هل تبدلت "فــتـح"؟

10 ديسمبر 2014
+ الخط -

سـأل ناجي العـلي، رسام الكاريكاتير الشهير، يوما، أحد أصدقائه قائلا: "هل تعرف بيير صادق، رسام الكاريكاتير في صحيفة (العمل) الناطقة باسم حزب الكتائب؟ إنه فلسطيني..!".

وقبل أن تجحظ عينا صديقه دهشة واستغرابـًا، تابع ناجي كلامه: "أجل.. أجل، بيير صادق شخصيـًا المتخصص بشتم الفلسطينيين، والتعريض بهم، فلسطيني لحمـًا ودمـًا وأسرة، وهو تحديدًا من قرية البصة (قضاء عكا)!"

ثم ختم ناجي العـلي مفاجأته، متسائلا: "ما هو المدهش في الأمر؟ عندما يتخلى المرء عن كونه فلسطينيـًا، يجب أن نتوقع منه كل شيء!".

نتذكر حديث الشهيد، ناجي العلي، في هذا الزمن الذي بلغ فساد الإدراك وغياب الحس السليم مداه في حركة "فـتـح"، وأصبحت المعايـير مقلوبة ووسيلة من وسائل العجز والهزيمة!

نتذكر ناجي العلي، في هذه الأيام، حيث لم نعد نفهم الكثير مما يقرأ أو يسمع من تصريحات وبيانات ومواقف، تصدر من رئيس السلطة الفلسطينية، وبعض من يطلق عليهم "الناطقين باسم حرك فتح"، فقد تفوق بعض هؤلاء على أفيخاي أدرعي، الناطق باسم جيش العدو الصهيوني في شتم المقاومة والمجاهدين!

إنهم "أشجار الغرقد" نفسها، توالدوا وتكاثروا في عهد محمود عباس، وتسابقوا في تشويه تاريخ ونضال وجهاد الشعب الفلسطيني في انتفاضة الأقصى، وإشاعة روح الانهزامية والاستسلام، وتشجيع العدو على مواصلة عدوانه!

كيف نفهم تصريحات تردد قول رئيس وزراء العدو أن حماس هي داعش، وداعش هي حماس؟!
لم يرق للحكومة الإسرائيلية أن من أهم نتائج الحرب على قطاع غزة أنها أعادت إحياء الهوية الوطنية الكفاحية للشعب الفلسطيني، لذلك، تسعى إسرائيل إلى تشويه الانتصار وإفساده، وتشويه المقاومة الفلسطينية بضرب الوحدة الوطنية، وعدم السماح بتسجيل أية إنجازات حقيقية للمقاومة، وتحميلها مسؤولية ذلك أمام الشعب الفلسطيني والخارج، لذلك، قال نتنياهو في خطابه في الأمم المتحدة في 29 سبتمبر/أيلول 2014، إن حماس غصن مأخوذ من شجرة "داعش" السامة.

ولماذا يصر هذا الغراب ومجموعة الناعقين في رام الله على الإساءة لكل فتحاوي، بإصرارهم على تحقير النهج المقاوم؟!

قد يتساءل أحدهم:

لماذا تلقون باللوم على هؤلاء الصغار، وهناك من علمهم السحر ووصف جميع أبناء غزة بأنهم دواعش، بعد أن وصفهم، في السابق، بالقرامطة، وتحدث عن إيواء تنظيم القاعدة في محاولة مستهجنة لتحريض العالم ضد شعبه؟!

كيف نفهم تصريحات قادة الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، وهم الذي يؤكدون دائمـًا أنهم على استعداد للقضاء على الانتفاضة، وأن رجال الشرطة الفلسطينية هم مجموعة من أكياس الرمل تتلقى الرصاص دفاعـًا عن مواخير وبارات ومقاهي تل أبيب، وبيوت المستوطنين الذين سرقوا الأرض والوطن والماضي والمستقبل الفلسطيني، وحرموا أطفالنا من طفولتهم، وشبابنا من عنفوانهم، والسعادة من عيون الملايين من أبناء فلسطين في الداخل والخارج!

وألم يحن الوقت للشرفاء والمناضلين في الحركة للتخلص من هذه الزمرة الفاسدة والمفسدة، التي شوهت تاريخ الحركة النضالي؟!

ويزداد التساؤل مرارة:

هل هؤلاء من حركة "فـتـح" التي قادت النضال الفلسطيني على مدى خمسين عامـًا؟ هذه الحركة التاريخية المناضلة التي قدمت آلاف الشهداء، وعشرات آلاف الجرحى والأسرى والمعتقلين، خمسة عقود ونيف، وما زالت، أم هم من الزمرة التي تآمرت عليها من الداخل، واستغلوا "فـتـح" للحصول على المكاسب والغنائم، حتى أضحت "فـتـح" مشروعاً استثمارياً لديهم، وجعلوا من شعارها "ثورة حتى النصر"  شعار "ثورة حتى آخر الشهر"؟

لا أحد ينكر آثار التسوية السياسية على مجالات الحياة الفلسطينية المختلفة، وظهرت أكثر وضوحاً على حركة "فـتـح"، فقد قطعت اتفاقية أوسلو وما تبعها من اتفاقيات الخيط الرفيع الذي يربط بين أعضاء الحركة، والتي يجب علينا الاعتراف بأنها كانت الوعاء الذي احتوى جميع فصائل المقاومة الفلسطينية، حيث انضم إليها غالبية أبناء الشعب الفلسطيني من مختلف شرائحه وتياراته وأفكاره، وصنعت على أكتاف أبنائها المخلصين عبء مرحلة النهوض الفلسطيني، والتي بدأت أولى مراحله، مع قيام ثورته المسلحة في الفاتح من يناير/كانون الثاني 1965.

