ماذا لو كنت طفلاً في سورية؟ ربّما رأيت دماءً في الشارع في أحيان كثيرة، وسمعت ضجيجاً ناتجاً عن القصف المدفعي العنيف. جزء من مدرستك قد يتحوّل إلى ركام. والضوء الخافت في فصلك بالكاد يُساعدك على قراءة الدروس.
لو كنت طفلاً في سورية، سيكون عليك السير ثلاثة كيلومترات للوصول إلى منزلك، وقد تضطرّ إلى الركض هرباً من قناص. وربّما تكون هذه المرة الأخيرة التي تذهب فيها إلى المدرسة، وستقضي أيّامك المقبلة في المنزل أو تحت الأرض، ولن تتمكن من رؤية نور الشمس في وقت قريب.
سؤال آخر: "هل تُرسل طفلك إلى هناك؟". المكان هو أحياء مدمّرة ومهجورة، ومدرسة غير صالحة أو آمنة للتعليم في سورية. في نهاية فيديو أعدّته جمعية إنقاذ الطفل الدولية في لبنان، كان هذا السؤال. والفيديو يُظهر كيف يقضي أطفال الغوطة يومهم، في بيئة غير آمنة، حتى لو لم يكن هناك قصف.
في الذكرى السابعة للصراع في سورية، أرادت جمعية إنقاذ الطفل نقل معاناة الأطفال اليومية إلى اللبنانيين، من خلال تنظيم نشاط على الكورنيش البحري للعاصمة اللبنانية بيروت، عرضت فيه صورا لأطفال سوريين في لبنان، إضافة إلى واقع الأطفال في سورية، من خلال فيديو صوّر بتقنية 360 درجة، يكشف حجم الضرر في إحدى المناطق المصنفة "آمنة"، حيث يعاني الأطفال من قصف مستمر، ونقص في الغذاء، وانعدام في الرعاية الطبية، وعدم القدرة على الوصول إلى المدارس.
من خلال نظارات الواقع الافتراضي ثلاثية الأبعاد، تمكن المارة من مشاهدة مقطع الفيديو الذي صوّر الواقع داخل سورية. كانوا قادرين على رؤية أطفال يسيرون في شوارع مقفرة،
ومدارس متضررة، وأراجيح في ملاعب مهجورة.
وتقول مديرة جمعية إنقاذ الطفل في لبنان، أليسون زيلكويتز: "هذا العام، نستخدم التكنولوجيا لمساعدة اللبنانيين على رؤية الحياة التي يعيشها الأطفال في سورية. الأطفال لا يحتاجون فقط إلى الأمن والسلام، بل يحتاجون إلى طعام مغذٍ، منازل آمنة، وإمكانية الوصول إلى التعليم. هذه الأساسيات غير متوفرة حالياً للأطفال في سورية، وسيكون من غير المعقول أن نتوقع عودة الأطفال اللاجئين إلى بلادهم في مثل هذه الظروف".
وفي حديثها، لـ"العربي الجديد"، تطلب من لبنان مزيداً من الدعم والصبر، إذ تُدرك معاناة هذا البلد في ما يتعلق باستضافة اللاجئين، والضغط على الموارد.
بدورها، تقول مديرة الإعلام والمناصرة في الجمعية، علياء عواضة، لـ"العربي الجديد"، إن "النشاط يتزامن مع الذكرى السابعة لبدء الصراع في سورية، وقد أردنا نقل واقع الأطفال داخل سورية، سواء في مناطق القتال أو ما يعرف بالمناطق الآمنة"، وتوضح أن الفيديو يصور نهاراً عادياً لأطفال في الغوطة، التي صنّفت ضمن المناطق الآمنة، من دون أن يكون ذلك حقيقياً، في ظل الدمار الهائل والنقص في الغذاء، وعدم القدرة على الوصول إلى التعليم، وغيرها.
خلال النشاط، عرضت صور لأطفال سوريين حصلوا على الأمان والمأوى والغذاء والتعليم في لبنان. في المقابل، فإن نحو مليون و700 ألف طفل في سورية، أي نحو ثلث الأطفال في عمر الدراسة، خارج المدرسة. كما أن هناك مليونا و300 ألف آخرين معرّضون لخطر التسرّب، بحسب المنظمة. وإذ تشكر عواضة جهود الحكومة اللبنانية والمجتمعات المضيفة، تصرّ على أنه استناداً إلى المعايير الدولية، الوضع في سورية غير آمن لعودة الأطفال السوريين إلى مناطقهم. لذلك، فإن المطالبة بعودتهن غير واقعية. وتتمنى ألّا تحصل ضغوط في هذا السياق، لافتة إلى أن العديد من الأطفال الذين ولدوا في لبنان ليست لديهم أوراق ثبوتية.
هل ترون أن هناك ضغوطاً تمارس على اللاجئين السوريين لإجبارهم على العودة إلى بلادهم؟ تقول عواضة: "نسمع تصريحات من حين إلى آخر، إلا أننا نصر على عودة آمنة وطوعية تحفظ كرامة اللاجئين".
وعن واقع الأطفال في سورية، تكتفي عواضة بالقول إنه "سيئ"، لافتة إلى أن العديد من الأطفال لم يعرفوا شيئاً غير الحرب. وتشرح أن الأمان "لا يعني الخلاص من الموت فقط، بل أيضاً الوصول إلى الحاجات الأساسية، أي الغذاء والصحة والتعليم".
ويكشف تقرير جديد لجمعية إنقاذ الطفل، تسجيل معدلات غير مسبوقة من النزوح في سورية، منذ يوليو/تموز عام 2017، مع فرار ما يصل إلى 250 طفلاً كل ساعة، في وقت ارتفع عدد الضحايا المدنيين بنسبة 45 في المائة منذ إنشاء ما يعرف بـ"المناطق الآمنة"، بما في ذلك إدلب والغوطة الشرقية.
"أحبّ دميتي الجديدة، لأنها تشبه تلك التي تركتها في سورية. الليلة، ستنام على وسادتي"، تقول طفلة سورية لاجئة للجمعية. أحلام الأطفال بسيطة، ودمية قد تكفي لإسعادهم.