المدخل الأساسي للقضاء على العبودية ومخلفاتها في موريتانيا يكمن في تشجيع التعليم في المناطق الفقيرة حيث لحراطين غالبية السكان. فأبناء الأسر الفقيرة يتسربون قبل إكمال دراستهم الثانوية، ويلتحقون بسوق العمل لمساعدة أسرهم. ويُطرح ذلك من جديد بين الناشطين المناهضين للعبودية، بمناسبة اليوم الوطني لمحاربة العبودية في البلاد الذي يحلّ في السابع من مارس/ آذار من كل عام.
منذ عقود، يطالب ناشطو لحراطين بالقضاء على العبودية، وقد أصدرت الدولة بالفعل قوانين عدّة ضدّ العبودية ومن يمارسها، غير أنّ مخلفات العبودية من فقر وتهميش وجهل بقيت أكبر من تلك الجهود. يُذكر أنّ مجموعات سكانية معروفة محلياً باسم "آدوابه"، تتألف من سكان الريف المزارعين، هي من شريحة الأرقاء السابقين، وتنعدم في مناطقها المدارس وتنتشر فيهم الأمية بصورة كبيرة.
أن يكون التعليم أولوية لمواجهة آثار العبودية ليس مسألة متفقاً عليها بين الناشطين من الأرقاء السابقين، إذ يرى عدد من أنصار حركة إيرا الحقوقية أنّ النضال الحقوقي والسياسي ينبغي أن يكون أولوية في المرحلة الراهنة لانتزاع مزيد من الحقوق لشريحة الأرقاء السابقين، في حين يشدد ناشطون آخرون على أنّ تشجيع التعليم في شريحة لحراطين هو الحل الحقيقي الناجع لـ"التهميش" الذي يعاني منه المتحدّرون من هذه الشريحة.
في السياق، يقول المعلوم ولد أوبك وهو مدرّس وناشط حقوقي، إنّ "التعليم هو بوابة للعبور نحو فضاء الانعتاق والتحرر من العبودية. العبودية تكون أولاً في الفكر، ومن خلال التعليم نحرره من أغلال العبودية. بالتالي، فإنّ التعليم هو أبرز الوسائل للخروج من العبودية. من خلاله تُزال الفوارق ويتأسس مجتمع العدالة الذي ينمحي منه التمايز، ويوضع حدّ للاختلافات البيّنة". يضيف ولد أوبك لـ "العربي الجديد" أنّه يؤيّد "البدء بالتركيز على بُعد بناء الشخص المهمّش من جديد. من دون أن نجعل ضحايا العبودية أساساً للنضال وندفعهم إلى المناداة بحقوقهم، سوف تظل كلّ المجالات محدودة التأثير". ويشير إلى أنّ "الحركة النضالية الحقوقية في مجال العبودية هي في حالة جمود. الأوضاع التي كان يعيشها الأرقاء هي نفسها اليوم. هؤلاء لم يخرجوا من دائرة الاسترقاق، لأنّ المقاربة آنذاك اقتصرت على بُعد واحد وهو الدفع في اتجاه فرض قوانين، من دون صنع إنسان قادر على فرض تطبيق هذه القوانين أو واعٍ لقدرته على البدء من جديد". ويشدّد ولد أوبك على أنّ "التركيز على البعد الحقوقي يهيئ لنا أرضية، لكنّ التعليم كبوابة يصنع من يستغلّ تلك الأرضية. فمشكلة العبودية متعددة الأبعاد ومداخله ليست واحدة".
ويعود ولد أوبك ليؤكّد أنّ "التعليم يبقى في صدارة المقاربات ذات التأثير الأكبر. فأغلال العبودية ما زالت تكبّل عقول المستعبدين في موريتانيا نتيجة الجهل، وبحصول كلّ فرد من أفراد المجتمع على حقه في تعليم عالي الجودة على نحو متساوٍ ومتكافئ بين الجميع، فإنّ من شأن ذلك أن يؤدي إلى تعميق المساواة والعدالة الاجتماعية". ويتابع أنّه "بخلاف ذلك، فإنّ عدم تكافؤ الفرص في التعليم مثلما هو سائد اليوم في موريتانيا، يؤدّي إلى تفاوت في اكتساب مهارات العمل وفي فرص الحصول على وظائف لائقة". ويرى ولد أوبك أنّ "النظام التربوي الموريتاني اليوم ما زال يكرّس اللامساواة والتمييز ويعيد إنتاج النظام الطبقي الإقصائي نفسه. وهو ما يدفع إلى التأكيد على أنّه بالتعليم والتعليم فقط تكمن الأزمة والحلّ في الوقت نفسه. وهذا الحلّ هو الذي يؤسس للعدالة الاجتماعية، إذ من خلاله يتقرر مصير الفرد ليس فقط على المستوى الاقتصادي بل على كل مستويات الحياة".
من جهته، يرى الناشط الحقوقي محمد ولد دويدي أنّ "لا أحد يشكك فى أهمية التعليم". لكنّه يسأل في حديث إلى "العربي الجديد": "ما هي آليات لحراطين لتحقيق تعليم جيد ومضمون لأبنائهم، في قطاع التعليم العمومي في المدن والأرياف؟ اليوم لا يوجد حرطاني غير مدرك لأهمية التعليم، لكنّ الظروف الاقتصادية في الغالب هي العائق الحقيقي في وجه ذلك". يضيف: "في الماضي، تعلّم لحراطين في ظروف اقتصادية كارثية، لكنّ الزمان اختلف ومتطلبات الحياة أصبحت ضرورة". ويستدرك ولد دويدي قائلاً: "لست من دعاة الجهل أو التجهيل، لكنّني مؤمن بأنّ الإصلاح الحقيقى يكمن في إصلاح السلطة التنفيذية. وإصلاح السلطة التنفيذية لن يكون من طرف المستفيد من تجهيل وجهل لحراطين. بالتالي، يجب أن نعمل على محاور عدة من دون تمركز حول محور واحد لا يمكن الحسم فيه".