05 نوفمبر 2024
هل تتواجه إسرائيل وروسيا في سورية؟
تصاعدت، أخيرا، حدة تصريحات المسؤولين الإسرائيليين وتهديداتهم بضرب أهداف لنظام الملالي الإيراني ولحزب الله اللبناني في سورية، وخصوصا بعد أن توصل الروس مع الأميركيين إلى اتفاق على وقف إطلاق النار في المنطقة الجنوبية، وضمها إلى مناطق "خفض التوتر".
ولم يخف ساسة إسرائيل وجنرالاتها معارضتهم اتفاق المنطقة الجنوبية في سورية، حيث هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنه لن يسمح لنظام الملالي الإيراني بتعزيز نفوذه ونفوذ وكيله اللبناني حزب الله داخل سورية، خصوصاً في المنطقة الجنوبية المحاذية لإسرائيل، بل واعتبر تعزيز وجود مليشياتهما على الحدود الفلسطينية قد يفضي إلى اندلاع حرب إقليمية في المنطقة، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى إطلاق تحذيراتٍ ضمنية لإسرائيل، معتبراً "أي شخص في الشرق الأوسط، يخطط لانتهاك القانون الدولي بتقويض سيادة أي دولة أخرى، أو سلامة أراضيها، بما في ذلك أي دولة في الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا، مُدان ومرفوض". وهذا الكلام المبطن والمخفف ممن يُعرف بأنه ثعلب الدبلوماسية الروسية جاء كذلك، لأنه موجه إلى ساسة إسرائيل فقط، ولم يظهر لهم صلافته وصلابته المعهودتين حيال ساسة دولٍ أخرى، وفي مناسبات مماثلة.
واللافت أن ساسة الكيان الإسرائيلي وجنرالاته لم يظهروا أي اعتراضٍ على وجود المليشيات الإيرانية ومليشيات حزب الله اللبناني من قبل، عندما دخلت لخوض معركة الدفاع عن نظام
الأسد، حامي حدودهم التاريخي، بل كانوا، وما زالوا، مسرورين، حينما كانت هذه المليشيات تقتل السوريين، وفي الوقت نفسه كانت مقاتلاتهم تستهدف، بالتنسيق الكامل مع الروس، أي تحرّك قد يشكل تهديداً لأمن كيانهم. لكن حينما وصل الأمر إلى محاولة شرعنة وجود مليشيات نظام الملالي بالقرب من حدودهم، ثارت حفيظتهم، وراحوا يطلقون التهديدات باندلاع حرب إقليمية.
ويبدو أن الساسة الروس يدركون ما يعنيه ساسة إسرائيل بتهديداتهم، وقد لخصه نتنياهو في ختام زيارته إلى روسيا أخيرا، حيث قال بعد لقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، "يعرف المجتمع الدولي أننا حين نقول شيئاً ننفذه أيضاً". لذلك سارعت وزارة الدفاع الروسية إلى إعلان أن "الخبراء العسكريين الروس والسوريين أنشأوا نظام دفاع جوي موحد ومتكامل يغطي كل الأراضي السورية"، ما يعني وضع المعدات الاستخباراتية الجوية الروسية والسورية في نظام موحد فنياً ومعلوماتياً، وبقيادة عسكرية روسية في قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية التي توجد فيها كتيبة الهندسة الراديوية ومنظومة (بانتسير – أس) الصاروخية الروسية، ومدافع مضادة للطائرات، ومنظومات الصواريخ (أس – 400). وهذا يعني أن القوات الروسية باتت صاحب اليد الطولى المسيطرة على السماء السورية.
ويبدو أن التفاهمات ما بين الساسة الروس والإسرائيليين في سورية لم تتطور إلى الدرجة التي يريدها الإسرائيليون، خصوصاً بعد أن حسمت القيادات العسكرية الإسرائيلية تقديراتها أن الحرب في سورية تقترب من نقطة النهاية، وأن تحالف النظام الروسي مع نظام الملالي الإيراني والأسد قد حسمها لصالحه، الأمر الذي ينذر بخطر حدوث تغيير استراتيجي سلبي حيال إسرائيل. وهنا يكمن مصدر قلق ساسة الكيان الإسرائيلي. لذلك راح ساسته يطلقون التهديدات بأنهم لن ينتظروا أي طرفٍ لإبعاد التهديد عنهم، وأنهم لن يقبلوا بمحاولات نظام الملالي الإيراني في إنشاء واقع جديد، وأطلقوا تهديداتهم بأن كل الاحتمالات مطروحة على الطاولة، بما فيها احتمال حدوث مواجهات عسكرية، وأنهم لن يعتمدوا على الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، بل سيحتفظون بحقهم في "الدفاع عن النفس"، وكأنهم في حال خطر محدق.
