هولاند وحيداً وسط العاصفة: تصعيد نقابي وتصدع الائتلاف الحاكم

31 مايو 2016
النقابات تصر على إحداث شلل اقتصادي في فرنسا(نومان قدوريت/الأناضول)
+ الخط -
قبل عام من الانتخابات الرئاسية المقبلة، يبدو الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في وضع في غاية الهشاشة، بسبب التصعيد النقابي والشعبي ضد قانون العمل والإضرابات المتتالية التي تشهدها فرنسا، منذ شهور عدة، فضلاً عن التصدع داخل الغالبية الاشتراكية الحاكمة. 
وعلى الرغم من أن المعترضين على قانون العمل، من مختلف الأطياف السياسية، يسعون لإجبار حكومة رئيس الوزراء، مانويل فالس، على إسقاط القانون، فإن المستهدَف الحقيقي من هذه الحركة الاحتجاجية هو الرئيس هولاند نفسه. فهو الذي أعطى الأوامر للحكومة بالتمسك بقانون العمل وتمريره بالقوة، على الرغم من أنف نواب البرلمان، من خلال اللجوء الاستثنائي إلى البند 49.3 من الدستور الفرنسي، الذي يمنح الحكومة حق تبنّي القوانين دون اللجوء إلى التصويت. وأصرّ هولاند في تصريحه من اليابان، يوم الجمعة الماضي، على هامش مشاركته في قمة الدول الصناعية الكبرى، على التمسك بقانون العمل قائلاً "نحن نتشبث بهذا القانون لأنه يهدف إلى إصلاح مجال الشغل وهو إصلاح ضروري".

والواقع أن فكرة إصلاح قانون العمل، التي تبلورت، نهاية العام الماضي، بطلب من هولاند، لم تكن أبداً مدرجة في برنامجه الانتخابي العام 2012. وهذا ما يفسر سخط شريحة كبيرة من النقابيين والاشتراكيين والمواطنين الفرنسيين، الذين تحمسوا للتصويت لهولاند. ويعتبر هؤلاء أن رئيس الجمهورية، بعد انتخابه، صار يطبق سياسة ليبرالية ومنحازة لأرباب العمل والشركات، وهي سياسة لم يصوتوا عليها في الأصل. بل إن جزءاً من قيادات اليسار الفرنسي، ومنهم قيادات اشتراكية وازنة، باتت تعتبر سياسة هولاند خيانةً للبرنامج الاشتراكي. وهذا ما عبر عنه بوضوح رئيس نقابة "الاتحاد العام للعمال" (سي جي تي)، فيليب مارتينيز، الذي صرّح مرات عدة في الآونة الأخيرة، أن "هولاند يطبق سياسة ليبرالية إصلاحية لا علاقة لها ببرنامجه الانتخابي ومناقضة تماماً للمبادئ الاشتراكية". مع العلم أنّ هذه النقابة كانت دعت علناً في انتخابات 2012 لعدم التصويت للرئيس اليميني المنتهية ولايته، نيكولا ساركوزي، مانحة الضوء الأخضر للمنتسبين إليها والمتعاطفين معها كي يصوتوا لمصلحة الاشتراكي هولاند. ومن هنا يمكن فهم درجة التصعيد في مواقف النقابة، التي تبدو وكأنها تخوض المعركة ضد هولاند وخياراته الاجتماعية بعد شعور عميق بالخذلان، مما جعلها تصرّ على إحداث شلل اقتصادي في البلاد، عبر الإضراب والاعتصام وإغلاق منافذ مصافي النفط ومستودعات الوقود في مواجهة مفتوحة بدون هوادة.

