17 نوفمبر 2024
هل يسلّم ترامب الإسلاميين إلى روسيا؟
فاجأ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الليبيين وغيرهم عندما صرّح بأنه لا يرى دوراً لبلاده في ليبيا، بحجة أنها تقوم حالياً بأدوار عديدة بما فيه الكفاية، في أماكن مختلفة. دور واشنطن الوحيد سيقتصر على "التخلص من داعش". تصريحٌ فاجأ به ترامب ضيفه رئيس الوزراء الإيطالي، باولو جينتولوني، الذي ذهب إلى واشنطن، ليقول للرئيس الأميركي "أعتقد أنه يجب أن يكون هناك هدف واضح واحد، هو أننا بحاجة إلى المنطقة، ونحن بحاجة إلى الدول، مثل مصر وتونس القريبة من ليبيا، ونحن بحاجةٍ إلى ليبيا مستقرّة وموحدة". وأضاف "دور أميركا في هذا حاسم".
لن يطمئن موقف ترامب الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، لأنه يعكس، من وجهة نظرهم، حالةً من العمى الاستراتيجي، وقد يؤدي إلى تغييراتٍ واسعة على الأرض لصالح منافسين أقوياء، وفي مقدمتهم روسيا.
في الوقت الذي قرّر فيه ترامب إدارة ظهره لليبيا، أبدت موسكو رغبةً واضحةً في أن تصبح الطرف المؤثر، بل والمحدّد لمستقبل الليبيين. ولم يقتصر الأمر على دعم خليفة حفتر عسكريا وسياسيا. ولكن، أدركت موسكو أن ذلك لن يؤدي وحده إلى معالجةٍ جديةٍ للأزمة الليبية، ولهذا عملت على أن تنفتح على خصومه، بدءاً من فايز السراج الذي استقبله المسؤولون الروس، وصولا إلى الترحيب بأول زيارة تقوم بها قيادات إسلامية، كانت ضمن الوفد الذي زار موسكو أخيرا من مدينة مصراتة. إذ في وقتٍ لا تزال فيه واشنطن متذبذبةً في تحديد علاقتها بالإسلاميين الليبيين، قرّر الرئيس فلاديمير بوتين الانفتاح على هؤلاء، والشروع في ترويضهم، بهدف إدماجهم في حل سياسي، تكون خيوطه الأساسية بين يديه.
في هذا السياق، يتنزل تصريح مساعد وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، عن التزام بلاده بضرورة إقامة حوار وطني بين الليبيين، وإيمانها بوحدة ليبيا واعتقادها بضرورة قيام "دولة ليبية قوية، بحكم أنها الوحيدة القادرة على دحر الإرهاب".
كلما تراجعت أميركا، توفرت فرصة للدبلوماسية الروسية، لتتقدم وتحاول ملء الفراغ، حتى لو تعلق الأمر بمد الجسور مع بعض الإسلاميين المستعدين للتعامل معها، والذين لا يشكلون خطرا عليها، أو ليسوا من المعترضين على سياساتها، ولا يهدّدون مصالحها. ويبدو أن الإسلاميين الليبيين، مثل الإخوان المسلمين، أو من يشبههم، أدركوا ذلك، وقرّروا أن ينخرطوا في اللعبة، مثلما فعلت حركة النهضة في تونس. وهذا يعني أن البراغماتية بدأت تتغلب على الأيديولوجيا لدى جزء من الحركات والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية. قد يكون لها موقف معاد للسياسة الروسية في سورية، لكنها عندما يتعلق الأمر بما يحصل في ليبيا فإنها مستعدة للتعاون مع موسكو، إذا كان من شأن ذلك أن يحقق جزءاً من مصالحها، ويحول دون شطبها أو القفز عليها، فسياسة ترامب قد تؤدي، في النهاية، إلى تسليم الإسلاميين أو جزء مهم منهم إلى الروس، في مقابل أن يتفرّغ ترامب لتحقيق شعاره المفضل "أميركا أولا".
يحاول بوتين بدوره أن يتجنب الدخول في معركة عقائدية مع عموم الإسلاميين، بسبب انحيازه الكامل لنظام الأسد في سورية. ولهذا السبب، اتخذ من تركيا وإيران شركاء له في رسم ملامح خريطة سورية المستقبلية. وهو إذ عبر عن حرصه على دعم النظام المصري، فإنه لم يفتح معركة علنية مع "الإخوان المسلمين". وإنْ لم تتوثق علاقاته بحركة النهضة كثيرا، إلا أن الجسور مفتوحةٌ مع قيادتها، وذلك في وقتٍ لا تزال إدارة بوتين تبحث عن الصيغة المناسبة للتعامل معها حركةً، متجنبا حتى الآن الدخول في مواجهةٍ علنيةٍ معها، كما ترغب في ذلك بعض الأطراف المحلية. فهل تشهد المرحلة المقبلة مزيدا من تقاطع المصالح بين موسكو والإسلاميين؟ لن يريح هذا الاحتمال الأوروبيين الذين بذلوا جهودا ملحوظة خلال السنوات الأخيرة من أجل احتواء الإسلام السياسي، وليسوا مستعدّين أن يتركوا ترامب يهدم ما بنوه في مقابل استراتيجية غامضة.
