31 أكتوبر 2024
هل ماتت ثورة 25 يناير تحت التعذيب؟
قال المحامي المصري، نجاد البرعي، وهو ناشط حقوقي لم يعرف عنه أنه من الاتجاه الإسلامي، تصريحات في غاية الأهمية عن النظرة القضائية لمرتكبي جرائم القتل العمد لمعتقلين، وكان يتحدث في مداخلة هاتفية عبر قناة مصرية معروفة، ليست معارضة بالطبع، (فلا صوت للمعارضة في مصر)، قال إن الحكم الصادر ضد ضابطيْ الأمن الوطني المتهميْن بتعذيب المحامي كريم حمدي في قسم المطرية حتى الموت يعد استمراراً لنهج قضائي بمراعاة الرأفة مع الضباط، في الوقت الذي يأخذ المواطنين بأحكام مشدّدة. وقال أيضا إن القانون ينص على أنه "إذا مات المتهم تحت التعذيب لأجل الاعتراف يحكم بتهمة القتل العمد". استخدمت المحكمة، كما لاحظ، "الرأفة"، وأغلقت الطريق على المدّعين بالحق المدني للطعن بالنقض. وبهذا، كما يرى نجاد، تكون المحكمة وجهت رسالة للمُعذِبين في وزارة الداخلية أن القضاء المصري سيأخذهم بالرأفة. لذلك، فإن "التعذيب سيستمر في أقسام الشرطة". وفي النهاية، يقول نجاد بما يشبه اليأس: "الحكم بالسجن خمس سنوات أحسن من مفيش (!) إحنا كنا فين وبقينا فين. دول ضباط أمن وطني"، إلا أنه يطالب "ببتر هؤلاء المجرمين وفصلهم من الخدمة ودفعهم تعويضات لإساءتهم لجهاز الشرطة".
"أحسن من مفيش" تختصر حكاية ثورة، قد تكون ماتت تحت التعذيب، أو ربما هي في حالة موت سريري، تنتظر من يوقظها من غيبوبةٍ قد تطول، بعد أن عاد المشهد المصري إلى نقطة الصفر، بعد مرور خمس سنوات على ثورةٍ، ثمّة من يشكك في أنها كانت ثورة بالفعل، فالثورات لا تغير "رأس" النظام فقط، بل تغير النظام كله، وإلا فهي تتيح للثورة المضادة أن "تضع" رأساً بديلاً للنظام القائم، وتعيد الأمور إلى ما كانت عليه، بل ربما أسوأ مما كانت عليه.
كان نجاد يعقّب على تعذيب اثنين من ضباط الأمن الوطني (الجهاز الذي حلّ اسماً محل جهاز أمن الدولة) المحامي كريم حمدي في أثناء التحقيق معه للاشتباه في انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، ما أدى إلى إصابته في الرقبة وكسر بالضلوع من الثاني للثامن وتهتك بالرئة وكدمة بالقلب ونزيف داخلي أدى إلى الموت، وتم الحكم عليهما بالسجن 5 سنوات.
مات تحت التعذيب، عبارة صارت متداولة على نطاق واسع في أم الدنيا، ولم يعد من المستغرب أن تقرأ أو تسمع في الإعلام المصري "شبه الرسمي"، من يتحدّث ويكتب عن هذه الظاهرة، جزءاً من الحديث عن الظروف المريعة التي يعيشها المعتقلون السياسيون، مقارنة مع الظروف الباذخة التي كان يعيشها الجاسوس الصهيوني المفرج عنه حديثاً من السجون المصرية، عودة الترابين، الذي تبرأت منه قبيلته، والذي قال إن ظروف اعتقاله كانت مشابهة لظروف "رئيس الجمهورية الأسبق" حسني مبارك، حيث كانت لديه ثلاجة ومايكروويف، وكان يعد طعامه بنفسه، لأن طعام السجناء "سيئ" على حد قوله، عازياً هذا كله إلى أنه "إسرائيلي"، وبسبب نفوذ السفارة الإسرائيلية.
تقول معلومات وثقتها منظمات حقوقية دولية محايدة إن عدد الذين قتلوا تحت التعذيب،
والإهمال الطبي، في سجون أم الدنيا، من 3 تموز/يوليو 2013 وحتى الآن، يزيد كثيراً على 350 معتقلا، (ناهيك عن المختفين قسراً، وغير المعترف بموتهم!) وتراوحت أسباب الموت بين الصعق الكهربائي وقطع أجزاء من الجسد، مروراً بتكسير العظام والشبح، ومنع العلاج، أو الإعلان عن الانتحار مثلاً، كما حصل يوم الثلاثاء الماضي، حين أُعلن انتحار أحد أعضاء الإخوان المسلمين في سجن أبو حماد. وعدد الذين "يقتلون" تحت التعذيب، رقم قياسي، ليس في مصر فقط، بل في العالم كله، ووفاة شخص واحد تحت التعذيب في أي بلد كفيل بقيام ضجة كبرى، فكيف بقتل المئات؟
الموت تحت التعذيب ليس هو السبب الوحيد للموت في مصر، ثمّة موت كثير أيضا لأسباب شتى، ثمة الموت قهراً وكمداً على ثورة أكلت أبناءها، وقدمت "نموذجاً" قاتماً للثورات، ألقت بظلالها السوداء على كل البلاد العربية، سواء تلك التي تحول فيها الربيع إلى فصل شيطاني من الاقتتال الدموي، أو التي كانت على أمل الثورة، منتظرة نموذجا مُلهما، للاقتداء به، والسير على خطاه!