تجدر الإشارة إلى أن الكبوة الأولى في مسار هولاند الرئاسي تتمثل في تراجعه، في شهر مارس/آذار الماضي عن مشروع قانون "سحب الجنسية" عن الفرنسيين المتورطين في قضايا الإرهاب. وأتى تخليه عن هذا المشروع بعد أن تأكد من استحالة تصويت مجلس الشيوخ عليه. وكان مشروع القانون قد شغل الساحة السياسية الفرنسية شهوراً عدة وزرع الانقسام داخل الحزب الاشتراكي، بين المؤيدين والمعارضين. وبلغت الأزمة ذروتها باستقالة وزيرة العدل، كريستيان توبيرا، في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، والتي كانت تعتبر مشروع القانون، على غرار جزء كبير من القادة اليساريين، تراجعاً عن المبادئ الإنسانية والأخلاقية لليسار الفرنسي.

وبات واضحاً أن تخلي هولاند عن هذا القانون كان بمثابة "هزيمة شخصية ثقيلة" للرئيس. تلك الانتكاسة، بالإضافة إلى إصراره اليوم على تبني قانون العمل الجديد، هما عاملَان يساهمان في إضعاف هولاند كثيراً وتبديد الرأسمال الرمزي من التعاطف الشعبي الذي كسبه خلال إدارته أزمة اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني الدموية، وما تلاها من قرارات أمنية مطمئنة للرأي العام، في ظل الرعب الكبير التي خلفته آنذاك تلك الاعتداءات.

فضلاً عن ذلك، يجد هولاند نفسه حالياً، أسير سياساته المتذبذبة والتي تمثل آخرها بإعلانه، أمس الإثنين، عن التخلي عن قرار حكومي بتقليص الميزانية المخصصة للبحث العلمي وحرمانها من 134 مليون يورو، وذلك بعدما تعالت الأصوات المنتقدة لهذا القرار في أوساط العلماء والباحثين وفي مقدمتهم الحائز على جائزة نوبل للفيزياء، سيرج آروش. فهؤلاء حذروا الرئيس هولاند من أن تراجع البحث العلمي والتكنولوجي في فرنسا ستكون له عواقب كارثية.

وتبدو حظوظ هولاند في الترشح لولاية رئاسية ثانية ضئيلة جداً، بسبب الانقسام الكبير داخل الحزب الاشتراكي ومعارضة قسم واسع من الاشتراكيين فكرة ترشحه وإصرارهم على تنظيم انتخابات تمهيدية داخل الحزب لاختيار مرشح واحد للاستحقاق الرئاسي المقبل. وبات واضحاً أن هولاند يواجه معارضة شرسة في صفوف الحزب الاشتراكي، يقودها تحالف "الساخطون"، الذي يضم وزراء سابقين عدة، مثل أرنو مونتيبور، وبونوا هامون، وأوريلي فيلبيتي، بالإضافة إلى وزيرة العمل السابقة ورئيسة بلدية مدينة ليل، مارتين أوبري. ويعتبر هؤلاء أن هولاند أساء كثيراً لسمعة الحزب الاشتراكي ولخطه السياسي بتعيينه زعيم الجناح الليبرالي في الحزب، مانويل فالس، رئيساً للحكومة، وهو الأمر الذي أفضى إلى اعتماد سياسة حكومية يمينية، تلقى ترحاباً في الأوساط المحافظة ولدى أرباب العمل أكثر مما تلقاه في أوساط الطبقات الفقيرة والمتوسطة والمهاجرين، أي الفئات التي كانت، حتى وقت قريب، تشكل العصب الأساسي للناخبين الاشتراكيين.

ونتيجة لهذه الوضعية، تدنّت شعبية هولاند إلى مستويات قياسية، قلّما وصل إليها رئيس فرنسي قبله. وحسب استطلاع للرأي أنجزته مؤسسة "أودوكسا" لصالح مجلة "ليكسريس"، في 19 مايو/أيار الماضي، فإن 83 في المائة من الفرنسيين يعتبرون هولاند "رئيساً سيّئاً"، مقابل 14 في المائة فقط يرون العكس ويريدون ترشحه لولاية رئاسية إضافية.

المساهمون