لن يطمئن موقف ترامب الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، لأنه يعكس، من وجهة نظرهم، حالةً من العمى الاستراتيجي، وقد يؤدي إلى تغييراتٍ واسعة على الأرض لصالح منافسين أقوياء، وفي مقدمتهم روسيا.
في الوقت الذي قرّر فيه ترامب إدارة ظهره لليبيا، أبدت موسكو رغبةً واضحةً في أن تصبح الطرف المؤثر، بل والمحدّد لمستقبل الليبيين. ولم يقتصر الأمر على دعم خليفة حفتر عسكريا وسياسيا. ولكن، أدركت موسكو أن ذلك لن يؤدي وحده إلى معالجةٍ جديةٍ للأزمة الليبية، ولهذا عملت على أن تنفتح على خصومه، بدءاً من فايز السراج الذي استقبله المسؤولون الروس، وصولا إلى الترحيب بأول زيارة تقوم بها قيادات إسلامية، كانت ضمن الوفد الذي زار موسكو أخيرا من مدينة مصراتة. إذ في وقتٍ لا تزال فيه واشنطن متذبذبةً في تحديد علاقتها بالإسلاميين الليبيين، قرّر الرئيس فلاديمير بوتين الانفتاح على هؤلاء، والشروع في ترويضهم، بهدف إدماجهم في حل سياسي، تكون خيوطه الأساسية بين يديه.
في هذا السياق، يتنزل تصريح مساعد وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، عن التزام بلاده بضرورة إقامة حوار وطني بين الليبيين، وإيمانها بوحدة ليبيا واعتقادها بضرورة قيام "دولة ليبية قوية، بحكم أنها الوحيدة القادرة على دحر الإرهاب".
كلما تراجعت أميركا، توفرت فرصة للدبلوماسية الروسية، لتتقدم وتحاول ملء الفراغ، حتى لو تعلق الأمر بمد الجسور مع بعض الإسلاميين المستعدين للتعامل معها، والذين لا يشكلون خطرا عليها، أو ليسوا من المعترضين على سياساتها، ولا يهدّدون مصالحها. ويبدو أن الإسلاميين الليبيين، مثل الإخوان المسلمين، أو من يشبههم، أدركوا ذلك، وقرّروا أن ينخرطوا في اللعبة، مثلما فعلت حركة النهضة في تونس. وهذا يعني أن البراغماتية بدأت تتغلب على الأيديولوجيا لدى جزء من الحركات والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية. قد يكون لها موقف معاد للسياسة الروسية في سورية، لكنها عندما يتعلق الأمر بما يحصل في ليبيا فإنها مستعدة للتعاون مع موسكو، إذا كان من شأن ذلك أن يحقق جزءاً من مصالحها، ويحول دون شطبها أو القفز عليها، فسياسة ترامب قد تؤدي، في النهاية، إلى تسليم الإسلاميين أو جزء مهم منهم إلى الروس، في مقابل أن يتفرّغ ترامب لتحقيق شعاره المفضل "أميركا أولا".
يحاول بوتين بدوره أن يتجنب الدخول في معركة عقائدية مع عموم الإسلاميين، بسبب انحيازه الكامل لنظام الأسد في سورية. ولهذا السبب، اتخذ من تركيا وإيران شركاء له في رسم ملامح خريطة سورية المستقبلية. وهو إذ عبر عن حرصه على دعم النظام المصري، فإنه لم يفتح معركة علنية مع "الإخوان المسلمين". وإنْ لم تتوثق علاقاته بحركة النهضة كثيرا، إلا أن الجسور مفتوحةٌ مع قيادتها، وذلك في وقتٍ لا تزال إدارة بوتين تبحث عن الصيغة المناسبة للتعامل معها حركةً، متجنبا حتى الآن الدخول في مواجهةٍ علنيةٍ معها، كما ترغب في ذلك بعض الأطراف المحلية. فهل تشهد المرحلة المقبلة مزيدا من تقاطع المصالح بين موسكو والإسلاميين؟ لن يريح هذا الاحتمال الأوروبيين الذين بذلوا جهودا ملحوظة خلال السنوات الأخيرة من أجل احتواء الإسلام السياسي، وليسوا مستعدّين أن يتركوا ترامب يهدم ما بنوه في مقابل استراتيجية غامضة.