غير أن الساسة الإسرائيليين يدركون تماماً أن حزب الله اللبناني غير معني بمواجهة مع كيانهم، وأنه بعد قبوله قرار مجلس الأمن 1701 تحول إلى حام للحدود مع دولة إسرائيل في لبنان،
حيث لم يطلق طلقة واحدة ضد إسرائيل منذ 2006، بل سخّر، بأوامر من نظام الملالي الإيراني، كل طاقاته المليشياوية الطائفية لخوض معركة الدفاع عن نظام الأسد الإجرامي. ومع ذلك، يروّج الساسة الإسرائيليون أن مليشيا هذه الحزب ستنتشر على طول مرتفعات الجولان عند الحدود، ما يعني السيطرة على جنوب سورية، بالتالي سيشمل امتداد مليشيات نظام الملالي الإيراني مئات الكيلومترات، بدءاً من رأس الناقورة في الغرب، وصولاً إلى جنوب شرقي هضبة الجولان، وهذا الوجود المبالغ فيه، وغير الواقعي، هو ما يثير حفظية ساسة إسرائيل وجنرالاتها، ويبنون عليه تهديداتهم بحربٍ إقليمية شاملة، تبدأ في سورية وقد تمتد إلى إيران.
لكن السؤال هو، ماذا ستفعل منظومة الدفاع الجوية الروسية، إذا استهدفت إحدى المقاتلات الإسرائيلية مواقع لنظام الملالي الإيراني أو لحزب الله اللبناني في سورية؟ هل ستجرؤ روسيا وتسقطها؟
لا أعتقد، لأن ذلك يعني حدوث مواجهة مباشرة بين الروس والإسرائيليين، الأمر الذي سيعقد الأوضاع في الشرق الأوسط، وربما تكون تكلفته باهظة على الروس وعلى الإسرائيليين. والأرجح أن الساسة الروس سيلجأون إلى طمأنة رصفائهم الإسرائيليين من أنهم يمسكون بزمام المبادرة في سورية، ولن يسمحوا لمليشيات نظام الملالي أو لمليشيات حزب الله بتشكيل أي خطر على أمن إسرائيل، وسبق لهم السماح للمقاتلات الإسرائيلية في استهداف أي مكان يحتمل أن يشكل تهديداً لإسرائيل في سورية، لكنهم في الوضع الراهن في أيامنا هذه لا يريدون لإسرائيل أو سواها أن تعرّض ما أنجزته قواتهم في سورية للخطر. لذلك لا يريد الساسة الروس حدوث تصعيد عسكري جديد في سورية، خصوصا وأنهم استطاعوا أن يغيروا ميزان القوى العسكري لصالحهم، وبدأوا مرحلة تبريد الجبهات، من خلال إنشاء مناطق "خفض التصعيد" أو التوتر، تمهيداً لفرض حلّ يضمن مصالحهم في سورية ويصونها، وفي مقدمتها يبقي وجودهم العسكري إلى أجل غير مسمى.
ولم يخف ساسة إسرائيل وجنرالاتها معارضتهم اتفاق المنطقة الجنوبية في سورية، حيث هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنه لن يسمح لنظام الملالي الإيراني بتعزيز نفوذه ونفوذ وكيله اللبناني حزب الله داخل سورية، خصوصاً في المنطقة الجنوبية المحاذية لإسرائيل، بل واعتبر تعزيز وجود مليشياتهما على الحدود الفلسطينية قد يفضي إلى اندلاع حرب إقليمية في المنطقة، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى إطلاق تحذيراتٍ ضمنية لإسرائيل، معتبراً "أي شخص في الشرق الأوسط، يخطط لانتهاك القانون الدولي بتقويض سيادة أي دولة أخرى، أو سلامة أراضيها، بما في ذلك أي دولة في الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا، مُدان ومرفوض". وهذا الكلام المبطن والمخفف ممن يُعرف بأنه ثعلب الدبلوماسية الروسية جاء كذلك، لأنه موجه إلى ساسة إسرائيل فقط، ولم يظهر لهم صلافته وصلابته المعهودتين حيال ساسة دولٍ أخرى، وفي مناسبات مماثلة.
