05 نوفمبر 2024
هل يوقف الاتفاق التركي الأوروبي الهجرة غير الشرعية؟
أثار الاتفاق الأوروبي التركي الهادف إلى إنهاء "الهجرة غير الشرعية" جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والقانونية، تناول تداعيات الاتفاق وأثره على حقوق الإنسان، وخصوصاً حق اللجوء، وامتدّ ليطاول شرعية الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان، في السابع من مارس/ آذار الجاري، وبدأ تنفيذه في الرابع من إبريل/ نيسان الجاري.
ويمكن القول إن الاتفاق يشكل وصمة عار على جبين أوروبا، على المستويين، القانوني والحقوقي، ويشكل خطوة معيبة أخلاقياً وقانونياً، حسبما وصفته الأمم المتحدة ومنظمة العقو الدولية وعدد من الجمعيات الحقوقية، لأنه انتهاك واضح لمعاهدة جنيف للاجئين عام 1951 الضامنة حق اللجوء الإنساني، وفق المبدأ الأساسي إنه "لا يجوز إرغام أي لاجئين أو أشخاص مشرّدين على العودة إلى بلدهم الأصلي"، إضافة إلى أنه يعرّض حياة مزيد من اللاجئين إلى الغرق في البحار، لكن الاتحاد الأوروبي ضرب بذلك كله مقابل تشديد حدود دوله، والعمل على ترحيل الأزمات إلى تركيا ودول أخرى سيتكدس فيها اللاجئون والمهاجرون، الأمر الذي سيزيد من أزمات منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن عودة متوقعة إلى مزيد من الفواجع والمآسي الإنسانية من غرق واختناق جماعي وسوى ذلك.
ومع بدء تنفيذ الاتفاق الذي يقضي بقبول تركيا استعادة اللاجئين "غير الشرعيين" من أوروبا إلى أراضيها، مقابل محفزات مالية واقتصادية وسياسية تعهد بها القادة الأوروبيون لأنقرة، فإن دول الاتحاد ستسمح فقط بدخول لاجئ سوري مباشرة من تركيا مقابل كل سوري تستعيده تركيا من اليونان، وإعادة من يحاولون اجتياز البحر إلى تركيا مجدداً، على ألا يوقف ذلك طلب اللاجئين السوريين حق اللجوء إلى أوروبا بشكل قانوني، الذي بات يخضع لاعتبارات ومعايير أوروبية مشددة.
ويلزم الاتفاق الطرفين بجملةٍ من الإجراءات، يتقدمها التزام تركيا بضبط حدودها المائية والبرية ضد موجات تهريب البشر، واستعادة جميع المهاجرين غير النظاميين، بمن فيهم السوريون، إلى جانب منعها فتح مسارات هجرةٍ جديدةٍ نحو أوروبا عبر إيطاليا وبلغاريا، فيما سيستقبل الطرف الأوروبي لاجئاً سورياً، في مقابل كل لاجئ يرحّل إلى تركيا، شريطة ألا يكون قد حاول العبور إلى أوروبا بطريقة غير شرعية، على أن لا يتجاوز العدد 72 ألف لاجئ. وفي حال وفاء تركيا بالتزاماتها، سيسرع الاتحاد الأوروبي منحها ثلاثة مليارات يورو، من أجل تمويل مشاريع، مخصصة لتلبية الحاجات الإنسانية الأساسية للاجئين السوريين على الأراضي التركية، على أن تتم جدولة ثلاثة مليارات أخرى، ستُمنح إلى تركيا حتى نهاية 2018.
ولم يتمكن الجانب التركي من تحقيق مطلبه بتسريع مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، بفتح خمسة فصول جديدة، محظورة منذ سنوات بفعل "فيتو" من قبرص اليونانية، حيث وافق الاتحاد على فتح فصل آخر، لم يكن محظوراً، هو الفصل رقم 33 حول الموازنة، مع وعد بفتح مزيد من الفصول من دون المساس بـ"مواقف الدول الأعضاء". كما ربط الجانب الأوروبي التزام تركيا ببنود الاتفاق، من أجل إلغاء تأشيرة "شينغن" للمواطنين الأتراك مع نهاية يونيو/ حزيران المقبل، وجرى السكوت عن الطلب التركي بدعم مساعي إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري.
ولا شك في أن الهدف الأوروبي من الاتفاق هو إيقاف الهجرة غير النظامية باتجاه اليونان، عبر تحويل تركيا إلى سد مانع أمام تدفق اللاجئين السوريين، خصوصاً في ظل استمرار الحرب التي يشنها النظام السوري والروس والإيرانيون، ومعهم مليشيات حزب الله اللبناني وسائر اليليشيات المذهبية، ضد غالبية السوريين.
