05 نوفمبر 2024
هل تنهي قمة ترامب وجونغ العداوة؟
حملت القمة التاريخية، بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والكوري الشمالي كيم جونغ أون في سنغافورة، مصافحات وابتسامات بينهما، وقد بدا عليهما كأنهما تجاوزا كل الإهانات والتهديدات الغاضبة التي تبادلاها منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وخرجا من أول لقاء بينهما بوثيقةٍ، تَعِدُ بطيّ صفحة الماضي في تاريخ العلاقة العدائية بين بلديهما. ولعل الأهم في القمة أن الطرفين شعرا كأنهما حققا مكاسبهما المطلوبة منها، كونها أعلنت فك العزلة الدولية عن كوريا الشمالية وزعيمها الذي اعتبر أن "كثيرين من الناس سيظنون أن القمة من أفلام الخيال العلمي، لأن الأهم بالنسبة إليه هو الضمانات الأمنية الأميركية التي قدمت لكوريا الشمالية. وبالتأكيد، المقصود بهذه الضمانات الأمنية المقدمة التي وصفها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بـأنها "فريدة ومختلفة"، هو ضمانات بعدم المساس بنظام كيم جونغ إيل الديكتاتوري، فيما حصل الطرف الأميركي في مقابل ذلك على التزام من زعيم كوريا الشمالية بـ"نزع كامل للأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية"، وهذا يعفيه من تكاليف مالية باهظة، تصرفها الخزانة الأميركية على الحشود العسكرية والمناورات في كوريا الجنوبية وسواها. ولذلك أعلن ترامب وقفها، بغية تسهيل مفاوضات نزع الأسلحة النووية الكورية الشمالية. إضافة إلى أن ترامب أراد من القمة إظهار نفسه خلالها كأنه داعية سلام أيضاً، وليس داعية حروب ومواجهات، ولذلك اعتبر أن القمة تشكل بداية عملية جديدة، و"أن السلام يستحق كل الجهود، وشن الحروب أمر سهل، أما تحقيق السلام فهو عمل يقوم به الشجعان"، وكأنه يرسل رسالة إلى نظام الملالي في إيران ليتخلى عن برنامجه النووي.
ومع ذلك كله، لا يمكن التكهن بما سيحدث بعد هذه القمة التاريخية، بالنظر إلى طبيعة الرجلين وتركيبتهما، إذ عرف كل منهما بالقدرة على صنع المفاجئ واللامتوقع، بل وإثارة الزوابع والعواصف، إضافة إلى امتلاك كل منهما قدرة استثنائية في الاستعراض وخطف الأضواء وخلط الأوراق.
وإذا أخذنا الجانب الإيجابي في هذا الحدث التاريخي، فإن الفترة التي تليه ستكون حاسمة في
تقرير وجهة العلاقات الأميركية الكورية الشمالية، وإمكانية نقلها من مرحلة العداء إلى مرحلة التطبيع، بما يفضي إلى تغيير الصورة الشيطانية والشريرة لكوريا الشمالية، ودخولها النادي الدولي، والسماح برفع العقوبات الأممية المفروضة عليها، وتدفق الاستثمارات الأميركية والأوروبية إليها، ما يعني رفع سوية الحياة المعيشية المزرية لسكان كوريا الشمالية. إضافة إلى أن القمة شكلت بداية لإبراز زعيم كوريا الشمالية وتسويقه على الساحة الدولية، بعد فترة طويلة من الانغلاق والعزلة، حيث لم يكن ينتقل خارج بلده إلا إلى دول محدودة، مرات معدودة على أصابع اليد الواحدة. كما أن كوريا الشمالية حققت ما كانت تسعى إليه منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، وهو عقد قمة مع رئيس الولايات المتحدة الأميركية في أثناء أدائه مهامه.
تريد الولايات المتحدة التخلص من العبء المالي الثقيل، المترتب على سياساتها حيال كوريا الشمالية، إذ شكلت سياسة الاحتواء، على مدى عقود الحرب الباردة، العقيدة العسكرية للولايات المتحدة الأميركية، وقد كلفها ذلك اعتماد سياسة إنفاقٍ هائلة على برامجها العسكرية في الخارج، تمثلت بحدود 10% من ناتجها المحلي الإجمالي. وبانتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، تلاشى مبرّر هذا الإنفاق الكبير، لكن ذلك لم يفض إلى خفض الميزانية العسكرية، إذ بادر البنتاغون بتقديم رؤية استراتيجية جديدة اعتمدها الرئيس الأسبق جورج
بوش الأب مطلع عام 1990، وتضمنت رؤية تقضي بضرورة محاربة الولايات المتحدة دول محور الشر، والتي تشكل كوريا الشمالية أحد أضلع مثلثه، بوصفها دولة تملك قدرات عسكرية قوية، ولديها تاريخ طويل من العداء للعالم الغربي، وتسعى إلى امتلاك أسلحة دمار شامل، بل وتمتلك أسلحةً نوويةً قادرةً على تهديد الولايات المتحدة.
