هل سقط الفارس التركي؟

03 يوليو 2016
+ الخط -
تنتظر القدس الرجال، خُطت هذه العبارة على يافطة دعائية كبيرة طبع عليها صور لقادة عرب ومسلمين، من بينهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عُلقت في صدر العام المنصرم على مفترق طرق رئيسي، وسط مدينة غزة. وأثارت جدلًا واسعًا بين سكان القطاع، وشغلت المواقع الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي في حينها، تُضاف هذه الصورة إلى الجهود المبذولة التي تدعم الهالة الكبرى التي تحيط بأردوغان وسيرته وتقدمه للغزيين فارساً هصوراً لا يدّخر جهداً، ولا يَضن بوقت، في سبيل القدس وفلسطين، وتصنع منه بطلاً وحليفًا مناصراً، يعد العُدة لتحرير المسجد الأقصى، ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني.
تلك الهالة والمكانة لم تدغدغ عواطف الرئيس التركي، ولم تمنعه من إعطاء الضوء الأخضر لحكومته، للمضي نحو تطبيع علاقات بلاده مع إسرائيل، فهو رجل سياسي محنك، ويتمتع بدهاء وخبرة سياسية عميقة، ولا تحكمه العواطف في رسم سياساته، وتقدير خطواته وصنع قراراته، وقد مَهد العقبات، ويَسر الطريق أمام جهود إنهاء الخلاف، وإعادة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها من تفاهم وانسجام وتعاون، مستجيبا بذلك لمصلحة تركيا التي تعاني من اضطرابات داخلية ومشكلات اجتماعية وتحديات أمنية كثيرة، ورغبة منه في قطع الطريق على محاولات إفشال حكمه، والانقلاب عليه من خصومه السياسيين، ومراهنة على الحصول على مزيد من القبول في المجتمع الدولي، ولعب دورٍ أكبر في الساحة الإقليمية، ذلك في ظل إخفاق واضح لتجارب حركات الإسلام السياسي، وإجهاضٍ متعمد لثورات الربيع العربي.
اختلفت ردود الفعل في الشارع الغزي حول تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية، فمنهم من يرى ذلك خيانةً واضحةً وجريمةً لا تبرير لها في حق فلسطين، وغزة خصوصاً، من رجل كانت آمال بعضهم معقودة عليه في رفع الحصار عن القطاع، وتغيير واقع الحياة المأساوي فيه إلى ما هو أفضل حالاً وأيسر مقاماً، في حين وجد آخرون، فيما حدث فرصة ذهبية للشماتة والسخرية، وكيل الشتائم والسباب على تركيا وحلفائها، وبرهنوا على صحة توقعاتهم في أردوغان المراوغ، وعلى عقلانيتهم في دراسة الأحداث وفهم مجريات الأمور. ومن الوجوه من يعتقد أن أردوغان ونظامه فعلوا الصواب، وغلبوا صوت العقل والواقع على العاطفة ليجنبوا تركيا مؤامراتٍ خطيرةً تحاك ضدها، وتوشك أن تفتك بها، معتبرين أن التصالح بين إسرائيل وتركيا سيعمل على حل معضلاتٍ كثيرة تعصف بتركيا في الوقت الراهن، خصوصاً فيما يتصل بعلاقتها بأميركا وروسيا، فيما لا يزال بعضهم يرى في تركيا الحليف والمناصر لغزة الذي لن يتخلى عنها، ولن يتركها مهما كانت الظروف.
ما حدث من تقارب تركي إسرائيلي درس مهم في إدارة العملية السياسية، وفهم لدورة التحالفات الدولية والإقليمية، فالمصالح والمكاسب السياسية في حلبة الصراع العالمي تتفوق على المبادئ والأخلاق، وتتجاوز الدين والانتماء، وتتجاهل عدالة القضية والحقوق المشروعة في أحيانٍ كثيرة، وهذا يتطلب من صناع القرار الفلسطيني أن يتعاملوا مع الأمور بعقلانية أكبر، وأن يتعاطوا مع الأحداث والمتغيرات السياسية حسب قواعد اللعبة السياسية، لا أن ينجروا وراء العواطف وينساقوا خلف الحماسة، فيقعوا مطيّة لغيرهم، يحقق على حسابهم مصالحه ويتركهم متى استنفذها وحقق مآربه، والتوقف عن المراهنة على الأشخاص والإفراط في مدحهم وإطرائهم، والتخطيط للاستفادة من كل الفرص، والتعامل معها بليونة وحكمة، وتجنب القفزات المجهولة في هذا المحيط المتغير والأجواء الضبابية، حتى لا ينفرط العقد، ويسقط الفرسان الواحد تلو الآخر.
A84AF527-8738-4F61-8A2D-F8686B877274
A84AF527-8738-4F61-8A2D-F8686B877274
محمد ريان (فلسطين)
محمد ريان (فلسطين)