كل أو جل من كتب عن الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير المصرية اعترف، على نحو أو آخر، أن الأمور عادت إلى المربع الأول، وكأن الثوار ما ثاروا، وكأن مصر لم تزل تسمع هتافات "كلنا خالد سعيد"، وخالد سعيد، لمن نسي، هو الشاب السكندري الذي توفي بعد تعذيبٍ على يد أفراد الشرطة، وانتشرت صور عديدة له على مواقع التواصل، وخرجت وزارة الداخلية المصرية وقتها تقول إن وفاته جاءت نتيجة ابتلاعه لفافة "بانجو"، فكانت صوره مفجرة للثورة، وملهمة للثوار، وها هم المصريون اليوم، بعد خمسة أعوام، يحارون فيمن يضعون مكان اسم خالد سعيد، فكلهم، يمكن أن يكونوا هو، بعد أن تكاثر "الخالدون" على نحو يستعصي على الحصر.
المؤكد في ظل كل هذا السواد أن الشعوب لا تموت، حتى ولو دخلت ثوراتها في غيبوبة، فثمّة صحو فجائي، لا يعرف توقيته أحد، وأسباب الثورة لم تزل قائمة، بل ثمة أسباب أخرى لم تكن موجودة، تدعو إلى اجتراح "طبعة مزيدة ومنقحة" من ثورة محصنة ذاتياً ضد المصادرة والقهر، والموت تحت التعذيب.
"أحسن من مفيش" تختصر حكاية ثورة، قد تكون ماتت تحت التعذيب، أو ربما هي في حالة موت سريري، تنتظر من يوقظها من غيبوبةٍ قد تطول، بعد أن عاد المشهد المصري إلى نقطة الصفر، بعد مرور خمس سنوات على ثورةٍ، ثمّة من يشكك في أنها كانت ثورة بالفعل، فالثورات لا تغير "رأس" النظام فقط، بل تغير النظام كله، وإلا فهي تتيح للثورة المضادة أن "تضع" رأساً بديلاً للنظام القائم، وتعيد الأمور إلى ما كانت عليه، بل ربما أسوأ مما كانت عليه.
كان نجاد يعقّب على تعذيب اثنين من ضباط الأمن الوطني (الجهاز الذي حلّ اسماً محل جهاز أمن الدولة) المحامي كريم حمدي في أثناء التحقيق معه للاشتباه في انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، ما أدى إلى إصابته في الرقبة وكسر بالضلوع من الثاني للثامن وتهتك بالرئة وكدمة بالقلب ونزيف داخلي أدى إلى الموت، وتم الحكم عليهما بالسجن 5 سنوات.
مات تحت التعذيب، عبارة صارت متداولة على نطاق واسع في أم الدنيا، ولم يعد من المستغرب أن تقرأ أو تسمع في الإعلام المصري "شبه الرسمي"، من يتحدّث ويكتب عن هذه الظاهرة، جزءاً من الحديث عن الظروف المريعة التي يعيشها المعتقلون السياسيون، مقارنة مع الظروف الباذخة التي كان يعيشها الجاسوس الصهيوني المفرج عنه حديثاً من السجون المصرية، عودة الترابين، الذي تبرأت منه قبيلته، والذي قال إن ظروف اعتقاله كانت مشابهة لظروف "رئيس الجمهورية الأسبق" حسني مبارك، حيث كانت لديه ثلاجة ومايكروويف، وكان يعد طعامه بنفسه، لأن طعام السجناء "سيئ" على حد قوله، عازياً هذا كله إلى أنه "إسرائيلي"، وبسبب نفوذ السفارة الإسرائيلية.
تقول معلومات وثقتها منظمات حقوقية دولية محايدة إن عدد الذين قتلوا تحت التعذيب،
الموت تحت التعذيب ليس هو السبب الوحيد للموت في مصر، ثمّة موت كثير أيضا لأسباب شتى، ثمة الموت قهراً وكمداً على ثورة أكلت أبناءها، وقدمت "نموذجاً" قاتماً للثورات، ألقت بظلالها السوداء على كل البلاد العربية، سواء تلك التي تحول فيها الربيع إلى فصل شيطاني من الاقتتال الدموي، أو التي كانت على أمل الثورة، منتظرة نموذجا مُلهما، للاقتداء به، والسير على خطاه!
كل أو جل من كتب عن الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير المصرية اعترف، على نحو أو آخر، أن الأمور عادت إلى المربع الأول، وكأن الثوار ما ثاروا، وكأن مصر لم تزل تسمع هتافات "كلنا خالد سعيد"، وخالد سعيد، لمن نسي، هو الشاب السكندري الذي توفي بعد تعذيبٍ على يد أفراد الشرطة، وانتشرت صور عديدة له على مواقع التواصل، وخرجت وزارة الداخلية المصرية وقتها تقول إن وفاته جاءت نتيجة ابتلاعه لفافة "بانجو"، فكانت صوره مفجرة للثورة، وملهمة للثوار، وها هم المصريون اليوم، بعد خمسة أعوام، يحارون فيمن يضعون مكان اسم خالد سعيد، فكلهم، يمكن أن يكونوا هو، بعد أن تكاثر "الخالدون" على نحو يستعصي على الحصر.
المؤكد في ظل كل هذا السواد أن الشعوب لا تموت، حتى ولو دخلت ثوراتها في غيبوبة، فثمّة صحو فجائي، لا يعرف توقيته أحد، وأسباب الثورة لم تزل قائمة، بل ثمة أسباب أخرى لم تكن موجودة، تدعو إلى اجتراح "طبعة مزيدة ومنقحة" من ثورة محصنة ذاتياً ضد المصادرة والقهر، والموت تحت التعذيب.