عاد ملف الإشراف على الانتخابات إلى واجهة النقاش السياسي في المغرب، بعد أن دعت أحزاب المعارضة البرلمانية إلى تقليص دور وزارة الداخلية في تدبير الاستحقاقات الانتخابية، وتشكيل لجنة وطنية، يترأسها قاضٍ، للإشراف عليها.
وبدا لافتاً، قبل أيام من استئناف الجولة الثالثة من المشاورات السياسية بين وزارة الداخلية والأحزاب المغربية، تحضيراً للانتخابات المنتظر تنظيمها في 2021، دعوة أحزاب "الاستقلال" و"الأصالة والمعاصرة" و"التقدم والاشتراكية"، في ندوة صحافية نظمتها أول أمس الأربعاء، إلى تشكيل لجنة وطنية للانتخابات يترأسها قاضٍ، تكون مكلفة بالتنسيق والتتبع ومواكبة الانتخابات، وذات طابع مختلط، إذ تتكون بالإضافة إلى ممثلي الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية الممثلة في البرلمان، من ممثلين عن الحكومة والسلطة القضائية، وتكون بمثابة آلية للتشاور والإعداد والتتبع، على أن تتكلف الحكومة بالتدبير الإداري للانتخابات.
الحضور القوي لوزارة الداخلية في المنظومة الانتخابية يُصعب أمر الاستجابة لمطالب أحزاب المعارضة
وفي الوقت الذي اعتبر فيه الأمين العام لحزب "التقدم والاشتراكية"، نبيل بنعبد الله، خلال الندوة الصحافية التي خصصت لعرض مشروع مذكرة أحزاب المعارضة في شأن الإصلاحات السياسية والانتخابية، أن "تشكيل لجنة وطنية للانتخابات يترأسها قاضٍ مطلب قائم من أجل ضمان مصداقية العملية الانتخابية ومحاربة الفساد"، يثار أكثر من سؤال حول إمكانية تحقق هذا المطلب، بعد نحو 60 سنة من تحكم الوزارة في كل أشواط الإعداد للمسلسل الانتخابي، بدءاً من اللوائح والتقطيع وتشكيل المكاتب، وصولاً إلى عمليات الفرز وإعلان النتائج، بل أيضاً من خلال ما دأبت على تسميته بيانات أحزاب اليسار صنع الخريطة السياسية.
وفي حقيقة الأمر، فإن مطلب المعارضة البرلمانية الحالية ليس بالأمر الجديد، إذ كانت قد طالبت به من قبل أحزاب الحركة الوطنية، خلال سبعينيات القرن الماضي، وأيضاً الكتلة الديمقراطية في العام 1992، في مذكرتها الشهيرة حول الإصلاح السياسي والدستوري، التي أكدت على ضرورة إنشاء هيئة مستقلة، للإشراف على الانتخابات، تتمتع بالاستقلالية التامة عن أجهزة الدولة، لضمان نزاهة الانتخابات واحترام الإرادة الشعبية للناخبين.
كما عاد المطلب إلى الواجهة قبل تشريعيات 2016، حين طالب كل من حزبي "الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" بلجنة مستقلة للانتخابات، قبل أن يتم إعادته إلى ساحة النقاش السياسي، قبيل انطلاق الجولة الأولى من المشاورات بين رئيس الحكومة سعد الدين العثماني وقيادات الأحزاب في بداية مارس /آذار الماضي، حين اعتبر حزب "الاستقلال" أن من بين المطالب الراهنة في المشهد السياسي المغربي قبيل استحقاقات 2021، تلك المتعلقة بإشراف هيئة مستقلة على الانتخابات، باعتبارها تشكل الوسيلة الوحيدة للقطع مع ماضي التزوير والتدخل الذي عاشته المحطات الانتخابية السابقة.
إعادة طرح مطلب لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات يُراد به إحراج الحكومة
كما جدد ممثلو فيدرالية اليسار الديمقراطي، خلال جولة المشاورات السياسية، مطلبهم بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، وإنهاء إشراف وزارة الداخلية على تلك العمليات، من أجل إعطاء المزيد من الشفافية والمصداقية للمسلسل الانتخابي، والقطع مع كل ما من شأنه أن يشوب الانتخابات من تلاعبات أو تزوير، وينهي ما ظلت الأحزاب تشتكي منه في الانتخابات السابقة، من حياد سلبي للإدارة، أمام الاستغلال الفاحش للمال في الانتخابات، وشراء الضمائر، وإفساد الانتخابات.
