هل يهدد انهيار دويتشه بنك النظام المصرفي العالمي؟

03 أكتوبر 2016
دويتشيه بنك يهدد اقتصاد العالم (دانيال رولاند/ فرانس برس)
+ الخط -
"انهيار دويتشه بنك يعني تدهور النظام المصرفي العالمي"، بهذه الكلمات عبرت شبكة سي أن أن الأميركية اليوم عما يمكن أن يحدث في حال انهيار أكبر مصرف ألماني "دويتشه بنك".
وبحسب تقرير نشر على موقع سي أن أن الأخباري فإن دويتشه بنك يشكل نصف حجم الاقتصاد الألماني، إلا أن أساساته تزعزعت بسبب غرامات ضخمة وانخفاض أرباحه.

ويواجه مصرف "دويتشه بنك" أكبر مصرف ألماني أزمة حادة، بعد مطالبة وزارة العدل الأميركية بضرورة تسديده غرامة مالية تصل إلى 14 مليار دولار، لتسوية دعاوى تتهمه ببيع أوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري عن طريق التضليل.

وبحسب وكالة فرانس برس، فإن مصدرا من "دويتشه بنك" قال إن الأخير اقترب من التوصل إلى اتفاق مع المسؤولين في الولايات المتحدة لسداد 5.4 مليارات دولار لتسوية غرامة تتعلق ببيع أوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري قبل الأزمة المالية.
وكان وزير الاقتصاد الألماني سيغمار غابريال قد انتقد أمس الأحد السياسات "غير المسؤولة" للمشرفين على مصرف "دويتشه بنك" الذي يعاني من صعوبات مالية خطيرة ستفرض عليه إلغاء آلاف الوظائف.
وقال غبريال: "لا أعلم إذا كان علينا البكاء أم الضحك لرؤية مصرف جعل من المضاربة نموذجًا للأعمال ويطرح نفسه اليوم ضحية لذلك"، لافتاً إلى أن ما سيحصل الآن، هو أن آلاف الأشخاص سيخسرون وظائفهم، وعليهم دفع ثمن جنون أشخاص غير مسؤولين في مواقع قيادية.
وكان المصرف قرر إطلاق عملية إعادة هيكلة على نطاق واسع، بعد خسارته سبعة مليارات يورو في العام 2015، مما يعني إغلاق نحو مئتي فرع في ألمانيا بحلول العام 2020، وإلغاء نحو تسعة آلاف وظيفة على المستوى العالمي. وخسر سهم المصرف الألماني العملاق أكثر من 40% من قيمته منذ مطلع العام.
وقد سلطت الأضواء على البنك بعدما فرضت عليه السلطات الأميركية غرامة بمقدار 14 مليار يورو (16,2 مليار دولار) بسبب بيعه لأوراق مالية مدعومة بالرهون العقارية قبل الأزمة المالية العالمية في 2008.

مفاوضات مستمرة

وذكرت وول ستريت جورنال أمس الأحد أن محادثات البنك مع وزارة العدل الأميركية مستمرة. ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة القول إن التفاصيل تتغير باستمرار ولم يتم بعد تقديم اتفاق لكبار صناع القرارات في الجانبين للموافقة عليه.

وقالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني إنه إذا استطاع المصرف تسوية القصية بمبلغ يقارب 3.1 مليار دولار فسينعكس ذلك إيجابا على حاملي السندات ولكن إذا وصلت قيمة الغرامة إلى 5.7 مليار دولار فإنها ستقوض ربحية 2016 لكنها لن تؤثر كثيرا على الوضع الرأسمالي للبنك.

ورغم أن دويتشه بنك أصغر حجما بكثير عن منافسيه في وول ستريت مثل جيه.بي مورغان وسيتي غروب إلا أنه يتمتع بعلاقات مهمة في مجال التداول مع جميع الشركات المالية الكبرى في العالم ووصفه صندوق النقد الدولي هذا العام بأنه يمثل خطرا محتملا على النظام المالي الكلي أكبر مما يشكله أي بنك عالمي آخر.

ومن المقرر أن يزور الرئيس التنفيذي للبنك الألماني جون كرايان واشنطن هذا الأسبوع لحضور الاجتماع السنوي لصندوق النقد وقالت صحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج إن مسؤولين تنفيذيين آخرين سيشاركونه في السعي للتوصل إلى تسوية مع السلطات الأميركية عن طريق التفاوض.

وعلى غرار البنوك الأوروبية الكبرى التي تخضع للتحقيق لاتهامات بالتضليل في بيع أوراق مالية مدعومة برهون عقارية مثل كريدي سويس وباركليز سيسعى دويتشه بنك أيضا لإبرام اتفاق مع الحكومة الحالية.

واصطف عدد من كبار رجال الأعمال الألمان من شركات مثل باسف ودايملر وإي.أون وآر.دبليو.إي وسيمنس للدفاع عن دويتشه بنك في مقال نشر بالصفحة الأولى من صحيفة فرانكفورتر ألجماينه زونتاج تسايتونج.

