09 نوفمبر 2024
هل قرارات اليونيسكو حبرٌ على ورق؟
بين المنظمات والوكالات التابعة للأمم المتحدة، تتميز منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) بأنها دأبت على اتخاذ مواقف موضوعية من القدس العربية المحتلة، ومن الأماكن المقدسة في المدينة، مع رفض التعامل مع نتائج التهويد القسري للمدينة من طرف الاحتلال، وأصدرت في ذلك أزيد من ثمانين قراراً منذ العام 1967. وتأتي القرارات الصادرة أخيراً عنها تتويجاً لقرارات سابقة، ذهبت جميعها إلى تأكيد لطابع العربي والإسلامي والمسيحي لبيت المقدس. وما كان لهذه القرارات أن تصدر لولا روح المبادأة التي اتسم بها التمثيل العربي في المنظمة، بما يعتبر بحق قصة نجاح عربية، تستحق البناء عليها ومراكمتها، وليس مجرد الانتشاء بها، وكذلك العمل على استثمار ما تحقق في الميدان السياسي.
شكّلت هذه القرارات ضربة شديدة للمزاعم الاسرائيلية حول ملكيةٍ يهوديةٍ جزئيةٍ للمسجد الأقصى، ولانتساب القدس إلى تراثٍ يهودي، حسب هذه المزاعم التي كان، وما زال، يجري توظيفها إسرائيلياً، لوضع اليد على المدينة المقدسة، وإزالة الطابع العربي والفلسطيني والإسلامي والمسيحي عنها. وقد قوبل الجهد المحموم بهذا الاتجاه بقدرٍ كبيرٍ من اللامبالاة ومراعاة الاحتلال، في دوائر غربية سياسية ودينية عقوداً، على الرغم مما تمثله القدس من رمزيةٍ دينيةٍ مسيحية عالية.
واجهت حكومة نتنياهو قرارات اليونيسكو بقدرٍ كبير من السخط والانفعالات السلبية. اذ بدت القراراتُ أقسى عليهم مما تتوقع أركان هذه الحكومة، وهو ما حمل العنصري المهووس، نتنياهو، إلى الإعلان عن أنه سيشارك بنفسه في الحفريات تحت أساسات المسجد الأقصى. واللافت أن الاحتلال عمد، منذ البداية، إلى تصوير العبث الخطير بالمسجد وبالحرم القدسي الشريف الذي تزيد مساحته أضعافاً عن مساحة باحة الأقصى بأنه من قبيل البحث العلمي الذي تقوم به الجامعة العبرية!. وكأن الجامعات مسموح لها تخريب مقتنياتٍ تاريخيةٍ تعود للغير، وتحت سطوة القوة المسلحة، وهو ما تنبهت له اليونيسكو مبكّرا. ففي 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 1974، أصدر المؤتمر العام (الجمعية العامة) لليونيسكو قرارا أوضح فيه أنه:
"بالنظر إلى أنه من العبث الادّعاء، كما فعل وفد إسرائيل، أن الحكومة الإسرائيلية، احتراماً منها للحريات الجامعية، ليست مؤهلة للأمر بإيقاف الحفائر الأثرية الجارية في القدس، والتي تعرّض للخطر الممتلكات الثقافية الثمينة التي لا تدخل في مجال خطط بحوث إسرائيل، وتهدد السلام في المنطقة، وإذ يؤكد رسمياً حق كل شعبٍ في ألا يحرم من الشواهد المهمة على ماضيه، باسم البحث عن آثار ثقافية أخرى".
