تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته، ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر
■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟
- كلنا نعلم أن قراءة الشعر محدودة في جمهور ضيّق، إذا ما قورن بجمهور فنون أدبية أخرى، كالرواية على سبيل المثال؛ ولهذا لا أظن أن الشاعر الجاد ينتظر جمهوراً عريضاً يتابع قصائده ودواوينه؛ فهو لا يبحث في مسألة التلقي عن الكم، بل عن الكيف؛ وربما كان نزار قباني هو آخر شاعر جماهيري معاصر. قراء الشعر هم النخبة بين القراء؛ وأظن أن قارئي هو الباحث عن التجارب الشعرية والمختلفة عما هو سائد.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟
- ليس لي ناشر خاص؛ ولا أحب أن أرتبط بناشر معيّن يُصدر لي سائر أعمالي؛ فكل ديوان له ظروفه الخاصة؛ مثلاً ديوان "لا نيل إلا النيل" كان لا بد من نشره خارج دور النشر الحكومية؛ لأنه موجّه ضد الاستبداد الذي انتهجه نظام الحكم منذ الرئيس أنور السادات؛ وكذلك ديوان "عاش النشيد" الذي صدر عن رؤية شعرية معارضة لمحاولة "التوريث" في أواخر عصر حسني مبارك؛ لا تستطيع دور النشر الحكومية نشر أعمال معارضة إلى هذا الحد؛ فلجأت في نشرهما إلى دور النشر الخاصة. والجدير بالذكر هنا أن أكبر دار نشر حكومية عندنا؛ وهي "هيئة الكتاب" التابعة لوزارة الثقافة؛ غامرت ونشرت لي ديوان "آية جيم" عام 1992؛ فما كان إلا أن صودر الديوان على الفور؛ فالعنوان الفرعي كان: "أعوذ بالشعب من السلطان الغشيم.. باسم الجيم".
■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟
- المساحة المتاحة لنشر الشعر تضيق بصورة مطردة؛ حتى المجلة التي كانت مكرّسة لنشر النصوص الشعرية الجديدة ونقدها، مجلة "شعر"، تم إغلاقها للأسف. أما المجلات الأدبية الأخرى فلا يبدو أن الشعر من أولوياتها؛ والحق أن هناك تراجعاً ملحوظاً في دور المجلات الأدبية خلال العقدين الماضيين. أما الصفحات الأدبية في الجرائد فليست أفضل حالاً؛ لأنها محكومة بشبكة من العلاقات لا يجيد الشعراء الحقيقيون التعامل معها؛ وهكذا يتم الترويج للنصوص المتواضعة، بل والرديئة أحياناً؛ لاتقاء شرور أصحاب الصوت العالي من الأدعياء.
■هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟
- أنشر من حين إلى آخر بعض قصائدي على حسابي في فيسبوك؛ وعلى الرغم من أن صديقاتي وأصدقائي على هذا الموقع يقترب عددهم من خمسة آلاف؛ إلا أنني أعلم علم اليقين أن القصائد التي أنشرها لن يتابعها ويهتم بها سوى العشرات. المهم هو أن وسائل التواصل الاجتماعي هي في النهاية مجرّد وسائط محايدة؛ أي أنها ليست شراً في ذاتها؛ بل هي مفيدة فعلاً إذا ما أحسنّا توظيفها؛ فقد كان لها الفضل في معرفتي بعدد من المواهب الشعرية الجديدة، التي أتابعها الآن باهتمام.
■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟
- قارئ الشعر العربي اليوم هو ذلك الذي ساعدته الظروف على قراءة أعلام الشعراء من القدماء والمحدثين؛ فانجذب إلى إبداعهم ووجد فيه إشباعاً لحاجاته الجمالية؛ فهو يطمع في أن يجد لدى الأجيال الجديدة من الشعراء بعض ما وجده من قبل؛ وليس هناك دليل هادٍ يأخذ بيده ليميّز بين السمين والغث؛ بعد أن تخلى النقاد الكبار عن رسالتهم؛ سعياً خلف المناصب والجوائز.
■ هل توافق على أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟
- لا أوافق طبعاً؛ لأن هذا هو ما يروّجه النقاد الذين تعمّدوا إطلاق الأحكام الجزافية المغرضة؛ كما فعل جابر عصفور حين روج لمقولة "زمن الرواية" هرباً من مواجهة مسؤوليته الأدبية إزاء التجارب الشعرية الجديدة.
■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟
- ينفرد الشعر العربي بأنه يكاد يكون صاحب التاريخ الأقدم بين معظم اللغات الحية الكبرى؛ إنه تراث شعري متصل لا تمتلك نصفه الإنكليزية ولا الفرنسية ولا الألمانية أو الإسبانية والإيطالية. ولا شك في أن هذا التراث الشعري الممتد عبر الزمن يعد مصدر غنى على مستوى المعجم وعلى مستوى التنوّع الفني. أما نقاط الضعف؛ فتعود إلى نقد الشعر لا إلى الشعر نفسه؛ فنظراً للفقر الثقافي والنقدي؛ يلجأ النقاد الآن إلى استيراد مناهج النقد الغربية؛ منذ البنيوية وما بعدها؛ لتطبيقها بصورة آلية على الشعر العربي.
■ شاعر عربي تعتقد أن من المهم استعادته الآن؟
- هو بلا شكٍ أبو العلاء المعري، رهين المحبسين، ذلك الذي وقف في شعره عموماً وفي "اللزوميات" خصوصاً؛ ضد سائر صور القمع باسم الدين أو باسم السياسة؛ وانتصر لصوت العقل كما لم ينتصر له شاعر آخر، وهو يقول: "أيها الغِرُّ قد رُزقتَ بعقلٍ.. فاسألَنْهُ، فكلُّ عقلٍ نبيّ".
بطاقة
شاعر مصري من مواليد طهطا (محافظة سوهاج) سنة 1944. من مجموعاته الشعرية: "سيرة البنفسج" (1986)، و"آية جيم" (1992)، و"لا نيل إلا النيل" (1993)، و"حجر الفلاسفة" (2006)، و"إنجيل الثورة وقرآنها" (2011)، و"شموس القطب الآخر" (2016). كما صدرت أعماله الشعرية الكاملة في ثلاثة مجلدات سنة 2014، وله كتابات فكرية منها: "أصل الفلسفة" (2003)، و"مصادرة الفن باسم الدين والأخلاق والسياسة" (2013).