يواصل الدينار الجزائري رحلة تعويم انطلقت عام 2014، رافقت أزمة هبوط أسعار النفط الخام ولم تنته، وسط مخاوف من تفاقمها وتأثيراتها على القدرة الشرائية للمواطنين.
وتضمن قانون الموازنة العامة الجزائري للعام 2020، تعويما جديدا للعملة المحلية ليصبح الدولار الواحد يساوي 123 دينارا، مقارنة مع 118 دينارا مقابل دولار واحد في قانون الموازنة الجاري.
وفي بداية الأزمة النفطية منتصف 2014، كان سعر صرف العملة المحلية الجزائرية يساوى 83 دينارا لكل دولار واحد، وفي السوق الموازية للعملة بالجزائر، يبلغ سعر صرف الدولار 180 دينارا واليورو بـ 200 دينار.
وقدمت الحكومات الجزائرية المتعاقبة منذ 2014، تبريرات بكون تعويم العملة كان جزئيا فقط، والهدف منه امتصاص ارتدادات الصدمة النفطية التي أضرت باقتصاد البلاد.
وفي تصريح سابق لمحافظ بنك الجزائر محمد لوكال عام 2017 (يشغل حاليا منصب وزير الخزانة)، أكد فيه على أن تعويم الدينار الجزائري بلغ نحو 20 بالمئة منذ منتصف 2014.
وحسب لوكال، فإن تخفيض قيمة صرف العملة مقارنة بالدولار واليورو ساهم في امتصاص تأثيرات الأزمة النفطية على اقتصاد البلاد، بالنظر لاعتماده بصفة شبه كلية على إيرادات المحروقات (نفط وغاز).
ووجهت انتقادات للحكومات الجزائرية المتعاقبة منذ 2014، بإخضاع سعر صرف الدينار (التعويم الجزئي) لإملاءات سياسية إدارية من قبل رئاسة الجمهورية والحكومة بدل ترك العملية للتحركات الاقتصادية.
وحسب متابعين، أثرت هذه الإجراءات على القدرة الشرائية للجزائريين، الذين وقفوا متفرجين على تدهور قيمة عملتهم المحلية، خصوصا مع إقرار التمويل غير التقليدي (طبع الدينار) لسد العجز وسداد الدين الداخلي.
وكانت حكومة رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى (مسجون حاليا في قضايا فساد)، اعتمدت التمويل غير التقليدي (طبع الدينار) خريف 2017، وتم إصدار ما يفوق 56 مليار دولار (6556 مليار دينار)
وتعيش الجزائر العضو في منظمة "أوبك" أزمة اقتصادية منذ 5 سنوات، جراء تراجع أسعار النفط، وتقول السلطات إن البلاد فقدت قرابة نصف مداخيلها من النقد الأجنبي، التي هوت نزولا من 60 مليار دولار في 2014 إلى 41 مليارا في 2018.
ورافق الأزمة، تقلص كبير في احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي التي هوت من 194 مليار دولار نهاية يونيو/ حزيران 2014، إلى 112 مليار دولار نهاية فبراير/ شباط الماضي.
انهيار أسس الدينار
في السياق، يرى الخبير المالي والاقتصادي الجزائري نبيل جمعة، أن استمرار الدينار الجزائري في الهبوط منذ 2014، سببه انهيار 4 أسس حدد بموجبها سعر صرف العملة المحلية، من طرف الحكومة والبنك المركزي.
الأساس الأول حسب جمعة، هو الإنتاجية المحلية، التي عرفت تدهورا منذ 2014 في ظل الأزمة النفطية التي ضربت اقتصاد البلاد.
ويضيف جمعة، أن الإنتاجية التي تراجعت بفعل الأزمة النفطية، زاد من حدتها الوضع السياسي الراهن والصعوبات التي تواجهها الشركات الحكومية والخاصة.
وقبل أيام، أعلن أكبر تكتل لرجال الأعمال في الجزائر، أن نصف مليون وظيفة فقدت في البلاد إثر تحقيقات فساد باشرتها العدالة مع مسؤولين ورجال أعمال محسوبين على بوتفليقة.
أما الأساس الثاني، فيتعلق بأسعار المحروقات التي تعد المورد الرئيس للبلاد من النقد الأجنبي، والتي بقيت ضمن مستويات أقل من تلك التي كانت قبل الأزمة النفطية في 2014.
والأساس الثالث، يتعلق بالإنتاجية مقارنة بدول الجوار في المنطقة المغاربية والبحر المتوسط والاتحاد الأوروبي، التي وصلت لمستويات ضئيلة مقارنة بدول المنطقة.
أخيرا ذكر جمعة، أن الأساس الرابع يتعلق بالنمو الاقتصادي الذي تراجع كثيرا منذ 2014، والدليل، في 2019 كانت التوقعات تشير إلى نسبة نمو 4 بالمئة لكنها على أرض الواقع كانت في حدود 1.8 بالمئة.
وزاد: "تصريحات سابقة لمسؤولي البنك المركزي ذكرت بتراجع قيمة الدينار بـ 23 بالمئة منذ 2014، لكن التراجع على أرض الواقع بلغ 70 بالمئة.
استرجاع أموال الفساد
ويقترح المتحدث قيام السلطات بإجراءات لاسترجاع الأموال التي نهبت في حقبة بوتفليقة في الداخل والخارج، وإعادة ضخها في الاقتصاد المحلي.
وتابع: "إذا تم استرجاع 300 مليار دولار من أموال العصابة، وأعيد ضخها في الاقتصاد سيتعافى الدينار المحلي.. يجب الحجز على الأموال المتواجدة في الجزائر ومباشرة إجراءات مع دول أجنبية تتواجد بها أموال رموز نظام بوتفليقة لاسترجاعها".
والعصابة، مصطلح انتشر وراج كثيرا في الجزائر، أطلقه قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، على المسؤولين ورجال الأعمال الفاسدين من حقبة بوتفليقة.
(الأناضول)