07 نوفمبر 2024
هل تُستأنف الثورة الشعبية في سورية؟
انطلقت الثورة السورية في العام 2011، من أجل تغيير الأوضاع المتدهورة في البلاد؛ تغيير الوضع الاقتصادي وإيقاف سياسات اللبرلة والفساد واحتكار الثروة لصالح مافيات محدّدة، ومن أجل إنهاء حكم الأجهزة الأمنية، وليكون السوريون مواطنين، كما الأفراد في الدولة التي تحتكم للمواطنة والديمقراطية؛ وكذلك كان هناك شرط ثوري عربي عام. كان الأمل عظيماً، وأن سقوط نظامي تونس ومصر سيتبعه سقوط النظام السوري.
لم يكن أمام النظام، وقد رأى السقوط والثورات والثورة في سورية إلا اجتثاثها، وهذا تطلّب منه تشويهها وأسلمتها وإطلاق جهادييه وعسكرتها، واستجلاب تدخل خارجي وتغيير ديمغرافي وتسييس الهويات والاعتقال والقتل بكل أشكاله. اجتثاث الثورة هو الهدف إذاً، وقد شكل غياب أي مشروع للإصلاح لدى هذا حلف النظام سبباً لتهجير السكان وتدمير المدن وإشعال حروب لا متناهية، وأن هذه الممارسات (برأي الحلف) ستُجبر العالم على التسليم ببقاء النظام والتصالح معه، وإغلاق صفحة الثورة، واستعادة البلاد تحت سيطرته.
ضعف النظام وتغيّر طبيعته حولاه إلى آلة حربٍ وفساد ونهب وتبعية؛ فتدخلت كل من إيران وروسيا لحمايته، ولحماية مصالحهم، وتعزيز دوريْهما الإقليمي والعالمي، وهذا ما سمح ببقاء النظام، لكنه تحوّل إلى أداةٍ لخدمة هاتين الدولتين. شكل غياب أي استجابةٍ دوليةٍ للاعتراف بالنظام مجدّداً، وتقديم الأموال للإعمار، سبباً مفسّراً لغياب الحل، وتأجيله إلى أن يحصل التوافق الإقليمي والدولي على شكل النظام الجديد. النظام الذي تحوّل جيشه إلى مليشيا للتعفيش والقتل والاعتقال ليس لديه أي قدرة على تأمين الخدمات، وإقامة علاقات طبيعية مع الشعب. المناطق التي استعادها تشهد على تدميرها وتخريبها وتهجير أهلها.
شذّت درعا عن ذلك، لكونها مدينةً حدوديةً، وهناك إسرائيل في الغرب، وروسيا التي تدخلت من أجل حسم المعركة وتحقيق المصالحات، وهذا ما أوقف المعارك، وأطلق عملية مصالحات واسعة. لم ترفضها الفصائل ورحب بها السكان، لكن ذلك يتطلب الاعتراف للناس بحقوقهم وإيقاف سياسات الاعتقال، ولنقل تغيير شكل العلاقة مع المدينة. وهنا نُذكِّر أن المظاهرات اتسعت في 2011، بسبب رفض النظام الاعتراف بحقوق الناس ومحاكمة محافظ درعا، عاطف نجيب، لإهانته كراماتهم، ورفضه إطلاق الحريات والتحول الديمقراطي. لم يتحقق ذلك، واستخدم النظام الحل الأمني العسكري حينها، وهذا دفع السوريين إلى توسيع مظاهراتهم، وتحوّلت إلى ثورة، وغيّرت من مطالبها من إصلاح النظام إلى إسقاطه.
سيطر النظام على مدينة درعا، لكنه لم يفهم أن عليه أن يغيّر من طبيعته الأمنية، بل وراح يرسل قادته الأمنيين لتهديدها، والبطش فيها مجدّداً. أيضاً، لم تفهم إيران أن التوافقات الدولية تفرض خروجها نهائياً من غرب سورية، بل ومن كل سورية. تؤكد المعلومات بقاءها في درعا، وتشكيلها مليشيات خاصة بها، وفتح حوزات دينية، ورافق ذلك كله اعتقال بعض قادة الفصائل الذين صالحوا النظام، وبحماية روسية. ويضاف إلى ذلك كله غياب أي شكل للإعمار أو فرص العمل، وبالتالي ماذا سيكون خيار الناس وقد وجدوا أنفسهم مجدداً، وبعد كل تضحياتهم من 2011 وإلى 2018، أليس المقاومة مجدّداً؟ فعلاً بدأ بها، وتنتشر المؤشرات على توسع نشاطاتها، وقيامها بعمليات عسكرية في أكثر من بلدة، ويرافق ذلك تذمر شعبي واسع من سياسات الاعتقال، وغياب فرص العمل، وقتل بعض المعتقلين، وتقديم بعض الملتحقين بجيش النظام مقدمة في المعارك، وبالتالي قتلهم.
