بدأت قوات المعارضة السورية، يوم الجمعة الماضي، معركة حملت شعار "وبشر الصابرين" في ريف القنيطرة جنوب غربي البلاد، بهدف تحرير عدد من النقاط الاستراتيجية في القنيطرة، والتي تتبع اللواء 90، وكسر خطوط الدفاع الأولى لقوات النظام في المحافظة، وفتح طريق للمحاصرين في الغوطة الغربية في ريف دمشق بعد ذلك.
ونجحت فصائل المعارضة في اليوم الأول من بدء المعركة، بالسيطرة على الحاجز الواصل بين بلدة أوفانيا، التابعة للقطاع الشمالي للقنيطرة، وبلدة نبع الفوّار، ما مكّنها من تخفيف ضغط القصف بقذائف الهاون على بلدة جباتا الخشب، ومباغتة قوات النظام الموجودة على طريق أوفانيا-نبع الفوار.
وبعد ثلاثة أيام من بدء المعركة، أعلنت قوات المعارضة، بحسب بيان وصلت "العربي الجديد" نسخة منه، السيطرة على حاجز طرنجة وسرية طرنجة (السرية الرابعة) والمزارع المحيطة بها، وتتبع هذه المناطق اللواء 90. وتُعتبر سرية طرنجة خط دفاع رئيسياً عن التل الأحمر وبلدة حضر الموالية للنظام، والتي تُعدّ منطلقاً للهجوم على المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة في ريف دمشق الغربي وبلدات الريف الشمالي من القنيطرة. وأعلنت المعارضة كذلك قتل وجرح العشرات من قوات النظام، وتدمير عدد من الآليات العسكرية. جميع المناطق التي سيطرت عليها المعارضة حتى الآن، هي من ضمن المرحلة الأولى من معركة "وبشر الصابرين".
واللواء 90 هو اختصاص مشاة ومدرعات، وامتداد للواء 16 على خط الجبهة مع الجولان المحتل ويمتد ليصل إلى ريف دمشق. ويعتبر اللواء 90 أهم موقع عسكري للنظام في القنيطرة، وسبق أن استهدفه الجيش الإسرائيلي في أكثر من مناسبة، كان آخرها قبل يومين، عندما رد على إطلاق قذائف إلى داخل الجولان، بقصف على مقر قيادي في اللواء 90 في كوم محيرس على أوتوستراد دمشق القنيطرة، وسرية الصقري، وهي عبارة عن سرية دفاع جوي مضادة للطائرات ذات موقع استراتيجي للنظام.
وتمتد سيطرة قوات المعارضة على طول الشريط الحدودي مع الجولان السوري المحتل، وغالباً يرافق القصف من قبل قوات النظام على مناطق المعارضة سقوط قذائف داخل الجانب المحتل.
وعلى الرغم من فشل محاولات المعارضة السورية تكراراً للسيطرة على اللواء 90، وفتح طريق باتجاه الغوطة الغربية في ريف دمشق، إلا أن المحاولة الأخيرة تأتي في وقت يشهد فيه النظام تراجعاً في كافة جبهاته، ما قد يؤدي إلى نجاح هذا الهجوم الذي تشارك فيه فصائل عديدة، على الرغم من الصعوبة الكبيرة لهذه المعركة.
وتحقق مسألة فتح طريق بين الريف الغربي لدمشق وقرى جبل الشيخ والقنيطرة، وهي غاية المعارضة في المعركة الأخيرة، مجموعة من الأهداف، على رأسها التقاء ريفي القنيطرة ودرعا بريف دمشق، ما يُشكّل ضربة قاصمة للنظام، فضلاً عن إضعاف النظام في محافظة القنيطرة بشكل كبير، لأن هذه الضربة ستأتي بعد سلسلة من المعارك تعرّض خلالها إلى خسائر في القنيطرة، خصوصاً بعد فقدانه اللواء 61 بشكل كامل في المنطقة الجنوبية من القنيطرة الملاصقة لريف درعا، كما معظم السرايا والكتائب التابعة للواء 90 باستثناء القيادة العامة للواء.
وتدرك فصائل المعارضة أهمية المنطقة الغربية ومحاولة الوصول إلى مدينة قطنا، أبرز المحميات العسكرية للنظام في ريف دمشق الغربي، وهو ما يزعج النظام، لأن طريقه البرية الرئيسية ستكون مهددة وتحت نيران فصائل المعارضة، فضلاً عن عزل مدينة الكسوة، والتي تحوي قيادات عسكرية مهمة من بينها الفرقة الأولى، وتُعتبر عصب وشريان النظام لدرعا والقنيطرة، ولذا سيحاول النظام بشتى الطرق وقف هذه المعركة، عبر الاعتماد على القوة النارية التي خدمته في مناسبات عدة، ودفعت فصائل المعارضة إلى الانسحاب، وكذلك عبر الاستعانة بالمليشيات الإيرانية والعراقية وعناصر "حزب الله".
