منذ أن غادرت الأزمة الليبية محيط طرابلس إلى طاولات الحوار المكثف بين الفاعلين الدوليين في موسكو ثم في برلين، اختلفت التوصيفات ولهجة الخطاب الدولية الموجهة للواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، لتنتقل تدريجياً من إرغامه على وقف حروبه في ليبيا لا سيما التي تجري في محيط طرابلس وباتجاه مصراته، إلى حد تجريمه واتهامه بقتل المئات من المواطنين. يرى مراقبون أن هذه اللهجة تمهد لخطوات أخرى من شأنها إيصاله إلى المحاكم الدولية.
وآخر تلك المؤشرات تقرير للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، نشر ليل أمس الثلاثاء على موقع الأمم المتحدة، أكد خلاله مسؤولية حفتر عن مقتل مئات المدنيين في طرابلس ومناطق أخرى في البلاد.
وقال غوتيريس في تقريره إن الطيران التابع لحفتر هو المسؤول عن قتل 32 طالباً من كلية طرابلس العسكرية في الرابع من يناير/كانون الثاني الجاري، وإن عدد الغارات التي شنها طيرانه منذ إطلاق عدوانه العسكري على طرابلس في إبريل/ نيسان الماضي بلغ 1020 غارة على المنشآت العامة والمدينة.
وأوضح تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أن 850 غارة منها نفذت بواسطة طائرات مسيرة دقيقة التوجيه، وأن 110 غارات نفذت بواسطة طائرات نفاثة، بينما نفذت طائرات أجنبية نحو 60 غارة.
وكشف التقرير مسؤولية حفتر عن الغارة التي سقط فيها ثلاثة أطفال بمنطقة الفرناج في طرابلس في 14 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقبلها ستة مدنيين بينهم أطفال في 6 أكتوبر جراء قنابل غير موجهة من الجهة نفسها ألقيت على نادي للفروسية.
وذكر التقرير أيضاً مقتل 3 مدنيين وإصابة 4 آخرين في 23 من أكتوبر الماضي، ومقتل 7 مدنيين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي جراء غارات لطيران حفتر استهدفت أحياء مدنية في الرملة والعزيزية ومصنعا في تاجوراء، بالإضافة لثلاثة أطفال في غارة استهدفت منطقة السواني جنوب طرابلس في الثاني من ديسمبر/كانون الأول.
وهو كشف دقيق لسجل حفتر، بحسب الخبير القانوني الليبي هشام أبوسيف، الذي أكد أنه كفيل بنقل ملف حفتر إلى المحاكم الدولية ويعد اعترافا رسميا وقانونيا من قبل أكبر هيئة دولية.
وقال أبوسيف متحدثا لـ"العربي الجديد"، إن "التقرير كفيل بنقل حفتر إلى المحاكم لكنه لا يزال في أولى مراحله"، مشيرا إلى أن "التقرير يريد أن يقول إن الحل في ليبيا لن يكون بوجود هذا الرجل صاحب هذا السجل على طوله".
ولفت الخبير القانوني الليبي إلى أن "التقرير يكاد يسجل في كل شهر جريمة بتاريخها ما يجعله رسالة مباشرة موجهة لحفتر تقول له إننا على استعداد لنقلك لساحة القضاء في أي لحظة، حاثا حكومة الوفاق على استغلال هذا التقرير لصالحها من خلال احتجاج رسمي لدى الأمم المتحدة بشأن تأخر وصول ملف حفتر لمحكمة لاهاي إذا كانت كل هذه الإثباتات موثقة عليه".
لكن الأكاديمي الليبي، خليفة الحداد، يذهب إلى اعتبار التقرير رسالة تؤكد نهاية حفتر العسكرية والسياسية في ليبيا، قائلاً: "الأمم المتحدة كانت تحصي طيلة هذه الأشهر وتوثق ولم تعلن إلا
الآن لماذا؟ أعتقد أن الإجابة تقول إنه الإحصاء الأخير والنهائي وإن حفتر لم يعد موجودا".
وتساءل الحداد في حديثه لـ"العربي الجديد" عن سر اختفاء حفتر منذ الإعلان عن هدنة لوقف إطلاق النار في إسطنبول في الثامن من الشهر الجاري، قائلا: "لم نعد نرى حفتر كما لم نعد نسمع تلك التصريحات الساخنة التي تطلق من القاهرة وأبو ظبي علاوة على موسكو التي تقدم له الدعم السياسي"، متسائلا: "بعد هذا الإعلان من قبل غوتيريس، من يقبل، من تلك الدول، أن يستمر في دعمه لمجرم حرب عددت الأمم المتحدة جرائمه ووثقتها بالتاريخ؟".
واعتبر الحداد أن "التقرير لا يزال يعطي فرصة لحفتر؛ فحتى الآن لا يزال يتحدث عن تورط قواته، فسابقا اتهم أحد قادة قواته وهو محمود الورفلي دون أن يشار إلى حفتر ما يعني أن التقرير هو تلويح بالتهديد ويتوجب على حفتر الخضوع لكل الأوامر التي تصله".
وتابع: "ما زلت أؤكد أن حفتر سيستمر في تمرده بل سيزيد عناده، خصوصاً وأنه قد رأى الجميع تخلى عنه بعد أن قضوا به مصالحهم وسيعلن عن عملية انتحارية قريبة يقرب بها توقيت نقله إلى المحاكم الدولية".