لا يزال تصريح المدرب الجزائري جمال بلماضي لإحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية بأنه يسعى للفوز بكأس العالم 2022، يثير ردود فعل الأوساط الكروية في الجزائر وخارجها، وهو الذي رفع تحدي التتويج ببطولة كأس أمم أفريقيا السنة الماضية في مصر بعد أشهر قليلة من استلامه المهمة.
قبل بضعة أشهر على الموعد مع التتويج القاري الذي صنع فيه الرجل حدثاً كبيراً في ظرف وجيز، في وقت كان الكلّ يعتقد بأنه يبيع الوهم للناس بعدما تراجع مستوى المنتخب الجزائري منذ مشاركته في مونديال البرازيل لدرجة صار يخسر ودياً على ميدانه أمام منتخب جزر الرأس الأخضر، قبل أن يتوج بامتياز باللقب القاري عندما أطاح بكبار أفريقيا دون خسارة، وتوج بكلّ الألقاب الفردية والجماعية في البطولة كصاحب أحسن خط دفاع وهجوم وأفضل حارس ولاعب في البطولة، ويفوز بتقدير واحترام العالم بأسره.
صحيح أن جمال بلماضي لم يقل قبل بطولة كأس أمم أفريقيا في مصر إنه سيتوج باللقب، بل قال إنه سيذهب إلى القاهرة لينافس على اللقب ومع ذلك كان التصريح مفاجئاً للمتتبعين بسبب الحالة السيئة التي كان عليها المنتخب الجزائري آنذاك وقوة المنافسين، لكن هذه المرة قال إن هدفه الفوز بكأس العالم وفي ذلك تحدٍ كبيرٌ للذات والغير، تحدٍ للعقل والمنطق ولكلّ القواعد التي تحكم عالم الكرة، خاصة وأن الرجل لم يكن يمزح في كلامه، بل كان يعي جيداً ما يقول رغم إقراره بأن التأهل إلى المونديال عن قارة أفريقيا صعب للغاية، إلا إذا كان التأهل بالنسبة إليه أصعب من مشوار النهائيات التي تلعب في ظروف وأجواء مريحة أكثر من التصفيات الأفريقية ومع منتخبات يمكن لمن يلعب أفضل منها أن يفوز عليها.
نظرياً كلّ الفرق المتأهلة إلى نهائيات حدث رياضي ما تنافس على البطولة بقدرات وطموحات متفاوتة، لكن أن تتجرأ كمدرب لبطل أفريقيا وتعد بالفوز بكأس العالم، أو تعلن بأنك ستشارك للفوز بالكأس، فإن ذلك يبدو مستحيلاً في الوقت الراهن لأن المنتخبات الأفريقية لم تصل بعد إلى هذا المستوى من الطموح والقدرة، وحتى مدربو المنتخبات الكبيرة لا يرفعون هكذا تحد، ولم يسبق لنا وأن سمعنا بأن مدربي ألمانيا وإسبانيا والأرجنتين والبرازيل في أوج قوتهم يصرحون بأنهم سيفوزون بكأس العالم مهما بلغت قوتهم وطموحاتهم وبلغ حجم جبروتهم واستصغارهم لخصومهم.
لكن ما الذي قاد جمال بلماضي لإطلاق هذا التصريح؟ ما الذي يقود بلماضي إلى رفع سقف الطموحات لهذه الدرجة؟ ما الذي يدفعه إلى استفزاز الرأي العام والإعلام بهذا الشكل؟ ما الذي يقوده إلى تحمل ضغوطات إضافية ليس بحاجة إليها من الآن؟ ما هي الرسالة التي يريد إيصالها بلماضي؟ ولمن يوجهها؟ هل للاعبين، الجماهير، المنافسين أم للعالم بأسره؟ أما السؤال الأهم من كلّ هذا هل يمكن فعلاً لبلماضي والجزائر التتويج بكأس العالم؟
أسئلة كثيرة تُطرح في هذا المقام لا نعرف لها جواباً في الوقت الراهن، لكن قد يكون لكلامه حكمة لا نعرفها أو ربما لا نفهمها لأن لها علاقة بنفسية الرجل وعقليته التي جعلته يتحدى العقل والمنطق عندما توج ببطولة كأس أمم أفريقيا في القاهرة وهو اللقب المطالب بالحفاظ عليه بداية السنة القادمة في الكاميرون، ثم التأهل إلى نهائيات قطر قبل التفكير في التتويج بكأس العالم رغم أن الطموح يبقى مشروعاً لكلّ مدرب ولاعب وفريق ومنتخب، حتى ولو تحول ذلك إلى جنون مؤقت سيصيبنا بالجنون الفعلي إذا تحقق.
ندرك بأن بلماضي ليس مجنوناً لكننا نعلم بأن المستحيل ليس جزائرياً، وأنا أيضا لست مجنوناً لو توقعت بأننا سنعيش أجواء مجنونة في قطر 2022 لم يسبق لها مثيل في تاريخ كأس العالم، لكن علينا أن نتأهل أولاً وبعدها نحلم ونؤمن ونعمل.