دفعت هذه التسوية كثيرين ممن لم يكن لهم تاريخ نضالي عسكري، أو سياسي، إلى القفز على السطح للانقضاض على كعكة "فتح"، وهي التي تمثلها في هذه الحالة أجهزة السلطة الفلسطينية! وأصبحنا نرى أشخاصا، لم نسمع بأسمائهم في مسيرة الثورة، يتباهون ويفاخرون ببطولات غير موجودة لديهم، ولا يعلمون هم أنفسهم شيئاً عنها!

كل شخص ينسب إلى نفسه أعمالاً وبطولات وعمليات عسكرية، لم يقم بها، ولم يحلم في يوم من الأيام القيام بها!

وظهرت طبقة جديدة من المنتفعين والمتسلقين الذين احتلوا مناصب، ليسوا أهلا لها، واعتبروا أنفسهم فوق القانون، وفوق الضوابط والحسابات، وحجة كل واحد فيهم أنه محرر الأوطان وقاهر الأعداء! وأخذت تتشكل الكتل المتجانسة مصلحياً أو مناطقياً، وحتى عائلياً وجماعياً "نسبة إلى جماعة أبو فلان وأبو علان"، وجميعهم لا يربطهم إلا رابط مصلحي يقوم على الفوز بنصيب الأسد من كعكة "فـتـح"!

إنهم "فئران السفينة الفلسطينية" التي التقت وتجمعت، لإغراق السفينة الفلسطينية من الداخل!

فهم فئران السفينة االتي سمنت بطونها، وانتفخت كروشها وقروشها، بممارساتها المستهجنة لشعب قدم الغالي والنفيس والتضحيات وقوافل الشهداء والجرحى والأسرى في سبيل قضيته!

إنهم تلامذة نجباء لمدرسة هدفها استغلال أوضاع شعبنا الفلسطيني المناضل، تحت يافطات وطنية وثورية مضللة، في محاولة لتشويه أرقى وأشرف ظاهرة نضالية لشعب تحت الاحتلال!

تعمد "فئران السفينة" تشويه كل ما هو فلسطيني، حيث أصبح واضحـًا أن هناك انفصاماً في الشخصية السياسية الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني أمام هجمة صهيونية ضد كل ما هو فلسطيني. ولكن، ماذا عن وجود 1800 قضية فساد تتعلق بمخصصات أيتام ورشى وأموال تذهب إلى غير مستحقيها في وزارة واحدة، علم عنها "الوزير" مصادفة!

نادينا كثيراً بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، لا أن تعطى المناصب للولاء الشخصي بدلاً من الولاء الوطني، وإلى حسن الحديث في المديح والإعجاب، بدلاً من الكفاءة، وشجاعة إبداء الرأي، حتى لا نصل إلى مثل هذه الإفرازات والمظاهر الانحرافية، التي لا تمت بصلة إلى عادات المجتمع الفلسطيني وتقاليده، وبعيدة كل البعد عن مبادئ الثورة الفلسطينية وقضية الشعب الفلسطيني الذي قدم لها قوافل الشهداء والجرحى والمعتقلين.

وللتاريخ والحقيقة، فإن أصوات الشرفاء داخل حركة "فـتـح"، وقيادات عديدة في الشعب الفلسطيني أصابها الكلل والملل من النداءات المتواصلة للسلطة لتقويم المسيرة الفلسطينية، والقضاء على ظاهرة انتشار فساد متنفذين في أجهزة السلطة، والتخلص من المحسوبية والأغراض الشخصية في التعيين. 

وحتى لا تضيع هوية "فـتـح" النضالية سدىً، على كل فتحاوي أصيل فضح كل البؤر والمستنقعات التي يعشعش فيها كل من ارتكب جريمة خيانة الحركة والوطن، بممارساته، إذ ليس من الدقة، ولا الصدق، أن نستمر في التركيز على العدو الإسرائيلي في تحميله ما أصاب "فـتـح"، على الرغم من دوره الأساسي في الكوارث والمصائب التي حلت بشعبنا، من دون أن نلتفت إلى داخل الحركة، لنطهرها من الفئران والطحالب الفاسدة والعفن والتائهين والضائعين بين العجز والانحراف، والسرطان الذي ينمو وتزداد أورامه في أحشائها، والوجوه العفنة التي مسخت قضيتـنا العادلة، والعقلية المريضة التي لا تحرّم الإثم والانحراف وإنما تحلله وتفلسفه وتنظر له، وتضع له القواعد والمرتكزات من خلال مصلحتها الذاتية التي ترتبط بالضرورة بمصلحة العدو فتصبح وإياه شيئـًا واحدًا!

قد يقول بعضهم إن وجود مثل هؤلاء الناس أمر طبيعي داخل كل حركة ثورية، تعرضت لانحسارات وانشقاقات عديدة، ونحن لا ننفي ذلك في المطلق، وقد يكون في ذلك بعض الحقيقة، لكن التاريخ علمنا، أيضـًا، أنه ليست هناك حركة ثورية تركت مُزَوِّري تاريخها، والمتآمرين على نضالها الثوري، يمرحون ويسرحون، ويرتكبون الإثم ويحكمون، ويتصدرون المسؤولية في مواقع الإدارة والتوجيه، وجميع مرافق الحياة العامة التي تقرر مصير الأجيال المقبلة، مثلما تفعل حركة "فـتـح" من دون محاسبة أو عقاب، حيث يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وحيث يستوي أصحاب الرسالات والقيم والقضايا الوطنية، بالتجار والمزاودين والعملاء والجواسيس، والدجالين الذين يعبثون باستقلال الأوطان، وشرف الأوطان وكرامتها!

avata
avata
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)