ويدافع المسؤولون الأوروبيون عن الاتفاق، ويصوّرونه الحل المناسب لأزمة اللاجئين، وأنهم
سعوا إلى جعله متوافقاً مع حقوق الإنسان والتزامات أوروبا التاريخية بالقيم الإنسانية، من خلال مراجعة ملفات اللاجئين بصورة فردية، قبل إرجاعهم، تجنباً لعمليات الترحيل الجماعي المجرّمة دولياً، لكن تعامل اليونان ومقدونيا وصربيا وسواها مع طالبي اللجوء يشير إلى عكس ذلك. كما أن الاتفاق يمنح الحق للدول الأوروبية في إعادة اللاجئين، وإرجاعهم إلى البلد الذي أتوا منه، في مخالفةٍ واضحةٍ لاتفاقية جنيف للاجئين، إضافة إلى أنه يعطيها الحق في تصنيف اللاجئين إلى "شرعيين" و"غير شرعيين"، حسب المعايير الأوروبية غير المحدّدة التي تفضي إلى التمييز غير الأخلاقي وغير الإنساني، حيث إن معايير بعض الدول الأوروبية تميل إلى استقبال لاجئين من أديان أو مذاهب معينة، محدّدة، أو أحياناً تستقبل أقليات دينية أو عرقية، أو فقط المضطهدين جنسياً.
ولعل غموضاً كبيراً يعتري تفاصيل الاتفاق، خصوصاً في عدم توفير الآليات والضمانات اللازمة لإنجاحه، وتحقيق مبتغاه في وقف الهجرة غير النظامية، حيث إنه لن يوقف نزيف الأرواح على أبواب القارة الأوروبية، لأن اللاجئ المعاد لن يكون أفضل حالاً من رصيفه الذي مات غرقاً، أو من ذلك الذي يُحتجز في أمكان تجمع المهاجرين غير الشرعيين، حيث تشهد أماكن الاحتجاز نفسها لعبة الإقصاء نفسها التي مارسها النظام الأسدي ضدهم عقوداً طويلة، إضافة إلى أنه، مع استمرار أعمال القتل التي يمارسها النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون، ستظهر سفن موت أخرى في عرض المتوسط وطوله، مليئة بالبائسين، تتقاذفها الأمواج، وتترصدها حيتان البحر المتوسط، ورصاص القراصنة، وعصابات التهريب.
وهناك شكوك كثيرة في إمكانية نجاح الاتفاق في حل أزمة اللاجئين، وإيقاف الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا، إذ على الرغم من توظيف الاتحاد الأوروبي جهوداً سياسية كبيرة لحل الأزمة، إلا أنه لم يتحرك لحل أصل مشكلة اللجوء، وهي استمرار النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين في قتل الشعب، فإذا كان التحرك الدولي مطلوباً ومحموداً لإيجاد حل لقضية اللاجئين، إلا أن الأجدى هو أن يترجم الساسة الأوروبيون ما يقولونه، على الدوام، حول ضرورة إيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية إلى أفعال، لأن ذلك الحل المأمول ينهي المشكلة من أساسها، وهو أمر يتطلب إرادةً دوليةً وأوروبية، تجبر الأسد وحلفاءه على التوقف عن قتل غالبية السوريين، بما ينهي المشكلة من أساسها، المتمثلة بالخلاص من نظامٍ اعتاد على قتل غالبية السوريين، منذ أكثر من خمس سنوات، والعالم يتفرّج.
ويمكن القول إن الاتفاق يشكل وصمة عار على جبين أوروبا، على المستويين، القانوني والحقوقي، ويشكل خطوة معيبة أخلاقياً وقانونياً، حسبما وصفته الأمم المتحدة ومنظمة العقو الدولية وعدد من الجمعيات الحقوقية، لأنه انتهاك واضح لمعاهدة جنيف للاجئين عام 1951 الضامنة حق اللجوء الإنساني، وفق المبدأ الأساسي إنه "لا يجوز إرغام أي لاجئين أو أشخاص مشرّدين على العودة إلى بلدهم الأصلي"، إضافة إلى أنه يعرّض حياة مزيد من اللاجئين إلى الغرق في البحار، لكن الاتحاد الأوروبي ضرب بذلك كله مقابل تشديد حدود دوله، والعمل على ترحيل الأزمات إلى تركيا ودول أخرى سيتكدس فيها اللاجئون والمهاجرون، الأمر الذي سيزيد من أزمات منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن عودة متوقعة إلى مزيد من الفواجع والمآسي الإنسانية من غرق واختناق جماعي وسوى ذلك.
ومع بدء تنفيذ الاتفاق الذي يقضي بقبول تركيا استعادة اللاجئين "غير الشرعيين" من أوروبا إلى أراضيها، مقابل محفزات مالية واقتصادية وسياسية تعهد بها القادة الأوروبيون لأنقرة، فإن دول الاتحاد ستسمح فقط بدخول لاجئ سوري مباشرة من تركيا مقابل كل سوري تستعيده تركيا من اليونان، وإعادة من يحاولون اجتياز البحر إلى تركيا مجدداً، على ألا يوقف ذلك طلب اللاجئين السوريين حق اللجوء إلى أوروبا بشكل قانوني، الذي بات يخضع لاعتبارات ومعايير أوروبية مشددة.