وقال يورغن هامبرشت رئيس مجلس إدارة باسف "تحتاج الصناعة الألمانية دويتشه بنك ليصطحبنا إلى العالم الخارجي".

خسائر واضحة

وبدأ منذ أيام عدد من المودعين بسحب أموالهم من المصرف، الأمر الذي تسبب في خسارة أسهم المصرف بشكل لافت، وتباينت الآراء حول قدرة المصرف في مواجهة هذه الأزمة، إذ إن العديد من المحللين في أسواق المال، قد أشاروا إلى أن "دويتشه بنك" لديه وفرة من الأموال المتاحة، حتى ولو سحب بعض العملاء ودائعهم.
وذكر المحلل لدى "أتونوموس ريسيرش" في مذكرة أن "دويتشه بنك لديه سيولة كافية لمواجهة أكثر من شهرين من الضغط الحاد".
في حين قال محللون لدى "غولدمان ساكس غروب" إن ودائع الوساطة الرئيسية لصناديق التحوط ربما تشكل 3% فقط من تمويل البنك، وإن المصرف لديه إمكانية الوصول لدعائم إضافية من المركزي الأوروبي.
هذا وقد بلغت احتياطيات السيولة النقدية لدى المصرف الذي يقع مقره في فرانكفورت 223 مليار يورو "249 مليار دولار" في الثلاثين من يونيو/حزيران الماضي.
من جهته، سعى جون كريان الرئيس التنفيذي لدويتشه بنك إلى طمأنة موظفيه يوم الجمعة الماضي، وقال كريان إنه يتفهم انزعاج الموظفين من التكهنات التي ثارت على نطاق واسع في وسائل الإعلام بأن عددا قليلا من عملاء البنك من صناديق التحوط غادر المجموعة، لكن البنك يقف على أرضية صلبة، ولديه أكثر من 20 مليون عميل.
وقال كريان في رسالة داخلية للموظفين "هناك قوى في السوق حاليا تريد تقويض الثقة فينا، ومهمتنا الآن هي ضمان ألا يكون لهذه الصورة المشوهة تأثير أكبر على أنشطتنا اليومية".
وأشار كريان في رسالته إلى أن الضبابية نتيجة قضية الغرامة التي تفرضها الولايات المتحدة، ليست سبباً يبرر تعرض سهم دويتشه بنك لضغوط في ضوء قضايا مماثلة تخص منافسين للبنك الألماني تمت تسويتها في نهاية المطاف بمبالغ أقل.
وكانت مجلة دي تسايت الألمانية الأسبوعية قالت في وقت سابق، إن الحكومة الألمانية والسلطات المحلية تجهز خطة إنقاذ "دويتشه بنك" في حال فشل البنك في جمع الأموال المطلوبة بنفسه لسداد تكاليف دعوى قضائية باهظة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه وفقاً لمسودة الخطة يمكن لـ"دويتشه بنك" أن يبيع أصولاً لبنوك أخرى بأسعار قد تخفف الضغط عليه دون فرض المزيد من الأعباء.
وأضافت الصحيفة التي لم تفصح عن مصدر معلوماتها أنه في حالة الضرورة القصوى يمكن أن تعرض الحكومة الألمانية الحصول على حصة مباشرة بنسبة 25 في المئة.


ذكرى مؤلمة 

يذكر، أن الأزمة التي يعاني منها المصرف الألماني، تتزامن مع حلول ذكرى انهيار مصرف "ليمان براذرز" الاستثماري في 15 سبتمبر/ أيلول 2008، الذي مثل قمة فورة الأزمة المالية العالمية الأخيرة، ولذا بدأت الأسواق تتحسب لخطر أن يكون "دويتشه بنك" هو "ليمان براذرز". 
وليمان براذرز مصرف أسّسته في ألاباما، الولايات المتحدة الأميركية عام 1850. ويقع مقره الرئيسي في نيويورك. أعلن عن إفلاسه في 14 سبتمبر/ أيلول 2008 بسبب الخسارة التي حدثت في سوق الرهن العقاري.

 يذكر أن دويتشه بنك أو البنك الألماني Deutsche Bank AG، يعد بنكاً متعدد الجنسيات يعمل على امتداد العالم، وبلغ عدد موظفيه أكثر من 67 ألف شخص في يناير/كانون الثاني 2007، وحقق في 2005 إيرادات 41.7 مليار يورو، ويعود تاريخ إنشاء البنك إلى عام 1870.

وتتم صفقات التجارة العربية الألمانية البالغة قيمتها نحو 52 مليار يورو خلال 2015 عبر هذا البنك الذي يعد شبه الوحيد للتجارة الخارجية الألمانية.
يقع المقر الرئيسي للبنك في برجين توأمين في مدينة فرانكفورت في ألمانيا في حين يقع المقر الرئيسي لأكبر فروعه والمعروف باسم CIB التابع له في مدينة لندن، ويستثمر العرب وفي مقدمتهم قطر عدة مليارات في رأسماله، كما يملك مركز دبي المالي العالمي %2.2 من أسهمه.

المساهمون