتصار، حتى إذا وصلت نسبتها إلى 70 % كما حدث أمام الأتراك.

الفوز بالاستحواذ يتم فقط إذا حصلت على الكرة في الأماكن الخطيرة، لكن طريقة لعب الهولنديين تعني مزيداً من التمريرات في مناطق بعيدة عن المرمى، مع عرضيات مستهلكة إلى منطقة الجزاء، لذلك يجب مزجها بتحولات سريعة واختراق فعال تجاه المرمى، وهذا لا يتم أبدا مع وجود هذه النوعية من اللاعبين في خط الوسط.

المعادلة ناقصة
بدأ هيدنيك آخر مباراة رسمية بالثلاثي دي يونج، ويجنالدوم، وشنايدر في خط الوسط، رفقة هونتلار، ديباي، وأفيلاي في الهجوم. ومع سوء المستوى والتأخر في النتيجة، أجرى بعض التعديلات بنزول مهاجم إضافي وجناح آخر، لتصبح الطريقة أقرب إلى 4-2-4 لكن مع نتائج سلبية في النهاية، لأن خط الوسط غير منتج، غير مبتكر، وبكل تأكيد بعيد عن عنصر المفاجأة.

حصلت هولندا على استحواذ 70 % لكن مع ارتكاب 25 مخالفة خلال التسعين دقيقة، وهذا يعني نتيجة واحدة فقط، أن المجموعة الحالية غير قادرة أبدا على المبادرة ووضع السؤال الفني، فدي يونج لاعب ارتكاز قوي في القطع لكنه لا يمرر بشكل مميز، وويجنالدوم مجرد مساند في الغالب، مع انخفاض مستوى شنايدر لعامل السن، وغياب ستروتمان المستمر، لتكون المحصلة سلبية على الورق وداخل الملعب.

الفرق العظيمة ليس فقط من تهاجم بل من تدافع أيضاً، لكن الصعوبة والتحدي الأكبر يكون للفرق الهجومية لأنها من تضع السؤال ومنافسوها من يجاوبون عليه، وعلى هيدنيك إذا أراد العودة للمسار الصحيح، أن يتخلى عن قدر من الكبرياء الهولندي، وأن يستعين بالتجربة "الفانجالية" المونديالية.

المساهمون