تحمل الحياة السياسية الإيرانية العديد من الدلالات، فالرئيس الفائز بولاية ثانية، حسن روحاني، والذي يصنف على أنه إصلاحي، كان عضوًا بارزًا في الفريق المفاوض الذي أنجز اتفاق (5+1) الخاص بالبرنامج النووي، وتبنّى الرجل منذ حملته الانتخابية الأولى في عام 2013، سياسة انفتاح إيران على الاقتصاد العالمي، والعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
لكن نجاح روحاني بولاية ثانية، في ظل توترات سياسية وأمنية تشهدها منطقة الشرق الأوسط، يعطي الكثير من الدلالات السياسية والاقتصادية، علماً أن الدلالات الاقتصادية تعد معتبرة في إطار مساعي القوى الدولية لترسيخ مصالحها الاقتصادية بالمنطقة، وكذلك في اطار حالة الصراع بين إيران والخليج بشكل عام، والسعودية وإيران بشكل خاص، وليس بخفي أن هذا الصراع يستهدف استنزاف الموارد الاقتصادية للدولتين (السعودية وإيران)، لتبقى المنطقة بلا مشروع.
ويمكن قراءة الدلالات الاقتصادية لفوز روحاني، على الصعيدين الداخلي والخارجي، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الفوز يفرض العديد من التحديات الاقتصادية على روحاني خلال المرحلة المقبلة أيضًا، وسيكون بمثابة اختبار لأميركا والغرب في تعاطيهما مع طرح التيار الإصلاحي الذي يتبناه الرئيس الفائز.
وفيما يلي نتناول الدلالات الاقتصادية لفوز حسن روحاني بولاية ثانية.
الدلالات على الصعيد الداخلي
- جرى تطويع الشباب للتصويت بقوة لروحاني من خلال مزايا اقتصادية، خاصة في العام الأخير (وفق التقويم الفارسي) من ولاية روحاني الأولى، فقد نقلت وكالة أنباء فارس عن البنك المركزي الإيراني، أنه تم تقديم مليون قرض حسن للزواج، خلال العام الأخير، وأن قيمة القروض بلغت نحو 98.2 تريليون ريال (الدولار يعادل 32.4 ريالاً)، وأن هذه النوعية من القروض زادت بنسبة 26.6% عن العام الماضي، ومن حيث قيمتها زادت عن العام الماضي بنحو 300%.
ولا شك أن التوجيه الاقتصادي نحو قضية اجتماعية مثل الزواج هو توظيف سياسي بالدرجة الأولى، ويمكن اعتبار هذا التوظيف أحد العوامل المهمة لإنجاز هذا الفوز المريح لروحاني، حيث حصل كل مقترض من أجل الزواج على حوالي ثلاثة آلاف دولار.
- ثمة شاهد آخر دفع إلى زيادة التصويت لروحاني، ويهدف إلى إحداث حالة من الإنعاش للاقتصاد الإيراني، وهو ما ورد في إحصاء البنك المركزي الإيراني بأن القطاع المصرفي قدّم 175.6 تريليون ريال تسهيلات إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أي قرابة 5.4 مليارات دولار، ومن شأن هذه التسهيلات أن توسّع من فرص العمل للشباب، وإن كانت بيانات البنك المركزي تشير إلى بلوغ معدل البطالة في النصف الأول من عام 2016 /2017 نسبة 12.7%، إلا أن مردود التسهيلات التي قدمها الجهاز المصرفي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، سوف يظل في أداء معدلات البطالة بشكل إيجابي بعد مرور عام على الأقل.
- ونستطيع قراءة نجاح روحاني في ضوء ما يمكن اعتباره نسبة مريحة على منافسه من التيار المحافظ، في إطار أنه بمثابة اعتماد من قبل الداخل الإيراني للتوجهات الاقتصادية لروحاني، والمتمثلة في زيادة الانفتاح على الخارج، خاصة مع الغرب، وكذلك السعي لجذب الاستثمارات الأجنبية اللازمة، لتطوير حقول النفط والغاز، وكذلك باقي قطاعات الاقتصاد الإيراني.
وقد لمس الشارع الإيراني الأثر الإيجابي لرفع العقوبات الاقتصادية والانفتاح على الخارج، من خلال ما تم من تسهيل عمل البنوك الإيرانية وصفقة الطيران مع شركة "بوينغ" الأميركية، بحصول طهران على 60 طائرة حديثة، وكذلك تحديث قطاع الطيران، والحصول كذلك على قطع الغيار اللازمة لما لديه من طائرات، حرمت من هذه الخدمة طوال فترة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، ومؤخرًا حصلت إيران بالفعل على 4 طائرات من أحد الشركات الأوروبية.
