فاجأ نائب رئيس الإمارات ورئيس مجلس الوزراء محمد بن راشد، مساء الأحد، سكان الإمارات ولأول مرة بالإعلان عن أكبر تغيير وزاري في تاريخ البلاد عبر تويتر، في خطوة وصفها مراقبون بتسريع الإجراءات لمقابلة التحديات، ولكن ماذا وراء هذا التغيير الكبير الذي يشبه إلى حد ما إعادة هيكلة لحكومة الدولة الخليجية التي تعيش أكبر تحد مالي وتجاري واقتصادي في تاريخها؟
يرى خبراء أن هذا التغيير الوزاري الكبير يعكس حجم القلق المالي والتجاري والمصرفي الذي تعيشه الإمارات على عدة جبهات ويتفاقم بسبب تفشي جائحة كورونا. ولكن مؤسسة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني ترى في تقرير، أن الأزمة المالية التي تعاني منها دبي ربما ستضرب القطاع المصرفي في كامل البلاد ولن تستثني مصارف أبوظبي، إذ رفعت مصارف البلاد مخصصاتها في الربع الأول من العام الجاري لتغطية الديون المعدومة بمعدلات مرعبة عما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي.
وتواجه الإمارات ثلاثة تحديات رئيسية خلال الأعوام المقبلة تختلف نوعياً وكمياً عن أزمة العقارات التي ضربت إمارة دبي في العامين 2008 ـ 2009، إذ إن الأزمة المالية الماضية كانت قاصرة على القطاع العقاري في دبي، ولم تصل إلى قطاع العقارات في الإمارات الست الأخرى، كما أنها لم تشمل العديد من القطاعات الأخرى.
لكن الأزمة الحالية ربما ستشمل جميع القطاعات التي بنت عليها دبي ومعظم الإمارات الأخرى مستقبلها الاقتصادي، وتأتي في وقت تتدهور فيه إيرادات إمارة أبوظبي من النفط وهي مرهقة مالياً من الصرف الكبير على الحروب في المنطقة كما هو الحال في اليمن وليبيا والمشاكل التي تعاني منها استثماراتها السيادية في الخارج.
وبالتالي ربما لن تكون أبوظبي قادرة على توفير الدعم المالي لإنقاذ الإمارات غير النفطية التي بنت أسس نموها الاقتصادي على استراتيجية "أبني وسيأتي المشترون والمستثمرون". وهي استراتيجية نجحت في دبي خلال سنوات الانتعاش الاقتصادي العالمي وفترة العولمة، ولكنها ربما لن تنجح في فترة الضمور والانكماش الحالية.
وتبعت استراتيجية دبي هذه بقية الإمارات الأخرى الصغيرة، وهي الشارقة ورأس الخيمة وعجمان وأم القوين والفجيرة، وحتى إمارة أبوظبي الغنية بالنفط استثمرت مئات المليارات خلال الأعوام الأخيرة في بناء جزر كاملة على أمل انتعاش الدخل السياحي.
في هذا الشأن يرى محللون أن الأزمة الاقتصادية المركبة التي تفاقمها تداعيات جائحة كورونا ربما ستنتهي إلى أزمة مصرفية في كامل الإمارات هذه المرة ولن تكون قاصرة على دبي وحدها، وذلك بسبب تراكم الديون المعدومة على القطاع البنكي في مجتمع استهلاكي يفوق صرفه حجم دخله.
في هذا الشأن أيضا، لاحظت وكالة موديز في تقرير حديث، أن مصارف الإمارات رفعت مخصصاتها للديون المعدومة بنسبة 222% في الربع الأول من العام الجاري مقارنة بمعدلاتها في الفترة نفسها من العام الماضي. وهذا معدل مرعب يعكس حجم الانهيار في الأعمال التجارية والقطاع العقاري والسياحي الذي يشكل معظم اقتصاد الإمارات غير النفطية في البلاد. وهذا الحجم من المخصصات لتغطية الديون المعدومة من المتوقع أن يتزايد خلال العام الجاري مع تزايد معدل الشركات المفلسة وغير القادرة على خدمة ديونها في القطاعات غير المربحة في مجال العقارات والفنادق ومؤسسات الطيران والنقل البحري والموانئ.
وحتى الآن عمل البنك المركزي في الإمارات على تأجيل حدوث الأزمة المصرفية بالأمارات عبر مجموعة من الإجراءات، من بينها تأجيل تسديد الديون وخدمتها على أمل أن تنحسر جائحة كورونا ويعود اقتصاد الإمارات للنمو مجدداً.
لكن من جانبها ترى وكالة فيتش أن إجراءات البنك المركزي الإماراتي ربما ستغطي على أزمة المصارف التجارية بالإمارات على المدى القصير ولكنها لن تنهيها. وحسب تقرير لوكالة فيتش الأميركية للتصنيف الائتماني صدر حديثاً، فإن مصارف الإمارات ستعاني خلال العام الجاري من تدهور في نوعية أصولها بسبب تدهور الأعمال التجارية وتدهور الإيداعات التي كانت تحصل عليها من مداخيل النفط وحركة العقود التابعة لشركاته جراء تبعات انهيار القطاعين العقاري والسياحي.