اقرأ أيضاً: 17 قتيلاً بقصف على دير الزور والمعارضة تتقدّم بالقنيطرة
وتُعتبر المناطق التي تخوض فيها قوات المعارضة مواجهات مع قوات النظام ذات حساسية كبيرة، إذ إن المنطقة الشمالية من محافظة القنيطرة كانت دائماً تمثل قلقاً للمعارضة بسبب وجود قريتين درزيتين مؤيدتين للنظام، وهما حضر وحرفا. وكما هو معلوم، فإن طريق حضر نحو بلدة جباتا الخشب ومدينة خان أرنبة مقطوع منذ ثلاث سنوات، ومقاتلو قرية حضر كانوا يستخدمون طريق طرنجة التي سيطرت عليه فصائل المعارضة أخيراً، ما يعني حصار حضر بشكل كامل وعزلها عن بقية المدن والبلدات، باستثناء الشريط الحدودي مع مرتفعات الجولان المطل على بلدة بقعاثا ومجدل شمس، المحتلتين من قبل إسرائيل.
على أن دخول المعارضة قرية حضر الاستراتيجية لن يكون بالسهل، إذ إن سكانها مسلحون بشكل كامل، وهي عبارة عن منطقة جبلية تشكل التقاء جبل الشيخ مع الجولان، ما يعني أن المقاتلين المسلحين فيها، لديهم خبرة طويلة في الحرب.
في المقابل، ستحاول قوات المعارضة الآن فك الطوق المتمثل بتل الشعار، المطل على بلدة جباتا وسرية الصقري وبلدة خان أرنبة ومدينة البعث، ويمهّد سقوط الشعار للحسم في محافظة القنيطرة، لكون التل يتحكم نارياً باتجاهات المنطقة. كما أن سقوط التل هو سقوط فعلي للواء 90 الاستراتيجي، لأن اللواء يقع تحت نيرانه بشكل مباشر، وعلى هذا فإن معركة المعارضة في تل الشعار وسرية الصقري لن تكون سهلة، وتحتاج إلى ترتيب وإعداد أكثر من جيد.
وكانت "جبهة ثوار سورية" المعارضة قد أصدرت أول من أمس الإثنين بياناً وصلت "العربي الجديد" نسخة منه، قالت فيه إن الجبهة ستبدأ معركة في بلة جبة وتل كروم استكمالاً للانتصارات التي تحققت في ريف القنيطرة، "حتى تحرير المحافظة بشكل كامل".
وسبقت محاولة لـ"الجيش السوري الحر" قبل شهرين ونصف للاستيلاء على تل الشعار وبلدة جباتا وتل كروم، لكنها باءت بالفشل، بسبب تحصين التل وقوته النارية، حتى إن وزير الدفاع في حكومة النظام، فهد جاسم الفريج، زار مقاتلي النظام وأثنى عليهم في ذلك الحين. يضاف إلى ذلك أن هذه النقاط تشكل عائقاً كذلك أمام تقدّم المعارضة نحو مدينتي البعث وخان أرنبة، حيث تتمركز أكبر تجمّعات قوات النظام في القنيطرة، لتمنع تقدّم المعارضة إلى ريف دمشق الغربي.
وتعتبر مدينة خان أرنبة، مركز محافظة القنيطرة مع مدينة البعث، ويعتمد النظام بشكل أساسي على اللجان الشعبية للذود عن خان أرنبة وهي مركز ثقل عسكري، في حين تُعد مدينة البعث التي تقع بعد خان أرنبة باتجاه مدينة القنيطرة المهدمة، مركز ثقل رسمي ودبلوماسي، إذ يتواجد فيها مقر المحافظة ومديرية المالية، وبالتالي فإن عملها يقتصر على الجانب الإداري، ويحدها من الشمال بلدة أوفانيا ومن الغرب الحميدية ورسم الحلبي ومن الجنوب الصمدنية والقحطانية ومن جهة الشرق خان أرنبة، المنفذ الوحيد لها.
يؤدي ذلك كله إلى أن طريق قوات المعارضة لفتح طريق باتجاه ريف دمشق الغربي على الرغم من أنه ليس مستحيلاً، لكنه يمر عبر سلسلة من المناطق الاستراتيجية للنظام والمحصنة عسكرياً، ولذا حرصت "غرفة العمليات المشتركة" لمعركة "وبشر الصابرين" منذ البداية، على مناشدة كافة النشطاء والمؤسسات والشبكات الإعلامية على أن "لا يكون السبق الصحافي أغلى عليكم من إخوانكم"، في إشارة إلى التسرع في نشر انتصارات للمعارضة، مؤكدة أن "المعركة كبيرة وواسعة".
اقرأ أيضاً: توترٌ بين "الجبهة الشامية" ومليشيا كردية بحلب