ويرى أن "أي مجتمعٍ، مهما كان متحرّراً لا يمكن أن يتمثل في مجتمعٍ فوضوي، وأنه في
إسرائيل، أكثر من مكان آخر، لا تستطيع السلطات الجامعية أن تنتهك حرمة المنازل أو الممتلكات للأرضي الأجنبية، من دون عقوبةٍ تحت قناع الجامعة، وبالنظر إلى أنه لم يكن في الإمكان إجراء هذه الحفائر الأثرية، إلا بعد موافقة الحكومة وترخيصها التي اتخذت لهذا الغرض تدابير تشريعية وتنظيمية، وإجراءاتٍ لنزع الملكية، أدانتها كلها، بصراحة، الأمم المتحدة، وطالبت بإلغائها مختلف أجهزته".
وبينما يذهب كثيرون، في أوساط عربية وفلسطينية، إلى أن هذه القرارات، على صوابيتها وإيجابها، لا تعدو أن تكون حبراً على ورق، مقارنةً بالأمر الواقع القائم في المدينة، وفي الأماكن المقدسة، فإنهم يغفلون عن أن القرارات الدولية بشأن القدس المحتلة هي التي تمنع سائر دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، من افتتاح سفاراتٍ لها في المدينة المحتلة. وأن المشكلة تكمن حقاً في مكان آخر، إذ إن عدم استثمار هذه القرارات الدولية، من أجل تصعيد المواجهة السياسية والقانونية ضد الاحتلال، هو ما يُبقي القراراتِ حبراً على ورق، وليس طبيعة هذه القرارات نفسها التي تظلّ تمتلك قوةً معنويةً وسياسية كبيرة.
ويفترض الآن أن صدور قرارات اليونيسكو في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري يشيع مناخاً جديداً ينزع أية شرعية مزعومة عن إجراءات الاحتلال، وتظهر المحتلين ومستوطنيهم وجنودهم على أنهم قوى معتدية، تنتهك جوهر القوانين الدولية ونصوصها. إضافة إلى الانتهاك الحسي لحقوق الطرف الرازح تحت الاحتلال، شعباً وأفراداً، علاوة على التحدي المُشهر في وجه الرعاية الأردنية للمقدسات الإسلامية والمسيحية.
يوفر المناخ الإيجابي المستجد فرصةً للطرفين، الفلسطيني والأردني (لكليهما يعود الفضل في التقدم بمشاريع القرارات إلى اليونيسكو التي تبناها بعدئذ ممثلو سبع دول عربية) لنقل الاهتمام بالقدس إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ابتداء من دعوة الاحتلال إلى وقف تعدياته المشينة على المسجد الأقصى والحرم الشريف وما حوله، والكفّ عن استباحة الأماكن المقدسة، باعتبار ذلك سلوكاً عنصرياً ذا طابع إرهابي، يتعدّى على حقوق الغير وممتلكاتهم، وعلى إرثهم الديني والروحي، تماماً كما تسلك جماعاتٌ إرهابية في عالمنا. ثم الانتقال من الجمعية العامة إلى مجلس الأمن، سعياً إلى استصدار قرارٍ يزكّي قرار الجمعية العامة. وفي حال فشل ذلك، فإنه يمكن لقرار الجمعية العامة أن يشكل فرصةً تتم من خلالها دعوة دول العالم إلى التعامل مع تل أبيب، وفقاً لما يقتضيه القرار المزمع.
الأردن مدعوٌ إلى التحرك، في هذا الاتجاه، باعتباره قائماً بالرعاية للأماكن المقدسة، والطرف
الفلسطيني مدعوٌ، بدوره، إلى ذلك باعتبار القدس الشرقية عاصمةً لدولة فلسطين التي تتمتع بوضعية عضوٍ مراقب في الأمم المتحدة. والسعي، خلال ذلك، إلى استصدار قرارٍ ينص على أن التعدّيات الإسرائيلية على الأقصى وعلى الحرم شأنها شأن الاستيطان وجدار الضم والتوسع، ومختلف أوجه التنكيل الفردي والجماعي، تمثل، في مجملها، سلوكاتٍ بغيضةً وغير مشروعة، تقوّض أي مسعىً للسلام، وتغلق الطريق أمام المفاوضات، وتضع الدولة المعتدية في مصاف دولةٍ مارقةٍ من الواجب مقاطعتها في مختلف الميادين، إلى أن ترضخ لمقتضيات القانونين، الدولي والإنساني، وللقرارات الدولية ذات العلاقة.
