هل تعاني جماعة الإخوان من أزمة أم أزمات؟ [1\2]

17 ديسمبر 2015
محمود حسين القيادي البارز بالإخوان المسلمين (الفيسبوك)
+ الخط -
مقولة تم إطلاقها مؤخراً بأن أزمة جماعة الإخوان المسلمين الحالية أزمة أخلاقية لا فكرية أثارتْ أحزان النفس، ثقة منها بصدق صاحب المقولة، ولكن الأمر أبعد بكثير ممّا يقول ويُقر، فهو يؤصّل بالقول إن المنهج الفكري الذي وضعه الإمام حسن البنا، موجود، ثم يُلحقُ النهج بكتاب المرشد الثاني المستشار، حسن الهضيبي، "دعاة لا قضاة"، وهكذا فالنهج الفكري للجماعة اتفق الجميع عليه، وهو باقٍ إذن منذ عشرات السنوات. استشهد الإمام البنا في عام 1949م، وكتاب الهضيبي تم تأليفه في الخمسينيات.


هذه واحدة؛ ثم إن كاتب المقال يقر، أيضاً بالمقولة المعروفة: "الانقلاب أبرز أسوأ ما فينا"، يقصد الإخوان، ثم هو يقول إن انتقاداته للإخوان، وهو في قلب الصف، وأتحرّز من ذكر اسم الكاتب الحقيقي.. ويختتم مقاله بطرحه أن الانقسام الحاد وصل إلى حد طرد كل طرف قادم من الطرف الآخر، ولو على سبيل الاشتباه.

(1)
من عجيب المواقف التي شهدتَها أن أحدهم استقدم آخر إلى عمل، في ظل ندرة للعمل في بلد غير عربي، وتشفّع بقوة عند أصحابه، وكان يعرفهم منذ أسابيع ليست بالكثيرة ليأتي بآخر لم يجد عملاً في الدولة التي يقيم صاحبنا بها، واضطر بالتالي الأخير إلى السفر إلى دولة ثانية، ومن هناك اتصل شاكياً بأن عليه حكم قاسٍ في مصر، ولم يجد عملاً في الدولة التي سافر إليها، ولا الدولة التي كان فيها، ولا حل أمامه إذن سوى السودان ولا عمل لأمثاله هناك، فلما تدخل الأول بقوة ليأتي، وكان تصنيف المسافر قد تم على أعلى مستوى إخواني، اعترف الرجل بعد مجيئه بأيام قليلة لصاحبي.. بارتكابه جريمة يندى الجبين لها في المكان، فما كان من صاحبي إلا أن أخبر أصحاب المكان، وهم على نحو أكبر تصنيفاً، فما كان من الطرفين إلا أن أتفقا عليه ليمضي عن المكان ويتضح بعد التحقيق البسيط.. أن كلا منهما ليس من أخلاق الصف الإخواني في شيء.

القصة الماضية على كونها "دامية" في حق الصديق الذي عايشها، وانقطع بسببها رزقه في المكان والدولة التي هو فيها شهوراً طويلة، ورفض على أثرها تسوية من أي شكل ولون وطعم مع صاحب العمل المُتنازل عن حق غريب لنفسه لا يخطر لبشر على بال، وليس مجال التفاصيل هنا، ولا أظن في غير هنا، ولكن الشاهد أن أناساً يقيمون في دولة شبه أوروبية تم استقدام أحدهم من دولة خليجية إليهم عن طريق ثالث فاكتُشف أن الأوائل والثاني لا ينتمون إلى أخلاق الصف في شيء، بل كلاهما ناكر للجميل يقبل ما يندى له الجبين، وإن تدخل أطهار الشرفاء من الإخوان لطرد "الدعي" القادم من الخارج، فإن أحداً منهم لا يستطيع التصدي للثاني لاتّباعه نظاماً غريباً في التعامل معهم، باختصار يهدد فيه بفضحهم جميعاً، عبر تشويهه سيرة نفسه إلحاقاً بالضرر بهم، كمثل "جحا" لما أراد غيظ زوجته فقطع أذنه، وشاهده مخالفات مالية رهيبة تمتْ إدانته بها، والإدانة لا تمت بصلة للحكاية الأولى السابقة، ولا حتى لسبب طرد "الدعي" الذي يبقيه لديه حتى وقت كتابة السطور، رغم ارتكابه جريمة مُخزية في حقه..

