هل كان صلاح الدين إخوانيّاً؟

03 ابريل 2015
+ الخط -

في الوقت الذي تتعامل فيه سلطة الانقلاب في مصر بانفتاح غير مسبوق على الآخر الأجنبي، لا سيما إذا كان هذا الآخر هو الكيان الصهيوني، نجدها تتعامل بجفاء وقطيعة مع كل ما هو إسلامي، بل اتهام ووصم كل إسلامي بالإرهابي، عن طريق تلبيس الأمور، وتشويه الحقائق بأساليب ملتوية وخادعة، بغرض تبرئة الإسلام (كما يقولون) كديانة من تهمة العنف والإرهاب وتنقية التراث من الأفكار المتخلّفة الشاذة، أو هكذا تدعي السلطة الحاكمة الآن، ولم نسمع، أو نرى، إدانة تذكر أو استنكاراً لإرهاب الغرب المتصهين مادياً وفكرياً ومحاربته الإسلام والمسلمين حول العالم وحروبه الصليبية قروناً، واحتلاله ديار الإسلام عقوداً طويلة، فضلاً عن مذابحه النكراء بحق الأبرياء من المسلمين.
تحاول سلطة الانقلاب ترويج حقيقة لا تنطلي سوى على الأغبياء فقط، مفادها بأن تنقية الدين الإسلامي من مضمونه هو الحصانة الوحيدة من تنامي ظاهرة العنف والسبيل الوحيد للخلاص من الإرهاب، وإن شئنا فلنقل تجفيف منابع الإسلام عبر هدم التراث بلا تمييز بحجة التنقية، وتقديم دين آخر غير الذي ندين به، دين منزوع البركة والتأثير، دين لم ينزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم من السماء، ولم يدع له يوماً ما، ففي كل خطابٍ أو حديثٍ لرأس السلطة الانقلابية، تجده، دائماً، يطنطن على أسطوانتين مشروختين، القاسم المشترك بينهما هو إدانة الإسلام بالعنف والتطرف، وتثبيت تهمة الإرهاب به، تماهياً مع سياسات الغرب العنصرية تجاه الإسلام والمسلمين. الأولى، ضرورة تجديد الخطاب الديني (والمقصود تغيير الدين من الجذور)، والثانية حتمية التحالف الدولي والإقليمي لمحاربة الإرهاب (الإسلامي بطبيعة الحال).
يدّعي بعض أتباع الجنرال عبد الفتاح السيسي وأنصاره أنه محرر القدس الجديد الذي جاء ممتطياً جواده ليضرب كل صهيوني على أرض فلسطين، ليحرر القدس الشريف من أيادي الأعداء! وإذا بمحرر القدس الجديد يهيل التراب على محرر القدس القديم العظيم، صلاح الدين الأيوبي، القائد الإسلامي المخلص المحنك الذي حذفت وزارة التربية والتعليم درساً يتناول سيرته، وكذا فاتح أفريقيا البارز وسبب انتشار الإسلام فيها، عقبة بن نافع، بدعوى أن ما تحتويه هذه الدروس من أفكار، تحث على العنف والتطرف، وتشير إلى مسمياتٍ، مثل القتال وحرب العصابات وطرد الصليبيين، كما تقول حيثيات الحذف، أي أن صلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع يحضان على الإسلام، بتعبيرٍ أدق، وبمعنى أكثر وضوحاً.
تتعهد سلطة الانقلاب للعالم الغربي الحر بإزالة كل ما من شأنه تعكير صفو العلاقة الحميمة بيننا وبينهم، وأسباب ذلك التعكير، بالطبع، هي ثوابت الشريعة الإسلامية الداعية إلى الكراهية والعنف! وأن الدين الإسلامي ينبغي أن يكون حداثياً ليبرالياً يقبل بالمبدأ المسيحي (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله). وفي المقابل، تنبطح أمام الحضارة الغربية والصهيونية العالمية بالتنسيق والتطبيع والإعجاب والانبهار، وكأن حضارة الإسلام العظيمة وتراث وتاريخ المسلمين المشرّف يستوجب منّا، كمسلمين، التبرّؤ منه، والانسلاخ عن ماضينا العريق، إرضاءً للعدو، وتقديم مصر على أنها ليست جزءاً من هذه الحضارة الإسلامية، وهذا الدين الحنيف، وكأننا نعتذر للغرب عن تحرير أوطاننا من نير احتلالهم وصد حملاتهم الصليبية، واعترافاً منّا بأنهم ليسوا معتدين، أو محتلين أراضينا، بل ضيوفاً أعزاء.
السلطة التي لا ترى في اسرائيل كياناً ارهابياً إجرامياً، على الرغم من جرائم الحرب التي ارتكبتها في حق الشعب المصري في 1956 و1967 على أرض سيناء المنكوبة، فضلاً عن مجازرها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمستمرة، بالتهويد والقتل والاعتقال والحصار والتجويع، على الرغم من تقديم المزيد والمزيد من التنازلات والجنوح للسلم بلا مقابل! لا ترى هذه السلطة غضاضة، أبداً، في اعتبار القائد البطل، صلاح الدين الأيوبي، أحد عناصر جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، أو ربما أحد خلاياها النائمة في سياق الحالة التي تعيشها مصر الآن، من اعتبار كل معارض لها إخوانياً، وبالتالي إرهابياً، ما يجعلنا نتساءل بسخرية مبكية، إذا ما صدقنا، في السابق، أن الإخوان هم سبب سقوط الأندلس: هل كان صلاح الدين الأيوبي إخوانياً، على الرغم من مرور قرون على وفاته؟

 

9938AA1B-08AC-433C-B777-5EEAA66EDC81
9938AA1B-08AC-433C-B777-5EEAA66EDC81
رضا حموده (مصر)
رضا حموده (مصر)