وشهدت العلاقات ما بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية فتراتٍ من العداء والتصعيد، تخللتها محاولات لتخفيف التوتر، عقدت خلالها اتفاقيات لنزع الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، في عام 1994، وبعده في 2005، لكن أياً منها لم يتم تطبيقه فعلياً، بل كثفت كوريا الشمالية منذ 2006 تجاربها النووية والباليستية، حتى بلغ الأمر تصعيداً خطيراً العام الماضي، وصل إلى حافة إعلان الحرب بين البلدين. لكن تدخل رئيس كوريا الجنوبية، مون جيه، أفضى إلى تخفيف التصعيد، وتسهيل عقد قمة ترامب وجونغ، لذلك أعلن أنه لم يستطع النوم بسبب متابعته مجريات القمة.
ويتمحور الهدف الأميركي من القمة حول نزع تدريجي للأسلحة النووية الكورية الشمالية، في مقابل رفع العقوبات، وتقديم دعم اقتصادي وضمانات أمنية لنظام جونغ، إضافة إلى توقيع معاهدة سلام تنهي رسمياً الحرب الكورية (1950 – 1953)، لكن ذلك لن يكون سهلاً، فالنظام الكوري الشمالي ينظر إلى نزع السلاح النووي وقفاً لتطويره، ووقف التجارب النووية، ولذلك فإن أقصى ما تمكّنت قمة ترامب وجونغ تحقيقه إجراءات بناء الثقة بين الطرفين، وبالتالي من الصعب القول إن بيونغ يانغ ستتخلى بسهولة عما حققته من تكنولوجيا نووية أصبحت جزءاً أساسياً من هوية النظام الكوري الشمالي. وعليه فإن السؤال هو: هل السعي الشخصي لكل من الرئيسين، ترامب وجونغ، كافٍ كي تتحقق وعود هذه القمة التاريخية، وتنهي تاريخاً من العداء بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية؟
ومع ذلك كله، لا يمكن التكهن بما سيحدث بعد هذه القمة التاريخية، بالنظر إلى طبيعة الرجلين وتركيبتهما، إذ عرف كل منهما بالقدرة على صنع المفاجئ واللامتوقع، بل وإثارة الزوابع والعواصف، إضافة إلى امتلاك كل منهما قدرة استثنائية في الاستعراض وخطف الأضواء وخلط الأوراق.
وإذا أخذنا الجانب الإيجابي في هذا الحدث التاريخي، فإن الفترة التي تليه ستكون حاسمة في
تريد الولايات المتحدة التخلص من العبء المالي الثقيل، المترتب على سياساتها حيال كوريا الشمالية، إذ شكلت سياسة الاحتواء، على مدى عقود الحرب الباردة، العقيدة العسكرية للولايات المتحدة الأميركية، وقد كلفها ذلك اعتماد سياسة إنفاقٍ هائلة على برامجها العسكرية في الخارج، تمثلت بحدود 10% من ناتجها المحلي الإجمالي. وبانتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، تلاشى مبرّر هذا الإنفاق الكبير، لكن ذلك لم يفض إلى خفض الميزانية العسكرية، إذ بادر البنتاغون بتقديم رؤية استراتيجية جديدة اعتمدها الرئيس الأسبق جورج
وشهدت العلاقات ما بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية فتراتٍ من العداء والتصعيد، تخللتها محاولات لتخفيف التوتر، عقدت خلالها اتفاقيات لنزع الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، في عام 1994، وبعده في 2005، لكن أياً منها لم يتم تطبيقه فعلياً، بل كثفت كوريا الشمالية منذ 2006 تجاربها النووية والباليستية، حتى بلغ الأمر تصعيداً خطيراً العام الماضي، وصل إلى حافة إعلان الحرب بين البلدين. لكن تدخل رئيس كوريا الجنوبية، مون جيه، أفضى إلى تخفيف التصعيد، وتسهيل عقد قمة ترامب وجونغ، لذلك أعلن أنه لم يستطع النوم بسبب متابعته مجريات القمة.
ويتمحور الهدف الأميركي من القمة حول نزع تدريجي للأسلحة النووية الكورية الشمالية، في مقابل رفع العقوبات، وتقديم دعم اقتصادي وضمانات أمنية لنظام جونغ، إضافة إلى توقيع معاهدة سلام تنهي رسمياً الحرب الكورية (1950 – 1953)، لكن ذلك لن يكون سهلاً، فالنظام الكوري الشمالي ينظر إلى نزع السلاح النووي وقفاً لتطويره، ووقف التجارب النووية، ولذلك فإن أقصى ما تمكّنت قمة ترامب وجونغ تحقيقه إجراءات بناء الثقة بين الطرفين، وبالتالي من الصعب القول إن بيونغ يانغ ستتخلى بسهولة عما حققته من تكنولوجيا نووية أصبحت جزءاً أساسياً من هوية النظام الكوري الشمالي. وعليه فإن السؤال هو: هل السعي الشخصي لكل من الرئيسين، ترامب وجونغ، كافٍ كي تتحقق وعود هذه القمة التاريخية، وتنهي تاريخاً من العداء بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية؟