هل عكّرت "الوراق" مياه النيل؟

24 يوليو 2017
إخلاء جزر عديدة من مجرى نهر النيل (فرانس برس)
+ الخط -
أثارت محاولة السلطات المصرية، يوم الأحد 16 يوليو/ تموز، إخلاء جزيرة "الوراق" بمحافظة الجيزة من سكانها بالقوة، بحجة إزالة تعديات هؤلاء السكان على أراضي الدولة وممتلكاتها، عدة تساؤلات حول مبررات النظام تجاه "سياسة استرداد أراضي الدولة".

تصريح الجنرال عبد الفتاح السيسي عن الجزر الموجودة داخل مجرى النيل في مؤتمر "استرداد أراضي الدولة" الشهر الماضي، وهو يقول "فيه جزر موجودة في النيل، هذه الجزر طبقا للقانون المفروض ما يبقاش فيه حد موجود عليها، إما محميات، يا إما مش مسموح حد يكون موجود عليها"، يكشف عن نية النظام المبيتة في إخلاء الجزر النيلية من ساكنيها تمامًا وليس الاكتفاء بإنهاء حالات تعدي محدودة على مساحات محدودة تملكها الدولة بالفعل.

وكشف الجنرال عن أن سبب إخلاء هذه الجزر من كل صور الحياة هو الصرف الصحي في مياه النيل، ولمّح إلى جزيرة الوراق على وجه الخصوص وهو يقول بطريقته الخاصة "ألاقي مثلا جزيرة موجودة في وسط النيل، مساحتها أكتر من 1250 فدان، أنا مش هاذكر اسمها، وابتدت العشوائيات تبقى جواها والناس تبني عليها، لو فيه 50 ألف بيت هيصرفوا فين؟.. على نهر النيل اللي إحنا بنشرب فيه، وتؤللي بعد كده اعمللي محطات صرف ومحطات معالجة؟ ونؤذي نفسنا ويصرف في النيل.. لا.. علشان كده الجزر دي تاخد أولوية في التعامل معها".

ودون إغفال مطامع نظام الجنرال السيسي التي كشفها "العربي الجديد"، في الاستيلاء على الجزيرة لصالح مستثمرين من الإمارات بعد انقلاب 3 يوليو، وكذلك ما أظهره المحامي خالد علي من مستندات ملكية وعقود تعود لمائة عام وحكم محكمة وقرار وزاري تُثبت جميعها ملكية الأهالي للجزيرة على عكس ما يدعي النظام، فإن خطورة الصرف الصحي الذي يتذرع به السيسي لا يعتبر سببًا لإخلاء الجزيرة.

ذلك أن صرف سكان جزيرة الوراق، وعددهم 60 ألف نسمة، في مجرى نهر النيل بدون معالجة لا يعتبر مبررًا مقبولًا من الناحية الصحية أو القانونية أو الإنسانية حتى "ما يبقاش حد موجود عليها"، بحسب وصفه؟! كما لا يُسقط حقهم الأصيل في محطة معالجة صرف صحي صغيرة يمكن أن تحُل مشكلة الصرف الصحي برمتها مع النظام، إن كانت بالفعل هي مصدر المشكلة كما يدعي.

ومن الناحية الصحية، فإن الخطر الناتج عن الصرف الصحي الذي يتذرع به النظام يتضاءل عند مقارنته بمخاطر الصرف الصناعي الذي يصب مباشرة وبدون معالجة في مجرى نهر النيل، وتُقدره إحصائيات وزارة البيئة بنحو 150 مليون متر مكعب من الكيماويات السائلة سنويًا، ناتجة عن 30 مصنعا تابعة للقطاع العام، منها 14 مليون طن مخلفات صلبة، و25 ألف طن مخلفات مستشفيات، منها مواد شديدة الخطورة ومسرطنة، تصب جميعها مباشرة في مجرى النهر من أسوان حتى الإسكندرية وتحت نظر المحافظين والمسؤولين في كل الوزارات المعنية وبأوامر منهم!

وبالرغم من ادعاء الجنرال السيسي حرصه على منع أهالي الوراق من تلويث مياه النيل، فلم يبد الجنرال هذا الحرص عندما رفع أهالي محافظة أسوان شكوى أثناء حضوره مؤتمر الشباب مطلع هذا العام ضد المحافظ، وهو لواء عسكري ومساعد سابق لوزير الدفاع، لقيامه بتحويل مخلفات مصرف "كيما" إلى مياه النيل مباشرة بدون معالجة، ثم تعمد المحافظ إخفاء الجريمة بمد مواسير طويلة داخل مجرى النيل، ليشرب منها المصريون في عموم مصر من أسوان جنوبًا حتى الإسكندرية في الشمال، وهي جريمة وثّقتها وسائل الإعلام بالصوت والصورة، ولم يتخذ أي إجراء ضد المحافظ!

وبالرغم من تعامل النظام بشدة مع أهالي جزيرة الوراق البسطاء، فإنه في المقابل يغض الطرف عن مخالفات نوادي وقاعات الأفراح التابعة للقوات المسلحة والشرطة والفنادق العائمة والبواخر السياحية والمقامة جميعها في حرم نهر النيل، وتصرف مخلفاتها في مجراه مباشرة وبدون معالجة من محافظة أسوان في الجنوب حتى مدينتي رشيد ودمياط في الشمال، هذا التناقض ربما يفسر تحرش رأس النظام بأهالي جزيرة الوراق بسبب الأهمية الاقتصادية لموقع الجزيرة الاستراتيجي داخل القاهرة، وكونها أكبر جزيرة في النهر على الإطلاق بمساحة 1600 فدان، وليس لأي اعتبار صحي كما يدعي.

لقد بادرت نقابة المهندسين المصرية ووضعت نموذجًا اقتصاديًا لمشروع "معالجة مياه الصرف الصحي" في إبريل/ نيسان 2015، وأشارت في طيات المشروع إلى رأي أحد الخبراء الدوليين يقول فيه "يجب على الحكومة في مصر أن تحترم حقوق الإنسان في حصول أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية وفي العشوائيات على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي والتي تقع في اختصاص الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي التي نشأت بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 135 لسنة 2004.

المساهمون