عاد موضوع تصفية المواطنين الفرنسيين في أماكن النزاع بسورية والعراق إلى واجهة الأحداث، في ظل الأنباء المتواترة التي تتحدث عن لجوء القوات الخاصة الفرنسية إلى القضاء على من تراهم يشكلون خطراً على أمن البلاد، وسط جدل واسع حول انتهاك وتجاوز القانون الدولي.
وفي كتابه المثير للجدل "الرئيس لا يجب أن يقول هذا"، اعترف الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، بلجوء الاستخبارات الفرنسية إلى تصفية من تراهم يشكلون خطراً على فرنسا. وكشف هولاند عن أن بعض من سبقوه، من الرؤساء، أصدروا أوامر بالقتل تتجاوز ما أصدره.
وعدا بعض الانتقادات الخجولة، من هنا وهناك، عبّر كثيرٌ من الساسة الفرنسيين عن تأييدهم تصفية مواطنيهم من الجهاديين في أماكن النزاع بسورية والعراق قبل أن يصلوا إلى فرنسا.
وقد عاد هذا الموضوع، بقوة، بعدما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، قبل يومين، عن لجوء القوات الخاصة الفرنسية لطلب مساعدة القوات العراقية لتعقّب وتصفية الجهاديين الفرنسيين. وعلى الرغم من تكذيب الجيش الفرنسي، الذي أكد على أن دوره لا يتجاوز الإسناد والعمل الاستخباراتي، إلا أن الصحيفة تؤكد أنها استقت أخبارها من طرف ضباط عراقيين منخرطين في معركة الموصل. كما تكشف عن أسماء وصُوَر 27 شخصاً باعتبارهم أهدافا بالغة الأهمية، توجد، الآن، بحوزة قوات مكافحة الإرهاب العراقية.
وحسب الصحيفة الأميركية فإن التعاون الفرنسي العراقي قد أثمر عن اغتيال عدد من المواطنين الفرنسيين من قبل القوات العراقية، بدعم استخباراتي فرنسي، ساعد العراقيين على تحديد أماكن هذه الأهداف.
وحسب الصحيفة الأميركية، دائما، فإن هاجس القوات الفرنسية، كما يؤكده مستشار للحكومة الفرنسية في الشؤون الخارجية، هو "التأكد من أن مواطنيها الذين بايَعوا تنظيم (داعش) لن يعودوا إلى بلدهم، فرنسا، أبدا، حتى لا يهددوا بتنفيذ هجوم إرهابي". وهو ما يعني بصيغة أخرى، كما يقول ضابط عراقي في وحدة مكافحة الإرهاب، أن الفرنسيين "يهتمون بأمرهم، هنا، حتى لا يجدوا أنفسهم مضطرين للاهتمام بأمرهم في فرنسا".
وأمام خطورة الاتهامات التي تطارد الفرنسيين، باعتبارهم أوكلوا للقوات العراقية مهمة مطاردة مواطنيهم، خارج أي إطار قضائي، رفض الناطق باسم هيئة أركان الجيوش بفرنسا، العقيد باتريك ستيجر، التعليق على وجود قائمة لمواطنين فرنسيين يجب تصفيتهم. وكرَّر التأكيد على مهام القوات الخاصة الفرنسية بـ"تقديم المشورة والإسناد للقوات العراقية من أجل استرداد الموصل، في إطار التحالف الدولي".
وشكك ستيجر في مسألة استهداف المواطنين الفرنسيين: "القوات العراقية تحارب مجموعات جهادية من قوميات متعددة. وهي تحت مرمى النيران، على الأرض. ومن المستحيل استهداف شخصٍ ما في هذه المجموعة أو تلك". وهو تعليق يتناغم مع تصريح الخارجية الفرنسية المعتاد على أن فرنسا "تقود عملها في ظل احترام للقانون الدولي".
وفي تناقض مع هذا النفي الفرنسي الرسمي لما قالته الصحيفة الأميركية، تنقل صحيفة "ويست فرانس"، في عدد اليوم، الأول من يونيو/حزيران، عن الصحافي فانسان نوزيل، مؤلف كتاب "قَتَلة الجمهورية"، تأكيده "صدقيّة" ما ذكرته الصحيفة الأميركية، في "انسجام مع ما هو معروف في هذا الصدد".
وترى الصحيفة الفرنسية أن هدف فرنسا ليس مقصوراً على مواطنيها، بل وأيضاً على ناطقين بالفرنسية آخرين، خاصة البلجيكيين.
ويؤكد نوزيل أن هذه الممارسات الفرنسية ليست جديدة، فالأنظمة الفرنسية المتعاقبة قامت، منذ سنوات، بتصفية إرهابيين يهددون فرنسا ومواطنيها ومصالحها.
ويكشف عن أن الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي "قرر استخدام وسائل عسكرية أكثر هجومية وأكثر مرئية، خاصة القوات الخاصة، لتنفيذ غارات أثناء احتجاز رهائن، ومطاردة أهداف ذات قيمة عالية لتصفيتها. وعلى منوال سلفه، ساركوزي، الذي استلهم الطرق الأميركية، تحوَّل هولاند، سنة 2013، إلى قائد حربي سريّ في الساحل، معطياً تعليمات بـ (الاجتثاث) وأوامر بتصفية عشرات من القادة الإرهابيين". ويضيف: "إن هذه الممارسة الفرنسية، تنفذ، من الآن فصاعداً في العراق".
ويرى نوزيل أن فرنسا تستطيع أن تُصفّي مقاتلين أعداء فرنسيين بعد أن تجردهم من جنسياتهم الفرنسية، وهو ما يسمح به القانون المدني، إلاّ أن المسألة لا تزال محطَّ نقاش. وهنا يطرح قضية تبادل الأدوار بين القوى الغربية، ويتساءل: لماذا لا تقوم هذه الدولة الغربية بمطاردة وتصفية مواطني دولة غربية أخرى، والعكس. ما دام أنه "تأكَّدَ تقاسُم الأميركيين والفرنسيين لقائمة الأهداف".
ويضيف نوزيل أن "هذه التوافقات الصغرى (تبادل المعلومات الاستخباراتية حول الأهداف والتعاقُد حول الضربات) بين أصدقاء التحالف الدولي ضد (داعش)، يتيح الالتفاف حول القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. ويتيح، بشكل رئيسي، التخلص من الجهاديين الغربيين ذوي المحفزات والقدرات المقلقة".