وما يزيد من خطورة وضع الحزب، الذي يُسيطر حالياً على 343 من أصل 450 مقعداً في مجلس الدوما (البرلمان) الروسي، هو اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في روسيا في العام 2021، واحتمال فقدانه الأغلبية الدستورية، في حال استمر تراجع شعبيته بهذه الوتيرة.
ومنذ الإعلان عن إصلاح الرفع التدريجي لسنّ التقاعد في منتصف عام 2018، يعاني "روسيا الموحدة" من تهاوي شعبيته من حوالي 50 في المائة، إلى ما بين 30 و35 في المائة فقط. كما لم يسلم بوتين نفسه وحكومة ديميتري مدفيديف من تراجع نسبة التأييد.
وفتح هذا الوضع مجالاً للتكهنات حول احتمال إصلاح قانون الانتخابات لزيادة عدد النواب في الدوما المنتخبين بالدوائر الفردية بدلاً من القائمة النسبية، وحتى إقامة مشروع بديل موالٍ للسلطة، لإخفاء "روسيا الموحدة" ضمن ائتلاف أكبر مؤيد لبوتين.
وفي هذا الإطار، يعتبر مدير عام "مركز المعلومات السياسية" في موسكو، أليكسي موخين، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "المؤتمر الـ19 لروسيا الموحدة أظهر بوضوح مطالبة بوتين له بأن يصبح حزباً متكامل الأركان، يذهب إلى إحداث تغيير بداخله، ويعمل على إعلاء القضايا الاجتماعية، والدفاع عن مصالح الناخبين، وليس مجرد طبعة للسلطة التنفيذية".
ويضرب مدير عام "مركز المعلومات السياسية" في موسكو، أمثلة على سوء أداء الحزب الروسي الحاكم، بـ"مصادقته على تحقيق مشاريع قومية كبرى، قام لاحقاً بغسل يديه فعلياً منها، ليفقد السيطرة على الوضع بشكل عام". ويذهب موخين إلى التذكير بأن "حال العديد من حكام الأقاليم وصلت إلى حدّ خوضهم الانتخابات المحلية في سبتمبر/أيلول الماضي كمرشحين مستقلين، لتفادي وصمة الحزب، الذي يحاول الآن إعادة تعيينهم رؤساء لفروعه".
وأثناء انتخابات مجلس دوما موسكو التي جرت في سبتمبر الماضي وسط موجة من الاحتجاجات وحملة اعتقالات واسعة، خاض جميع مرشحي "روسيا الموحدة" السباق كـ"مستقلين"، من دون أن يمنع ذلك فوز مرشحي المعارضة بـ20 من أصل 45 دائرة.
ومع ذلك، انتقد رئيس حزب "روسيا الموحدة"، رئيس الوزراء الروسي، ديميتري مدفيديف، خلال المؤتمر، هؤلاء المرشحين الذين خاضوا سباق الانتخابات كـ"مستقلين"، معتبراً أنه كان عليهم "الافتخار بانتمائهم الحزبي". ودعا مَن يشعر بالخجل إلى الانسحاب من الحزب وإفساح الساحة لمن يؤمن بمستقبله.
وحول التداعيات المحتملة لعجز الحزب الحاكم عن مواكبة التغييرات، يرى موخين أن "نسبة التأييد الشعبي لحزب "روسيا الموحدة" التي تبلغ اليوم حوالي 30 في المائة، هي قابلة للانخفاض إلى 20 في المائة، وقد يخسر الحزب الأغلبية الدستورية بعد الانتخابات التشريعية في عام 2021، وحتى بوتين نفسه قد يتخلى عن دعمه ما لم يتم تنفيذ تكليفاته".
من جهتها، ذكّرت الباحثة في مركز "كارنيغي" في موسكو، تاتيانا ستانوفايا، بأن "روسيا الموحدة" مرّ خلال العامين الماضيين باختبارين قاسيين، أولهما إصلاح رفع سن التقاعد وتحمل المسؤولية السياسية عنه، وثانيهما هروب النخب، في ظل إصرار حكام الأقاليم على خوض الانتخابات كمستقلين. وأشارت إلى أن الترشح بعيداً عن الحزب لم يعد بذلك حكراً على السياسيين الكبار، مثل بوتين، أو رئيس بلدية موسكو سيرغي سوبيانين.
وفي ورقة نشرت في موقع المركز، تناولت ستانوفايا الآفاق المستقبلية لـ"روسيا الموحدة"، مستبعدة في الوقت ذاته احتمال تفكيك الحزب لسببين رئيسيين، هما أولاً الموقف الشخصي لبوتين الذي يعتبره سنداً ضرورياً للسلطة، وخطورة أي مشروع حزبي أو فوق حزبي بديل على النظام الحاكم، في ظلّ قناعة الكرملين بأن "روسيا الموحدة" له نواته الصلبة من الناخبين بواقع حوالي 30 في المائة، بالإضافة إلى الناخبين المتأرجحين.
ورجحت المحللة السياسية أن "روسيا الموحدة" ومن يحاولون إنقاذه لا يعتزمون التعامل مع تحديات المستقبل، بل يبحثون عن الطريق للعودة إلى الماضي، حين كان يحصل الحزب على الأغلبية النسبية أو حتى الدستورية. وخلصت إلى أن مؤتمر "روسيا الموحدة" أكد رغبة الكرملين وبوتين شخصياً في رد الاعتبار إلى الحزب وحمايته من التوجهات الهدامة، ولكن بدون إجراء أي إصلاحات أو مشاريع مستقبلية.