سياسات النظام هي ذاتها في كل المناطق التي استعادها، ورفض إعطاء الأمان للاجئين في لبنان، ليعودوا إلى قراهم وبلداتهم، ولا سيما في ريف حمص الجنوبي، حيث القصير وقراها، وأيضاً في الزبداني ومحيطها، وأيضاً في الغوطتين، الشرقية والغربية، ومن يعود في الأشهر الأخيرة، فهو مجبرٌ وليس بإرادته الحرّة! إذاً ليس في جعبة النظام حل، أو تغيير، وتؤكد كل ممارساته الأمنية والعسكرية الأمر ذاته. لا يحاول هذا النظام حتى النجاة بنفسه، ولهذا تتجدّد المقاومة.
قلت أعلاه إن النظام أصبح أداةً لصالح كل من الروس والإيرانيين. وهنا نجد أن روسيا، وهي التي تفرض عليها أميركا وأوروبا عقوباتٍ اقتصادية، وهناك خلاف كبير معها في سياساته العالمية وفي سورية وأوكرانيا وبالموقف من ايران، أقول إن روسيا ذاتها لا تريد الاستفادة مما تحقّق لها في المدن التي أصبحت تحت سيطرتها، ولا سيما في درعا. هي دولة قمعية، وإمبريالية، ولا تعنيها مصلحة الشعوب، وهي ضد ثوراتهم، وهو ما أعلنته مراراً وتكراراً، ولكن رفضها إصلاح النظام مقدمة للحل، وعدم وضع حد لممارسات أجهزته العسكرية والأمنية، سيعمّق بالتأكيد التذمر الشعبي، وقد بدأت معالمه في درعا.
هل سيتطور التذمر الشعبي؟ أعتقد أن ظروف المدينة، وعلى الرغم من سياسات النظام الأمنية، لا تسمح بتوسّعه، ولكن إطالة أمدها ربما سيسمح بمظاهراتٍ عارمة مجدّداً، فهناك حقوق لم تُنجز، وقد ذكرت أعلاه. تتكرّر هذه المسائل في كل المحافظات، وبالتالي هناك غضب شعبي واسع، وإن لم يُعلن عن نفسه الآن، لكنه سيظهر لاحقاً لا محالة.
هناك إجماع بين المحلّلين على أن الحل في سورية أصبح بيد التوافق الإقليمي والدولي، ولكن هناك تذمرا شعبيا وبداية مقاومة أيضاً. وبالتالي السؤال السياسي الذي تتداوله أطياف المعارضة: ماذا نفعل، وما العمل؟ بكل بساطة، بدأ الناس، وعليكم تشكيل داعم ورافد لها، والتخلص من السياسات الانتهازية والفساد والتبعية للدول الخارجية. قلت لا أجد أنَّ التذمر سيتوسع، ولكن قد ينفجر بوجه النظام والمعارضة والدول الاحتلالية؛ وهذا سيكون بحكم الضرورة، بسبب رداءة النظام والفصائل في كل سورية. لاحظ سياسات الفصائل في الحسكة وجرابلس وعفرين وإدلب وسواها؛ إذا سورية بكل مدنها وبلداتها وقراها تتطلب مشروعاً وطنياً، يُنهي مأساتها ويستجيب لكل مطالب الشعب، وبكل قومياته؛ وهذا وحده ما سيسمح بتجدّد الانشغال بالوطنية السورية. فهل يعي المنشغلون بالسياسة والثقافة حاجات سورية هذه؟
ضعف النظام وتغيّر طبيعته حولاه إلى آلة حربٍ وفساد ونهب وتبعية؛ فتدخلت كل من إيران وروسيا لحمايته، ولحماية مصالحهم، وتعزيز دوريْهما الإقليمي والعالمي، وهذا ما سمح ببقاء النظام، لكنه تحوّل إلى أداةٍ لخدمة هاتين الدولتين. شكل غياب أي استجابةٍ دوليةٍ للاعتراف بالنظام مجدّداً، وتقديم الأموال للإعمار، سبباً مفسّراً لغياب الحل، وتأجيله إلى أن يحصل التوافق الإقليمي والدولي على شكل النظام الجديد. النظام الذي تحوّل جيشه إلى مليشيا للتعفيش والقتل والاعتقال ليس لديه أي قدرة على تأمين الخدمات، وإقامة علاقات طبيعية مع الشعب. المناطق التي استعادها تشهد على تدميرها وتخريبها وتهجير أهلها.
شذّت درعا عن ذلك، لكونها مدينةً حدوديةً، وهناك إسرائيل في الغرب، وروسيا التي تدخلت من أجل حسم المعركة وتحقيق المصالحات، وهذا ما أوقف المعارك، وأطلق عملية مصالحات واسعة. لم ترفضها الفصائل ورحب بها السكان، لكن ذلك يتطلب الاعتراف للناس بحقوقهم وإيقاف سياسات الاعتقال، ولنقل تغيير شكل العلاقة مع المدينة. وهنا نُذكِّر أن المظاهرات اتسعت في 2011، بسبب رفض النظام الاعتراف بحقوق الناس ومحاكمة محافظ درعا، عاطف نجيب، لإهانته كراماتهم، ورفضه إطلاق الحريات والتحول الديمقراطي. لم يتحقق ذلك، واستخدم النظام الحل الأمني العسكري حينها، وهذا دفع السوريين إلى توسيع مظاهراتهم، وتحوّلت إلى ثورة، وغيّرت من مطالبها من إصلاح النظام إلى إسقاطه.
