خلال الأعوام القليلة الفائتة، استطاعت منصّة "نيتفلكس" تطوير فكرة "المُشاهدة عبر إنترنت"، ذاهبة بها إلى آفاقٍ جديدة. لم تعد موقعًا يبثّ أعمال شركات سينمائية وتلفزيونية أخرى، إذْ تحوّلت إلى شركة إنتاج مستقلّة، تقدِّم محتواها الخاص. لكن، مع ازدهارها على صعيد المسلسلات، بفضل نجاح ساحق لمنتجاتها الأصلية كـHouse of Cards وStranger Things مثلاً، إلّا أن المنصّة لم تحقِّق النجاح نفسه بالنسبة إلى الأفلام التي أنتجتها وعرضتها على شاشتها.
صحيحٌ أن المنصّة أنتجت أفلامًا طموحة، كـ"حكايات مايروفيتز" للأميركي نواه بومباك و"أوكجا" للأميركي الكوري الجنوبي بونغ جون ـ وو (أحد أهم مخرجي آسيا في العقدين الأخيرين)، اللذين عُرضا للمرة الأولى دوليًا في المسابقة الرسمية للدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كانّ"؛ إلّا أن هذا "الإنتاج الطموح" يُعتَبر ضئيلاً للغاية قياسًا إلى حجم الإنتاج الذي يتجاوز 100 فيلم.
هذه الأزمة تفاقمت بشدّة عام 2018، إذْ أنتجت المنصّة نحو 40 فيلمًا جديدًا، موزّعة على أصناف سينمائية مختلفة، كالدراما والكوميديا والخيال العلمي والرعب والـ"أنيمايشن" الياباني. لكن المُنتَج كلّه لم يحقّق نجاحًا أو انتشارًا، مع سمعة نقدية سيئة جدًا للغالبية العظمى من تلك الأفلام. وباستثناء "إبادة" (Annihilation) لألكس غارلاند، كان واضحًا أن الاختيارات السينمائية لـ"نيتفلكس" لا تتحلّى بالذكاء والاهتمام نفسيهما اللذين يتمتّع بهما إنتاج المسلسلات، فهناك رهان دائم على تقديم أفلام بشكل معين، ضمن حسابات محدّدة: ميزانيات ضئيلة، وأفكار خيال علمي أو رعب أو "ما بعد نهاية العالم" تسمح بعدد محدود من الشخصيات أو الأماكن، ومحاولة ضمّ ممثّلين من جنسيات مختلفة في فيلم واحد لاستقطاب مشاهدين جدد من مختلف دول العالم للاشتراك في المنصّة، فالاشتراكات هي العائد المادي الأساسي لها.
لكن هذا الرهان خاسر دائمًا، إذْ قدّم عام 2018 أفلامًا كثيرة غير مُستساغة نقديًا وجماهيريًا، كـThe Cloverfield Paradox للأميركي النييجيري يوليوس أونا، وTau لفيديريكو دالّيساندرو (أوروغواي) وHow It Ends للأميركي ديفيد أم. روزنتال، وغيرها.
هذا هو الوضع في الأشهر الـ8 الفائتة، ما يوحي ـ بشكل واضح ـ أن المنصّة ربما تُعيد هيكلة نفسها، مع أصوات عديدة تطالب بالتركيز فقط على إنتاج المسلسلات، وعلى توزيع الأفلام من دون إنتاجها. وضعٌ كهذا سابقٌ للإعلان عن أفلامٍ لـ"نيتفلكس" ستشارك في أقسام مختلفة في الدورة الـ75 (29 أغسطس/ آب ـ 8 سبتمبر/ أيلول 2018) لـ"مهرجان فينيسيا (البندقية) السينمائي الدولي (لا موسترا)"، أحد المهرجانات الـ3 الأهم والأبرز في العالم (إلى "كانّ" وبرلين). تضمّنت اللائحة 6 أفلام من إنتاج المنصّة، والفائدة هائلة للطرفين.
فالمهرجان يستفيد من مشكلة العام الماضي بين المنصّة ومهرجان "كانّ" بسبب مشاركة فيلمي "حكايات ميروفيتز" و"أوكجا" في المسابقة الرسمية، وتصريحات رئيس لجنة التحكيم الدولية حينها الإسباني بيدرو ألمودوفار، القائل بعدم فهمه كيف أن "أفلامًا سينمائية لن تعرض في دور السينما" ستشارك في المسابقة، ما أدّى إلى قرار إدارة "كانّ" القاضي بعدم التعامل مع إنتاجات المنصّة. أما "لا موسترا" فسيستغل هذا، ويحصل على أفلام تُثري عروضه. من ناحية أخرى، فالمشاركة "طوق نجاة" كبير لـ"نيتفلكس" وإنتاجاتها السينمائية، خصوصًا إذا حصل أحد أفلامها على جائزة، وهذا مُرجّح بشدّة.
3 أفلام ستعرض في المسابقة الرسمية حقّقها 3 من أهم صنّاع السينما في العالم حاليًا: "روما" لألفونسو كوارون، أول فيلم له بعد حصوله على "أوسكار" أفضل مخرج عام 2013 عن Gravity؛ و"أنشودة باستر سكراغز" للأخوين جويل وإيثان كُوِن: "وسترن" (132 د.) منقسم إلى فصول عديدة، بمشاركة جيمس فرانكو وليام نيسون وزوي كازان؛ و 22 July للبريطاني بول غرينغراس: قصّة حقيقية تثير توترًا وضغوطًا، تدور أحداثها في النرويج في 22 يوليو/ تموز 2011، عندما قتل إرهابي يميني متطرّف 77 طالبًا أثناء إقامتهم في مخيّم جبليّ.
3 أفلام أخرى تُعرض خارج المسابقة: On My Skin للإيطالي أليسيو سيرمونيني، و The Other Side Of The Wind، الفيلم الأخير الذي صوّره الأميركي أورسون ويلز بين عامي 1970 و1976، وجرت محاولات ـ خلال 40 عامًا ـ لإكمال إنجازه، ولم يتحقّق هذا إلا بفضل "نيتفلكس"، التي اشترت حقوق الفيلم وشكّلت فريق عمل من مساعدين قدماء لمخرج "المواطن كين" لإنهاء الفيلم بالصورة التي أرادها. عرضه الأول في "فينيسيا" يأتي بعد 48 عامًا على تصوير أولى لقطاته، وهو يمنح عشّاق السينما فرصة هائلة لمشاهدة "آخر أفلام أحد رموز السينما". هناك أيضًا فيلم وثائقي عن رحلة إنتاج هذا الفيلم، بعنوان They’ll Love Me When I’m Dead.