- أنه بإمكان إدارة روحاني أن تواصل مساعيها للإصلاح الاقتصادي والتشريعي الذي يمكنها من تنفيذ استراتيجية الانفتاح على الخارج، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، في ضوء الفوز بولاية ثانية، وكذلك رفع العقوبات الاقتصادية مع مطلع عام 2017، فهناك عراقيل أمام دخول الاستثمارات الأجنبية المباشرة، تتعلّق بنصوص الدستور، وكذلك قانون الاستثمار الأجنبي المباشر.
إلا أن نجاح روحاني يحتاج إلى قراءة متأنية حول مدى مساعدة نجاحه في تخفيف وطأة سيطرة الحرس الثوري على مفاصل الاقتصاد الإيراني داخليًا، وكذلك إدارة الحرس الثوري لبعض الملفات الخارجية، خاصة أن هناك بعض رموز الحرس الثوري رهن القوائم السوداء للعقوبات الاقتصادية في أميركا والغرب. وهو ما سيقوي موقف روحاني في حال رغبته في إزاحة الحرس الثوري عن التدخل في ملف العلاقات الاقتصادية الخارجية.
الدلالات على الصعيد الخارجي
لم تكن إيران وحدها الرابح من رفع العقوبات الاقتصادية مع مطلع 2017، وهو أحد العوامل المهمة لفوز روحاني بولاية ثانية، لكن الغرب وأميركا فازا بصفقات مليارية، يمكنها المساعدة في إنعاش الاقتصاديات الراكدة في الغرب أو التي تواصل الانتعاش كما هو في أميركا.
ويلاحظ أنه في ظل الأجواء غير الكاملة لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، وكذلك عدم اتخاذ البلاد الإصلاحات اللازمة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إلا أنها استطاعت أن تنهي اتفاقيات بخصوص تلك الاستثمارات قدرت وزارة الاقتصاد الإيرانية قيمتها بنحو 11 مليار دولار، وأن ما دخل بالفعل البلاد في مارس/ آذار 2017 من تلك الاتفاقيات 3.1 مليارات دولار، بزيادة 1.1 مليار دولار عن تقديرات عام 2015 .
وإذا ما نجح روحاني في الإسراع بإزالة معوقات مشاركة الاستثمارات الأجنبية واتخاذ خطوات حقيقية لطمأنة الشركات الأجنبية، فيتوقع أن تشهد إيران طفرة في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
- يتوقع أن تزيد تعاملات إيران الخارجية خلال الفترة المقبلة، خاصة مع أميركا والغرب، وذلك في ضوء ما تنقله وكالات الأنباء الإيرانية، مثل زيادة صادرات 20 سلعة مصدرة للاتحاد الأوروبي خلال العام الماضي بنسبة تراوح ما بين 28% و100%، وهو ما يعني أن حركة التجارة لإيران مع الاتحاد الأوروبي سوف تشهد تطورًا كبيرًا، وقد يكون الاتحاد الأوروبي قريبًا من أكبر الشركاء التجاريين للبلاد، كما كان الحال قبل فرض العقوبات الاقتصادية الغربية، وسيكون ذلك على حساب علاقات إيران الاقتصادية مع كل من الصين والهند.
- سوف يتبارى كل من الخليج بزعامة السعودية من جهة وإيران من جهة أخرى في التوجه نحو الغرب، ومخاطبة مصالحه الاقتصادية، ولعل زيارة ترامب الأخيرة إلى السعودية تأتي في هذا السياق، ولن تقف إيران مكتوفة الأيدي، ولكنها ستسعى في ظل الولاية الجديدة لروحاني لتقديم المزيد من المصالح الاقتصادية للغرب وأميركا، من خلال إمدادات الغاز الطبيعي، أو المزيد من الصفقات التجارية، أو فتح الباب لمساهمة الشركات الأميركية والغربية للمساهمة في مشروعات البنية الأساسية التي ستتوسع فيها إيران بشكل كبير على مدار العقد المقبل.
- على عكس التوجّه العالمي الانفتاحي لإيران، سيكون وجودها الإقليمي محدوداً اقتصادياً، خاصة مع المنطقة العربية، إذ يكاد ينحصر دورها في إدارة الحروب في عدد من الدول العربية، كذلك تدخل إيران في حالة صراع مكتوم اقتصاديًا مع تركيا، لكن حسابات إيران مع أميركا والغرب على الصعيد الاقتصادي ستكون في إطار حسابات تقوية مكاسبها الإقليمية.