بعد مرور ثلاث سنوات على بدء النزاع المسلح بين الجيش الأوكراني ومسلحي منطقة دونباس (دونيتسك ولوغانسك) الموالية لروسيا، أصبح شرق أوكرانيا يشكل بؤرة توتر جديدة في فضاء الاتحاد السوفييتي السابق. كما تتجه الأمور إلى تحول الصراع إلى نزاع متجمد بلا تسوية سياسية في الأفق، كما هو الحال في إقليم ترانسنيستريا في مولدافيا منذ قرابة ربع قرن. ومع ذلك، يشير رئيس مركز التكنولوجيا السياسية، بوريس ماكارينكو، إلى مجموعة من الاختلافات بين دونباس وترانسنيستريا، معتبراً أن تسوية أي نزاع تتطلب بالدرجة الأولى إرادة سياسية من جميع الأطراف.
ويقول ماكارينكو، في حديث لـ"العربي الجديد"، "يشبه الصراع في دونباس، نزاعاً متجمداً أكثر فأكثر، لكن الاختلاف يكمن في أن نزاع ترانسنيستريا منتهٍ من الناحية العسكرية، ويمكن التحرك بين هذا الإقليم وباقي أنحاء مولدافيا بحرية، وهو أمر لا ينطبق على دونباس، إذ تتكرر أعمال القتال بين الحين والآخر. أما الاختلاف الثاني، فيعود إلى أن ضلوع روسيا في دونباس أكبر منه في ترانسنيستريا، إذ إن أوكرانيا تشكل معنى رمزياً وأهمية خاصة إلى موسكو". ومع ذلك، يرفض الخبير الروسي الاعتبار أن اتفاقات مينسك فشلت، موضحاً، في هذا السياق، "نصت اتفاقات مينسك على وقف إطلاق النار، ويتم الالتزام به بشكل عام مع حدوث بعض الخروقات. ما يعرقل التسوية هو عدم إصدار كييف قوانين تتيح اندماج الانفصاليين في أوكرانيا، لكن من جانب آخر، لا ترى السلطات الأوكرانية إمكانية لبسط السيطرة على الحدود الأوكرانية الروسية في دونباس". وحول ما هو مطلوب لتسوية النزاع، يقول "تتطلب تسوية النزاع في دونباس إرادة سياسية من جميع الأطراف، شأنه في ذلك شأن أي نزاع آخر، مثل القضية الفلسطينية، أو الصراع في إقليم ناغورني قره باغ الواقع في أذربيجان، الذي تقطنه غالبية أرمينية".
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وقع في فبراير/شباط الماضي على مرسوم "الاعتراف المؤقت" بوثائق الهوية والشهادات التعليمية وأوراق سكان مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك، ما زاد من حدة التوتر بين موسكو وكييف. لكن، قبيل الذكرى الثالثة لاندلاع النزاع، توصلت مجموعة الاتصال حول أوكرانيا إلى اتفاق على "وقف كامل" لإطلاق النار، اعتباراً من 1 أبريل/نيسان 2017 لمناسبة اقتراب عيد الفصح. ورغم أن هذه المحاولة الجديدة لإقامة الهدنة أتت ببعض النتائج، إلا أن تبادل إطلاق النار لم يتوقف بشكل كامل، وسط تبادل طرفي النزاع الاتهامات بالمسؤولية عن الانتهاكات. ويعتبر الصحافي الأوكراني، فيتالي بورتنيكوف، أن فشل الهدنة كان أمراً متوقعاً، محملاً موسكو المسؤولية عن انتهاكات وقف إطلاق النار في دونباس. ويقول بورتنيكوف، في اتصال مع "العربي الجديد" من العاصمة الأوكرانية كييف، "لم أكن أتوقع شيئاً آخر. روسيا غير مهتمة بالهدنة في دونباس. استمرار القصف، وسقوط قتلى بين العسكريين والمدنيين، جزء هام من خطة بوتين لزعزعة استقرار الوضع في أوكرانيا".
ويحمّل الصحافي الأوكراني روسيا المسؤولية عن "التوجه نحو التخلي الفعلي عن الوفاء باتفاقات مينسك، لتحويل دونباس إلى إقليم ترانسنيستريا آخر، مع استمرار إطلاق النار على خط التماس، طالما تخضع الأراضي المحتلة لسيطرة الكرملين"، على حد قوله. ويتوقع بورتنيكوف أن "تختلف ذرائع إطلاق النار، بين الرد على القصف من قبل الجيش الأوكراني، والدعوات إلى استعادة وحدة أراضي جمهورية دونيتسك الشعبية، ومواجهة المخربين من أوكرانيا". ويضيف "علينا ألا نتوهم بأن تعود دونباس إلى حياة سلمية، وأنه لن يذكرنا بالنزاع سوى ضرورة تقديم وثائق الهوية عند عبور الخط الفاصل، كما هو الحال في ترانسنيستريا".
ويعتبر يوم 7 إبريل/نيسان 2014 تاريخاً لبدء النزاع شرق أوكرانيا، بعد إعلان رئيس البرلمان الأوكراني في ذلك الوقت، ألكسندر تورتشينوف، الذي كان قائماً بأعمال رئيس البلاد، عن تطبيق "إجراءات مكافحة الإرهاب" ضد كل من حمل السلاح. وجاء قرار كييف هذا بعد إعلان نشطاء موالين لروسيا عزمهم إجراء استفتاء لتقرير المصير، على غرار شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في مارس/آذار 2014، ورفضهم الاعتراف بالسلطات الأوكرانية الجديدة التي وصلت إلى سدة الحكم، بعد هروب الرئيس الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، في فبراير/شباط من العام ذاته، معتبرين أن ما حدث في كييف كان "انقلاباً". أما جمهورية ترانسنيستريا، فأعلنت في العام 1990 استقلالها عن جمهورية مولدافيا السوفييتية آنذاك، ما أسفر عن وقوع نزاع مسلح في 1992، تحول بعد ذلك إلى نزاع متجمد، بعد تحرك موسكو وإرسال جنود حفظ سلام روس إلى منطقة القتال.