ويلزم الاتفاق الطرفين بجملةٍ من الإجراءات، يتقدمها التزام تركيا بضبط حدودها المائية والبرية ضد موجات تهريب البشر، واستعادة جميع المهاجرين غير النظاميين، بمن فيهم السوريون، إلى جانب منعها فتح مسارات هجرةٍ جديدةٍ نحو أوروبا عبر إيطاليا وبلغاريا، فيما سيستقبل الطرف الأوروبي لاجئاً سورياً، في مقابل كل لاجئ يرحّل إلى تركيا، شريطة ألا يكون قد حاول العبور إلى أوروبا بطريقة غير شرعية، على أن لا يتجاوز العدد 72 ألف لاجئ. وفي حال وفاء تركيا بالتزاماتها، سيسرع الاتحاد الأوروبي منحها ثلاثة مليارات يورو، من أجل تمويل مشاريع، مخصصة لتلبية الحاجات الإنسانية الأساسية للاجئين السوريين على الأراضي التركية، على أن تتم جدولة ثلاثة مليارات أخرى، ستُمنح إلى تركيا حتى نهاية 2018.
ولم يتمكن الجانب التركي من تحقيق مطلبه بتسريع مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، بفتح خمسة فصول جديدة، محظورة منذ سنوات بفعل "فيتو" من قبرص اليونانية، حيث وافق الاتحاد على فتح فصل آخر، لم يكن محظوراً، هو الفصل رقم 33 حول الموازنة، مع وعد بفتح مزيد من الفصول من دون المساس بـ"مواقف الدول الأعضاء". كما ربط الجانب الأوروبي التزام تركيا ببنود الاتفاق، من أجل إلغاء تأشيرة "شينغن" للمواطنين الأتراك مع نهاية يونيو/ حزيران المقبل، وجرى السكوت عن الطلب التركي بدعم مساعي إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري.
ولا شك في أن الهدف الأوروبي من الاتفاق هو إيقاف الهجرة غير النظامية باتجاه اليونان، عبر تحويل تركيا إلى سد مانع أمام تدفق اللاجئين السوريين، خصوصاً في ظل استمرار الحرب التي يشنها النظام السوري والروس والإيرانيون، ومعهم مليشيات حزب الله اللبناني وسائر اليليشيات المذهبية، ضد غالبية السوريين.
ويدافع المسؤولون الأوروبيون عن الاتفاق، ويصوّرونه الحل المناسب لأزمة اللاجئين، وأنهم
ولعل غموضاً كبيراً يعتري تفاصيل الاتفاق، خصوصاً في عدم توفير الآليات والضمانات اللازمة لإنجاحه، وتحقيق مبتغاه في وقف الهجرة غير النظامية، حيث إنه لن يوقف نزيف الأرواح على أبواب القارة الأوروبية، لأن اللاجئ المعاد لن يكون أفضل حالاً من رصيفه الذي مات غرقاً، أو من ذلك الذي يُحتجز في أمكان تجمع المهاجرين غير الشرعيين، حيث تشهد أماكن الاحتجاز نفسها لعبة الإقصاء نفسها التي مارسها النظام الأسدي ضدهم عقوداً طويلة، إضافة إلى أنه، مع استمرار أعمال القتل التي يمارسها النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون، ستظهر سفن موت أخرى في عرض المتوسط وطوله، مليئة بالبائسين، تتقاذفها الأمواج، وتترصدها حيتان البحر المتوسط، ورصاص القراصنة، وعصابات التهريب.
وهناك شكوك كثيرة في إمكانية نجاح الاتفاق في حل أزمة اللاجئين، وإيقاف الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا، إذ على الرغم من توظيف الاتحاد الأوروبي جهوداً سياسية كبيرة لحل الأزمة، إلا أنه لم يتحرك لحل أصل مشكلة اللجوء، وهي استمرار النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين في قتل الشعب، فإذا كان التحرك الدولي مطلوباً ومحموداً لإيجاد حل لقضية اللاجئين، إلا أن الأجدى هو أن يترجم الساسة الأوروبيون ما يقولونه، على الدوام، حول ضرورة إيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية إلى أفعال، لأن ذلك الحل المأمول ينهي المشكلة من أساسها، وهو أمر يتطلب إرادةً دوليةً وأوروبية، تجبر الأسد وحلفاءه على التوقف عن قتل غالبية السوريين، بما ينهي المشكلة من أساسها، المتمثلة بالخلاص من نظامٍ اعتاد على قتل غالبية السوريين، منذ أكثر من خمس سنوات، والعالم يتفرّج.