واللافت أن ساسة الكيان الإسرائيلي وجنرالاته لم يظهروا أي اعتراضٍ على وجود المليشيات الإيرانية ومليشيات حزب الله اللبناني من قبل، عندما دخلت لخوض معركة الدفاع عن نظام
ويبدو أن الساسة الروس يدركون ما يعنيه ساسة إسرائيل بتهديداتهم، وقد لخصه نتنياهو في ختام زيارته إلى روسيا أخيرا، حيث قال بعد لقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، "يعرف المجتمع الدولي أننا حين نقول شيئاً ننفذه أيضاً". لذلك سارعت وزارة الدفاع الروسية إلى إعلان أن "الخبراء العسكريين الروس والسوريين أنشأوا نظام دفاع جوي موحد ومتكامل يغطي كل الأراضي السورية"، ما يعني وضع المعدات الاستخباراتية الجوية الروسية والسورية في نظام موحد فنياً ومعلوماتياً، وبقيادة عسكرية روسية في قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية التي توجد فيها كتيبة الهندسة الراديوية ومنظومة (بانتسير – أس) الصاروخية الروسية، ومدافع مضادة للطائرات، ومنظومات الصواريخ (أس – 400). وهذا يعني أن القوات الروسية باتت صاحب اليد الطولى المسيطرة على السماء السورية.
ويبدو أن التفاهمات ما بين الساسة الروس والإسرائيليين في سورية لم تتطور إلى الدرجة التي يريدها الإسرائيليون، خصوصاً بعد أن حسمت القيادات العسكرية الإسرائيلية تقديراتها أن الحرب في سورية تقترب من نقطة النهاية، وأن تحالف النظام الروسي مع نظام الملالي الإيراني والأسد قد حسمها لصالحه، الأمر الذي ينذر بخطر حدوث تغيير استراتيجي سلبي حيال إسرائيل. وهنا يكمن مصدر قلق ساسة الكيان الإسرائيلي. لذلك راح ساسته يطلقون التهديدات بأنهم لن ينتظروا أي طرفٍ لإبعاد التهديد عنهم، وأنهم لن يقبلوا بمحاولات نظام الملالي الإيراني في إنشاء واقع جديد، وأطلقوا تهديداتهم بأن كل الاحتمالات مطروحة على الطاولة، بما فيها احتمال حدوث مواجهات عسكرية، وأنهم لن يعتمدوا على الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، بل سيحتفظون بحقهم في "الدفاع عن النفس"، وكأنهم في حال خطر محدق.
غير أن الساسة الإسرائيليين يدركون تماماً أن حزب الله اللبناني غير معني بمواجهة مع كيانهم، وأنه بعد قبوله قرار مجلس الأمن 1701 تحول إلى حام للحدود مع دولة إسرائيل في لبنان،
لكن السؤال هو، ماذا ستفعل منظومة الدفاع الجوية الروسية، إذا استهدفت إحدى المقاتلات الإسرائيلية مواقع لنظام الملالي الإيراني أو لحزب الله اللبناني في سورية؟ هل ستجرؤ روسيا وتسقطها؟
لا أعتقد، لأن ذلك يعني حدوث مواجهة مباشرة بين الروس والإسرائيليين، الأمر الذي سيعقد الأوضاع في الشرق الأوسط، وربما تكون تكلفته باهظة على الروس وعلى الإسرائيليين. والأرجح أن الساسة الروس سيلجأون إلى طمأنة رصفائهم الإسرائيليين من أنهم يمسكون بزمام المبادرة في سورية، ولن يسمحوا لمليشيات نظام الملالي أو لمليشيات حزب الله بتشكيل أي خطر على أمن إسرائيل، وسبق لهم السماح للمقاتلات الإسرائيلية في استهداف أي مكان يحتمل أن يشكل تهديداً لإسرائيل في سورية، لكنهم في الوضع الراهن في أيامنا هذه لا يريدون لإسرائيل أو سواها أن تعرّض ما أنجزته قواتهم في سورية للخطر. لذلك لا يريد الساسة الروس حدوث تصعيد عسكري جديد في سورية، خصوصا وأنهم استطاعوا أن يغيروا ميزان القوى العسكري لصالحهم، وبدأوا مرحلة تبريد الجبهات، من خلال إنشاء مناطق "خفض التصعيد" أو التوتر، تمهيداً لفرض حلّ يضمن مصالحهم في سورية ويصونها، وفي مقدمتها يبقي وجودهم العسكري إلى أجل غير مسمى.