كما ستعاني المصارف الإماراتية كذلك من معدل الفائدة المنخفض على عمليات القروض وتدهور حجم التمويلات التي كانت تمنحها للمشاريع في الإمارات. ولم تستبعد فيتش أن يقود طول أمد جائحة كورونا إلى المزيد من الضغوط على السيولة بالمصارف وكفاية رأس المال.
وتعاني المصارف العاملة في الإمارات كذلك إضافة إلى هذه الأزمات من ضغوط سحب الإيداعات المستمر منها بواسطة حكومات الإمارات وشركاتها لتلبية أوجه الإنفاق الحكومي في وقت تنعدم فيه الدخول وتتدهور أسعار أسهمها في السوق المالي.
وإضافة إلى جائحة كورونا التي ضربت القطاع السياحي والعقاري في الإمارات، عانى الاقتصاد الإماراتي الذي يتوقع له البنك المركزي أن ينكمش خلال العام الجاري بنسبة 3.6% من مجموعة أزمات. وهذه الأزمات تتلخص في انهيار مداخيل أسعار النفط التي ضربت الفوائض المالية التي كانت تودع في المصارف التجارية وتحرك العقود التجارية وعمليات التمويل والإقراض.
وثانياً، عانى الاقتصاد في الإمارات من جفاف الاستثمارات السعودية الضخمة التي كان يضخها مليارديرات السعودية في القطاع العقاري والسياحي في شرايين النشاط التجاري وتحديداً في إمارة دبي.
وهؤلاء الأثرياء الذين تم سجنهم في فندق الريتز كارلتون في العام 2017 وجردوا من جزء كبير من ثرواتهم وحجزت أموالهم ومنعوا من السفر، قامت السلطات السعودية بمطاردة حساباتهم في البنوك الإماراتية. والمشكلة أن أثرياء السعودية، حتى الذين لم يتعرضوا للسجن ولم يجر تجريدهم من أموالهم باتوا لا يثقون بالسلطات الإماراتية التي سلمت حساباتهم المصرفية للسلطات السعودية، علما أن العديد من هؤلاء الأثرياء استثمروا بقوة في العقارات والسياحة في الإمارات.
أما الأزمة الثالثة، فهي تفاقم ديون إمارة دبي، فعلى صعيد أزمة ديون شركات دبي، تقدر مؤسسة "كابيتال إيكونومكس"، أن الشركات الحكومية العاملة بالإمارة ستواجه خدمة ديون يقدر حجمها 21.3 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهو مبلغ يعادل نسبة 19.4 من حجم اقتصاد دبي. وترى المؤسسة الاستشارية أن حوالى 30 مليار دولار من ديون الشركات الحكومية بدبي سيحين أجل سدادها في العام 2023.
وتعاني إمارة دبي من مشكلة في المتاجر الضخمة وحركة التسوق، إذ تعاني معظم محلات التسوق الكبرى من انهيار القوة الشرائية وانعدام السياح والمتسوقين من الدول الخليجية الأخرى. واضطرت هذه المحلات التجارية خلال الأشهر الماضية لخفض أجور موظفيها بنسبة 75%، كما منحت العديدين منهم إجازات بدون مرتبات.
ويقول محللون إن العديد من الإمارات في الاتحاد تواجه الآن هروباً من المستثمرين الأجانب، وأن المدن الإعلامية والتقنية التي أسستها إمارة دبي تواجه حالياً أزمة إشغال بسبب هروب المستثمرين الأجانب. ويلخص خبير اقتصادي الوضع الراهن بدبي بقوله، "بدلاً من قدوم الزوار والمستثمرين لدبي فإنهم يغادرون الآن بأعداد كبيرة الإمارة التي يقدر عدد سكانها بحوالى 3.3 ملايين نسمة يشكل الأجانب نسبة 98% منهم.
وكانت حكومة الإمارات قد مددت إقامات العديد من المهاجرين الذين فقدوا وظائفهم حتى نهاية العام الجاري على أمل حدوث انفراجة اقتصادية وهو ما لم يحدث، وبالتالي فإن معظم هؤلاء الذين مددت إقاماتهم سيضطرون للسفر إلى بلدانهم وسط الكساد الذي يخيم على النشاط الاقتصادي وانعدام الفرص الوظيفية. ولا يرى محللون أنهم يستطيعون البقاء.
ويقدر صندوق النقد الدولي ديون دبي بأكثر من 100% من إجمالي الناتج المحلي. وكانت تقديرات محاسبية قد قدرتها في العام الماضي بحوالى 121 مليار دولار في نهاية العام الماضي. ولكن هذه المديونية ستواصل الارتفاع مع ارتفاع كلف الإنفاق في الإمارة وانعدام دخول الشركات الحكومية.