سيطر النظام على مدينة درعا، لكنه لم يفهم أن عليه أن يغيّر من طبيعته الأمنية، بل وراح يرسل قادته الأمنيين لتهديدها، والبطش فيها مجدّداً. أيضاً، لم تفهم إيران أن التوافقات الدولية تفرض خروجها نهائياً من غرب سورية، بل ومن كل سورية. تؤكد المعلومات بقاءها في درعا، وتشكيلها مليشيات خاصة بها، وفتح حوزات دينية، ورافق ذلك كله اعتقال بعض قادة الفصائل الذين صالحوا النظام، وبحماية روسية. ويضاف إلى ذلك كله غياب أي شكل للإعمار أو فرص العمل، وبالتالي ماذا سيكون خيار الناس وقد وجدوا أنفسهم مجدداً، وبعد كل تضحياتهم من 2011 وإلى 2018، أليس المقاومة مجدّداً؟ فعلاً بدأ بها، وتنتشر المؤشرات على توسع نشاطاتها، وقيامها بعمليات عسكرية في أكثر من بلدة، ويرافق ذلك تذمر شعبي واسع من سياسات الاعتقال، وغياب فرص العمل، وقتل بعض المعتقلين، وتقديم بعض الملتحقين بجيش النظام مقدمة في المعارك، وبالتالي قتلهم.
سياسات النظام هي ذاتها في كل المناطق التي استعادها، ورفض إعطاء الأمان للاجئين في لبنان، ليعودوا إلى قراهم وبلداتهم، ولا سيما في ريف حمص الجنوبي، حيث القصير وقراها، وأيضاً في الزبداني ومحيطها، وأيضاً في الغوطتين، الشرقية والغربية، ومن يعود في الأشهر الأخيرة، فهو مجبرٌ وليس بإرادته الحرّة! إذاً ليس في جعبة النظام حل، أو تغيير، وتؤكد كل ممارساته الأمنية والعسكرية الأمر ذاته. لا يحاول هذا النظام حتى النجاة بنفسه، ولهذا تتجدّد المقاومة.
قلت أعلاه إن النظام أصبح أداةً لصالح كل من الروس والإيرانيين. وهنا نجد أن روسيا، وهي التي تفرض عليها أميركا وأوروبا عقوباتٍ اقتصادية، وهناك خلاف كبير معها في سياساته العالمية وفي سورية وأوكرانيا وبالموقف من ايران، أقول إن روسيا ذاتها لا تريد الاستفادة مما تحقّق لها في المدن التي أصبحت تحت سيطرتها، ولا سيما في درعا. هي دولة قمعية، وإمبريالية، ولا تعنيها مصلحة الشعوب، وهي ضد ثوراتهم، وهو ما أعلنته مراراً وتكراراً، ولكن رفضها إصلاح النظام مقدمة للحل، وعدم وضع حد لممارسات أجهزته العسكرية والأمنية، سيعمّق بالتأكيد التذمر الشعبي، وقد بدأت معالمه في درعا.
هل سيتطور التذمر الشعبي؟ أعتقد أن ظروف المدينة، وعلى الرغم من سياسات النظام الأمنية، لا تسمح بتوسّعه، ولكن إطالة أمدها ربما سيسمح بمظاهراتٍ عارمة مجدّداً، فهناك حقوق لم تُنجز، وقد ذكرت أعلاه. تتكرّر هذه المسائل في كل المحافظات، وبالتالي هناك غضب شعبي واسع، وإن لم يُعلن عن نفسه الآن، لكنه سيظهر لاحقاً لا محالة.
هناك إجماع بين المحلّلين على أن الحل في سورية أصبح بيد التوافق الإقليمي والدولي، ولكن هناك تذمرا شعبيا وبداية مقاومة أيضاً. وبالتالي السؤال السياسي الذي تتداوله أطياف المعارضة: ماذا نفعل، وما العمل؟ بكل بساطة، بدأ الناس، وعليكم تشكيل داعم ورافد لها، والتخلص من السياسات الانتهازية والفساد والتبعية للدول الخارجية. قلت لا أجد أنَّ التذمر سيتوسع، ولكن قد ينفجر بوجه النظام والمعارضة والدول الاحتلالية؛ وهذا سيكون بحكم الضرورة، بسبب رداءة النظام والفصائل في كل سورية. لاحظ سياسات الفصائل في الحسكة وجرابلس وعفرين وإدلب وسواها؛ إذا سورية بكل مدنها وبلداتها وقراها تتطلب مشروعاً وطنياً، يُنهي مأساتها ويستجيب لكل مطالب الشعب، وبكل قومياته؛ وهذا وحده ما سيسمح بتجدّد الانشغال بالوطنية السورية. فهل يعي المنشغلون بالسياسة والثقافة حاجات سورية هذه؟