ويملك الأردن، في هذا الخصوص، فرصة استخدام معاهدة السلام المبرمة بينه وبين تل أبيب لحمل المحتلين على وقف تعدياتهم ونشاطهم الاستيطاني، تحت طائلة النظر في تجميد العمل بهذه المعاهدة، علاوةً على تجميد العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين. ولئن كان الوضع الملتهب في الإقليم يلقي بتحدياتٍ جسيمة على الأردن وسواه من دول المنطقة، فإن هذا الوضع بالذات يجب أن لا يشكل فرصةً للمحتلين، للتمادي في إنكار حقوق الغير، وتقويض فرص السلام العادل، وتصعيد الصراع الديني، علاوة على تأجيج الصراع السياسي، فالتطرّف المستشري في المنطقة يستحق مكافحته، سواء كان تطرف داعش الإرهابي، أو الاحتلال الإسرائيلي ذي الطابع الاستعماري/ الإرهابي، أو الأنظمة التي تقمع الشعوب بالحديد والنار وبإرهاب الدولة.
شكّلت هذه القرارات ضربة شديدة للمزاعم الاسرائيلية حول ملكيةٍ يهوديةٍ جزئيةٍ للمسجد الأقصى، ولانتساب القدس إلى تراثٍ يهودي، حسب هذه المزاعم التي كان، وما زال، يجري توظيفها إسرائيلياً، لوضع اليد على المدينة المقدسة، وإزالة الطابع العربي والفلسطيني والإسلامي والمسيحي عنها. وقد قوبل الجهد المحموم بهذا الاتجاه بقدرٍ كبيرٍ من اللامبالاة ومراعاة الاحتلال، في دوائر غربية سياسية ودينية عقوداً، على الرغم مما تمثله القدس من رمزيةٍ دينيةٍ مسيحية عالية.
واجهت حكومة نتنياهو قرارات اليونيسكو بقدرٍ كبير من السخط والانفعالات السلبية. اذ بدت القراراتُ أقسى عليهم مما تتوقع أركان هذه الحكومة، وهو ما حمل العنصري المهووس، نتنياهو، إلى الإعلان عن أنه سيشارك بنفسه في الحفريات تحت أساسات المسجد الأقصى. واللافت أن الاحتلال عمد، منذ البداية، إلى تصوير العبث الخطير بالمسجد وبالحرم القدسي الشريف الذي تزيد مساحته أضعافاً عن مساحة باحة الأقصى بأنه من قبيل البحث العلمي الذي تقوم به الجامعة العبرية!. وكأن الجامعات مسموح لها تخريب مقتنياتٍ تاريخيةٍ تعود للغير، وتحت سطوة القوة المسلحة، وهو ما تنبهت له اليونيسكو مبكّرا. ففي 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 1974، أصدر المؤتمر العام (الجمعية العامة) لليونيسكو قرارا أوضح فيه أنه:
"بالنظر إلى أنه من العبث الادّعاء، كما فعل وفد إسرائيل، أن الحكومة الإسرائيلية، احتراماً منها للحريات الجامعية، ليست مؤهلة للأمر بإيقاف الحفائر الأثرية الجارية في القدس، والتي تعرّض للخطر الممتلكات الثقافية الثمينة التي لا تدخل في مجال خطط بحوث إسرائيل، وتهدد السلام في المنطقة، وإذ يؤكد رسمياً حق كل شعبٍ في ألا يحرم من الشواهد المهمة على ماضيه، باسم البحث عن آثار ثقافية أخرى".