والشاهد أن "الجماعة"، من آسف، لا تشهد مخالفات خلقية بسيطة أو أزمة عابرة، بل إن خلف الأكمة ما خلفها، ملايين هناك تنهب وتسحب بالعشرات، وآلية المحاسبة شبه منعدمة، وعندما تتم يتم النقض عليها بأي قول.. وتضيع الحقوق، وفي النهاية يُقال لك جملة أشك في نسبتها إلى مرشد سابق للجماعة:
"80% من المنضوين تحت رداء الجماعة من المنخنقة والموقوذة وما أكل السبع"!

ولكن بقي سؤال:
ـ إذا كان الذي يدخل الجماعة تنطبق على بعضهم هذه المقولة، ولو جزئياً، وقد ذكرها لي ثقة مقرّب من المرشد، فماذا عن "آليّات التصعيد"، كيف يتم تصعيد العشرات بل المئات إن لم يكن أكثر ممّن لا يراعون حرمة لأعلى، والنتيجة الموقف البالغ القتامة الذي تقف الجماعة به اليوم..

(2)
أعتقد أن الذي حدث هو أن الانقلاب واكب نضج الثمرة الخبيثة في الجماعة، ليس الانقلاب الذي أفرز أسوأ ما فينا، أي في الإخوان، جرياً على نسق الجملة المعروفة، بل إن أسوأ ما في الإخوان هو الذي أتى بالانقلاب، والجملة الأخيرة تعديل للنسق مع شيء من جرس الإنذار، فلو أن الجماعة، الأكثر خيرية في مصر، وأكاد أقول في العالم الإسلامي، وهي شهادة تكفيها، فإنني لأدرك جيداً أن بين جنبات هذه الجماعة آلاف الخيّريين، ولكن كم من فتنة عمّت لوجود البعض المندس والذي لا توفيه الألفاظ حقه، وما زلتُ أكرر مع المتنبي: ولم أرَ في الناس عيباً سوى نقص القادرين على التمامِ. ومن آسف كان الإخوان وفيهم أخيار حقيقيون، ولكن البعض السيئ لا يُبارى ولا يُنازَع في سوئه، وهؤلاء يأكلون في كبد الجماعة كما تأكل النار الحطب، بدأوا المسيرة وما يزالون.

(3)
أما قصة رأب الصدع في الجماعة، فأخشى أن يكون أمراً بالغ الصعوبة اليوم، والناس ترى أن رأب الصدع في الجماعة يساوي "مصالحة" بين طرفين فيها، القديم والجديد، السلمية المطلقة والعنف، والأمر في الحقيقة أعم وأوسع من هذا، فما سارت الجماعة في طريق عدم القدرة على التفكير من الأساس، بل اعتماد مقولات النصر القادم بلا إرهاق ذهن وصولاً إلى اتخاذ التدابير والأسباب التي تأتي بالنصر، وأولها التدقيق في الصف الإخواني، وما دمنا نقول إن لا مكان لخائن بيننا، وتُبقي الجماعة على ناهبي الأموال التي لها ولغيرها، فإن الأمور لن تتغيّر كثيراً.

إن الأمر لو يدرون تجاوز المحنة والأزمة بكثير جداً، بل ووصل لمحطة أزمة وجود، إما أن تكون جماعة الإخوان أو لا تكون، إن جماعة كانت فتيّة تعاني بقوة من الخونة من خارجها ومن داخلها، وإن "طفح الأزمة الخُلقية" من قبل البعض حتى زاد الأمر عن المتخيّل لا المتوقع.

وإن أزمة خُلقية تنفجر على أثر مقتل قرابة عشرة آلاف مصري، ويشتمل بركان الدم مصابين يتجاوزون هذا الرقم ومعتقلين يتجاوزون ضعف عدد المصابين والشهداء وتبقى أزمة خلقية، وآكلون في أطباق تقطر ألماً وقتلاً وفقراً ومعاناة، فإن الخيال يفتقد كلمة تصف هذا الحال والمآل!

(مصر)

المساهمون