بخلاف وزيرة العدل السابقة، كريستيان توبيرا، التي استقالت من الحكومة بسبب معارضتها مشروع التعديل الدستوري، غادر وزير الخارجية، لوران فابيوس، الحكومة باتفاق تامّ مع الرئيس فرانسوا هولاند، وبناء على تفاهم مخطط له سلفاً منذ أشهر، تمّ بموجبه تعيين فابيوس رئيساً للمجلس الدستوري، وفقاً لرغبته الشخصية في تقلّد هذا المنصب.
الواقع أن هولاند يحرص على مراضاة فابيوس واستمالته إلى جانبه، منذ أن ترشح للانتخابات الرئاسية عام 2012، وعيّنه مسؤولاً عن الشؤون الخارجية. بالتالي وضع حدّاً لعداوة كبيرة بينه وبين منافسه القديم داخل الحزب الاشتراكي، دامت سنوات طويلة منذ مؤتمر رين عام 1990، الذي شهد معركة عنيفة بين تيار الرئيس السابق، ليونيل جوسبان، الذي كان هولاند وقتها من أبرز وجوهه وتيار فابيوس. فور نجاحه في الانتخابات الرئاسية، عيّن هولاند فابيوس وزيراً للخارجية، وحرص على تقليده المرتبة البروتوكولية الثانية في حكومة رئيس الوزراء السابق جان مارك ايرولت.
رغم تقديم ايرولت استقالة حكومته في أول تعديل حكومي في ولاية هولاند، نهاية مارس/آذار 2014، كان فابيوس واحداً من الوزراء القلائل الذين احتفظوا بمنصبهم في حكومة رئيس الوزراء الجديد، مانويل فالس. ومع قيام فالس بتعديل حكومي في أغسطس/آب من نفس العام، استبعد عدداً من الوزراء المنتمين للتيار اليساري في الحزب الاشتراكي، غير أنه تمّ الاحتفاظ بفابيوس على رأس الخارجية.
بتعيينه فابيوس على رأس المجلس الدستوري، يواصل هولاند سياسة المراضاة تجاه غريمه السابق في الحزب الاشتراكي، فهو يحرص دوماً على بقائه في السلطة، مستبعداً بذلك أي احتمال لعودة العداوة بينهما، ولضمان ولائه، وأيضاً، وهذا هو الأساس في حسابات هولاند، تعبيد الطريق أمامه للترشح لولاية ثانية العام المقبل من دون منافسة "فابيوسية".
اقرأ أيضاً فابيوس يغادر حكومة هولاند: مسار دبلوماسي بين النجاح والتذبذب
كما أن فابيوس له حساباته الشخصية أيضاً، فبعد تقلّده منصب رئيس المجلس الدستوري، سيضمن لنفسه موقعاً قوياً وآمناً في الهرم السياسي لمدة تسع سنوات كاملة، تقوده إلى تقاعد مريح في نهايتها. وسينأى بنفسه عن حسابات الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي لن يتأثر بها وضعه في رئاسة المجلس كيفما كانت نتائجها.
إلى ذلك، لا يزال فابيوس مسكوناً بغصّة في الحلق، سببها فشله في تقلّد منصب رئاسة الجمهورية. من اللافت أن أحد أهم الكتب التي تناولت مسيرته السياسية، صدر عام 2006 عن دار "روبير لافان" بقلم الكاتب والإعلامي جان ميشال هيلفيغ، كان عنوانه "فابيوس، الرجل الذي كان يحلم بأن يصير رئيساً".
ذلك الحلم كان المحرّك الأساسي في مسيرة فابيوس السياسية الطويلة، منذ أن برز كواحد من أبرز القيادات الاشتراكية الشابة في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، ولمع نجمه في عهد الرئيس الاشتراكي الراحل، فرانسوا ميتران، الذي عيّنه وزيراً للاقتصاد في أول حكومة اشتراكية عام 1981.
منذ ذلك الحين، تدرّج فابيوس في عدة مناصب وزارية، إلى أن عيّنه ميتران رئيساً للوزراء عام 1984، ليكون بذلك أصغر رئيس حكومة في تاريخ الجمهورية الفرنسية، وبقي في هذا المنصب إلى عام 1986، تاريخ هزيمة اليسار في الانتخابات التشريعية.
بعد نجاح ميتران في ولاية رئاسية ثانية عام 1988، تقلّد فابيوس منصب رئيس البرلمان، وواصل مسيرته السياسية في الحزب الاشتراكي بحنكة، أقرّ بها أصدقاؤه وخصومه، إلى أن صار الأمين العام للحزب عام 1992.
في عام 2006 خاض فابيوس غمار الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الاشتراكي، للترشح للانتخابات الرئاسية عام 2007، لكنه مُني بهزيمة مذّلة في مواجهة سيغولين رويال، التي كانت آنذاك رفيقة هولاند وأم أبنائه، التي نجحت في انتزاع ورقة الترشح، قبل أن تنهزم بدورها أمام المرشح اليميني نيكولا ساركوزي في الرئاسيات.
حين عاد فابيوس إلى الأضواء كوزير خارجية بفضل هولاند، بدا واضحاً أن ثمة تفاهما بين الرجلين على طي صفحة الماضي. ومنذ عام 2012 لم يظهر أي خلاف بينهما إلى العلن، رغم أن العديد من مبادرات فابيوس في الخارجية لم تكن تروق لدائرة المقربين الضيقة لهولاند في قصر الإليزيه.
لكن الرئيس كان يضع فابيوس فوق كل اعتبار، ولا يرغب في استثارة ردود فعل سلبية من طرفه. كما أن هولاند كان يحرص دوماً على التقريب بين فابيوس ووزير الدفاع جان ايف لودريان، الذي يحظى بثقة الرئيس الكاملة والذي كانت له خلافات كبيرة مع فابيوس، تحديداً فيما يتعلق بالقارة الأفريقية.
اقرأ أيضاً: استعدادات التدخل بليبيا قبل الربيع... وفابيوس ينفي مشاركة فرنسا