ولئن كانت بعض الأحزاب تدعو إلى إبعاد وزارة الداخلية عن إدارة الانتخابات المقبلة، فإن الثابت أن الحضور القوي للوزارة في المنظومة الانتخابية يُصعب أمر الاستجابة لمطالبها بإشراف لجنة مستقلة على الانتخابات المرتقبة سنة 2021. كما أن التغيير في المسار الانتخابي من حيث الإشراف، يصطدم بصعوبة تتجسد في ضيق الوقت، إذ إن الأمر يتطلب تغييراً هيكلياً لمنظومة قانونية تعطي الهيمنة لوزارة الداخلية، وهو ما لا يمكن تحققه في ظرف سنة على موعد الانتخابات.
وبحسب الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير، فإن طرح مطلب هيئة وطنية للإشراف على الانتخابات، للنقاش اليوم، يوضح، بالنظر إلى الزمن الفاصل عن تنظيمها، عدم جدية المطالبين به، مشيرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "يصعب، من الناحية العملية، تحقق ذلك، إذ يعتبر من سابع المستحيلات تكوين هيئة تستطيع، في الوقت الحالي، الإعداد والإشراف على الانتخابات بكل مراحلها، بدءا من التسجيل في اللوائح الانتخابية، مروراً بمراجعة الترسانة القانونية المتعلقة بالتقطيع والدوائر، ووصولاً إلى إعلان النتائج". وترى لموير أنه "بالنظر إلى المدة الزمنية القصيرة التي تفصلنا عن الانتخابات القادمة، وما يتطلبه ذلك من ضرورة تغيير الترسانة القانونية، فإن إعادة طرح مطلب لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات يُراد به إحراج الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية". وتضيف "من المؤسف أن مقترحات المعارضة لم تأت بجديد، إذ تكرر نفس المطالب التي سبق أن تقدمت بها. مطلب إشراف هيئة مستقلة على الانتخابات قديم، وكان مطروحاً قبل التناوب التوافقي لأحزاب المعارضة، وكان حينها له وجاهته، على اعتبار المناخ السياسي السائد آنذاك، قبل حصول توافق بين أحزاب الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية. لكن، اليوم، في ظل أجواء الثقة، وبعد قيادة الاتحاد الاشتراكي والاستقلال لحكومتين، وعدم دفعهما في اتجاه تشكيل هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، يظهر أن الغاية من المطلب هي رفع الصوت أكثر من الدفع لتشكيل الهيئة".
ويرى أستاذ العلوم السياسية محمد شقير أن "اقتراح لجنة وطنية للإشراف على الانتخابات المقبلة يعيد إلى الأذهان اقتراحات بعض الأحزاب في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان يتم فيه تزوير الانتخابات وتحديد حصص المقاعد لكل حزب، ويطرح أكثر من علامة استفهام حول الأسباب التي دفعت تلك الأحزاب إلى إعادة اقتراحها بعدما تم القطع في عهد الملك محمد السادس مع تلك الممارسات". ويتساءل شقير، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "هل يعود الأمر إلى مزايدات سياسية ورغبة في التميز أم أن الأمر يرجع إلى تأثير قيادة حزب التقدم والاشتراكية، الذي أبعد أمينه العام وبعض وزرائه عن الحكومة بشكل مهين؟ أم يمكن أن يكون الأمر محاولة من تلك الأحزاب لسحب البساط من وزارة الداخلية المتحكمة في الملف الانتخابي وتعويضها بهذه اللجنة المكونة من فعاليات حزبية ونقابية وقضائية، الشيء الذي لن تقبله الوزارة المعنية". ويلفت إلى أنه "يمكن، انطلاقاً من تلك الفرضيات، التكهن بأن مطلب تلك الأحزاب بلجنة وطنية للإشراف على الانتخابات يدخل ضمن رسائل سياسية، عنوانها البارز التموضع الانتخابي".