منذ فترة وجيزة، عاد الحديث عن نية مالكي منزل الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد (1935-1967) هدم المبنى ليشيّدوا مكانه مبنى جديداً. صحيح أن المنزل لا يعود لفرخزاد ولا لأي فرد من عائلتها حالياً، لكن القرار وبمجرّد تداوله عبر وسائل الإعلام أثار حفيظة الراغبين في الحفاظ على التراث الثقافي الإيراني والإبقاء على المكان الذي أبصرت فيه الشاعرة النور.
في هذا السياق، نجحت "مؤسسة التراث الثقافي" من خلال تقديم أدلة ومستندات في إثبات أن هذا هو المكان ذاته الذي كانت تعيش فيه الشاعرة، وبأن المنزل الواقع في أميرية في المنطقة رقم 11 في العاصمة طهران كان يخص والدها قبل أن يبيعه لشخص يدعى نوروزي، لكن ذات الجهة ما زالت تحاول دون تحقيق نتائج ملموسة في إدراجه على قائمة التراث الوطني، في محاولة لاستصدار قرار منع هدمه من قبل بلدية طهران حتى لو كانت ملكية المبنى تعود إلى شخص آخر.
وكان مدير دائرة المباني التاريخية في بلدية طهران، علي محمد سعادتي، قد علّق على الأمر قائلاً: "إن تسجيل الممتلكات والعقارات في قائمة التراث الوطني ليس الطريق الوحيد للحفاظ عليها أو لمنع هدمها، فهناك طرق أخرى يمكن من خلالها إثبات أنه يجب عدم المساس بالمكان، وهو ما يجبر البلدية على سحب ترخيص تشييد مبنى جديد وهدم القديم".
مؤخراً، زار صحافيون المنزل الذي وُلدت فيه فرخزاد، والذي يقترب عمره من التسعة عقود، وظل لسنوات محطة يزورها محبّو الشعر الإيراني للتعرّف على ملامح المنطقة والمنزل الذي كانت تقطنه الشاعرة، وقد حاول هؤلاء برفقة مسؤولين من مجلس المدينة أن يقنعوا المالك الحالي وهو ابن الشخص الذي اشترى المنزل من والد فروغ أن يتراجع عن فكرته رغم أحقيته بفعل ذلك.
يريد الورثة الحاليون هدم المبنى لأنه أصبح قديماً للغاية وغير مناسب للسكن، إلى جانب أن نوروزي الابن أكد أن ملامح المنزل قد تغيّرت كثيراً، فلم يعد المكان على حاله بعد تكرار عمليات الترميم والتجديد، فقد أضيفت غرف كثيرة إليه وتغير شكله تماماً، دون أن يخفي وجود فائدة اقتصادية للعائلة التي تريد تشييد مبنى كامل بعدة شقق.
تحاول "مؤسسة الموروث الثقافي" من ناحيتها شراء المبنى، أو إقناع البلدية بمنح تعويض لأصحابه، وأعلنت هذه الأخيرة من جهتها أنها غير قادرة على شراء المنزل، مؤكدة أن سحب ترخيص البناء الجديد أو منع الهدم يتطلب أدلة ومستندات قانونية تثبت قيمته الثقافية التاريخية، أو تسجيله في لائحة التراث الوطني.
وقالت ديانا قوقاسيان، زوجة شقيق الشاعرة، مهرداد فرخزاد، والتي زارت المكان خلال ذات الجولة التفقدية التي شارك فيها صحافيون مؤخراً، إن صاحب العقار محق في كلامه، فقد طرأت تغييرات كثيرة على منزل فرخزاد ولم يعد على حاله، مؤكدة أن العائلة لا تدّعي أن الملكية لصالحها، ولكنها كإيرانية ترى أن من الضروري الحفاظ على كل مكان عاش فيه شخص من النخبة الفكرية والثقافية الإيرانية.
أشارت قوقاسيان أيضاً، بحسب تصريحات نقلتها "وكالة إيسنا"، إلى أنه لم يكن لدى العائلة القدرة على استعادة العقار لأسباب مالية، وبحال إدراجه في لائحة التراث الوطني فإن خطة وخريطة إعادة ترميمه وهندسته ليعود إلى ما كان عليه جاهزة، مطالبة بلدية طهران بالحفاظ على الشكل التقليدي وعدم السماح بتخريب ملامح المدينة القديمة، ومنزل فروغ الموجود في منطقة ذات نسيج قديم، وهي جزء من الذاكرة والتراث حسب تعبيرها.
خلال الجولة نفسها، طرح عضو مجلس مدينة طهران، حجت نظري، على مالكي العقار استبداله أو مقايضته بمكان ثان، مؤكداً أن الموافقة على تسجيله واستكمال الأوراق المطلوبة سيكون كفيلاً بتحويله لمتحف وبهذه الحالة سيعرض على المالكين خيارات مُرضية.
أما نوروزي الابن فذكر أنه مثل الآخرين، يريد الحفاظ على المكان وأن فروغ وعائلتها عزيزون عليه، لكنه قال "إذا ما سكنت فروغ هنا لثلاثة عشر عاماً، فأنا بقيت في هذا المكان لثلاث وخمسين سنة، ولا أريد أن يهدم وأود لو أحضر أحفادي إلى المكان وأن تتوارثه الأجيال القادمة من العائلة". وأضاف أن القرار يعود لعائلة كاملة ورثت العقار وبأنه لم يعد كما كان عليه أساساً، وأنه بات من الضروري استبداله بمبنى أفضل، حسب وصفه.
أبصرت فروغ فرخزاد النور في هذا المنزل الواقع جنوبي طهران عام 1935، ورحلت في عمر الثانية والثلاثين إثر حادث مرور. وقد تزوجت في السادسة عشرة من عمرها وعاشت مع زوجها في الأهواز، ورزقت بولدها الوحيد الذي صار مشهوراً في الحياة الأدبية بفضل قصائد كتبتها فرخزاد عنه. غير أن زواجها انتهى بالطلاق بعد أقل من عامين، فعادت إلى ذات المنزل دون ابنها الذي حصل الزوج على حق حضانته.
عُرفت فروغ بأفكارها الجدلية وشِعرها الذي تحدّث عن أفكار نسوية تحرّرية أثارت انتقاد المحافظين، ورغم أنها رحلت مبكراً إلا أنها تركت خلفها أعمالاً صنفت ضمن أبرز الأعمال الشعرية الإيرانية الحديثة، ولذلك يرغب محبوها بالحفاظ على ذكراها والتردد على منزلها، راغبين بالتعرف على البيئة التي عاشت فيها شاعرتهم.