ويرى أن "أي مجتمعٍ، مهما كان متحرّراً لا يمكن أن يتمثل في مجتمعٍ فوضوي، وأنه في
وبينما يذهب كثيرون، في أوساط عربية وفلسطينية، إلى أن هذه القرارات، على صوابيتها وإيجابها، لا تعدو أن تكون حبراً على ورق، مقارنةً بالأمر الواقع القائم في المدينة، وفي الأماكن المقدسة، فإنهم يغفلون عن أن القرارات الدولية بشأن القدس المحتلة هي التي تمنع سائر دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، من افتتاح سفاراتٍ لها في المدينة المحتلة. وأن المشكلة تكمن حقاً في مكان آخر، إذ إن عدم استثمار هذه القرارات الدولية، من أجل تصعيد المواجهة السياسية والقانونية ضد الاحتلال، هو ما يُبقي القراراتِ حبراً على ورق، وليس طبيعة هذه القرارات نفسها التي تظلّ تمتلك قوةً معنويةً وسياسية كبيرة.
ويفترض الآن أن صدور قرارات اليونيسكو في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري يشيع مناخاً جديداً ينزع أية شرعية مزعومة عن إجراءات الاحتلال، وتظهر المحتلين ومستوطنيهم وجنودهم على أنهم قوى معتدية، تنتهك جوهر القوانين الدولية ونصوصها. إضافة إلى الانتهاك الحسي لحقوق الطرف الرازح تحت الاحتلال، شعباً وأفراداً، علاوة على التحدي المُشهر في وجه الرعاية الأردنية للمقدسات الإسلامية والمسيحية.
يوفر المناخ الإيجابي المستجد فرصةً للطرفين، الفلسطيني والأردني (لكليهما يعود الفضل في التقدم بمشاريع القرارات إلى اليونيسكو التي تبناها بعدئذ ممثلو سبع دول عربية) لنقل الاهتمام بالقدس إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ابتداء من دعوة الاحتلال إلى وقف تعدياته المشينة على المسجد الأقصى والحرم الشريف وما حوله، والكفّ عن استباحة الأماكن المقدسة، باعتبار ذلك سلوكاً عنصرياً ذا طابع إرهابي، يتعدّى على حقوق الغير وممتلكاتهم، وعلى إرثهم الديني والروحي، تماماً كما تسلك جماعاتٌ إرهابية في عالمنا. ثم الانتقال من الجمعية العامة إلى مجلس الأمن، سعياً إلى استصدار قرارٍ يزكّي قرار الجمعية العامة. وفي حال فشل ذلك، فإنه يمكن لقرار الجمعية العامة أن يشكل فرصةً تتم من خلالها دعوة دول العالم إلى التعامل مع تل أبيب، وفقاً لما يقتضيه القرار المزمع.
الأردن مدعوٌ إلى التحرك، في هذا الاتجاه، باعتباره قائماً بالرعاية للأماكن المقدسة، والطرف
ويملك الأردن، في هذا الخصوص، فرصة استخدام معاهدة السلام المبرمة بينه وبين تل أبيب لحمل المحتلين على وقف تعدياتهم ونشاطهم الاستيطاني، تحت طائلة النظر في تجميد العمل بهذه المعاهدة، علاوةً على تجميد العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين. ولئن كان الوضع الملتهب في الإقليم يلقي بتحدياتٍ جسيمة على الأردن وسواه من دول المنطقة، فإن هذا الوضع بالذات يجب أن لا يشكل فرصةً للمحتلين، للتمادي في إنكار حقوق الغير، وتقويض فرص السلام العادل، وتصعيد الصراع الديني، علاوة على تأجيج الصراع السياسي، فالتطرّف المستشري في المنطقة يستحق مكافحته، سواء كان تطرف داعش الإرهابي، أو الاحتلال الإسرائيلي ذي الطابع الاستعماري/ الإرهابي، أو الأنظمة التي تقمع الشعوب بالحديد والنار وبإرهاب الدولة.